صحافة

القدس: الرئيس عباس صاحب قضية ومشروع سلام

16 فبراير 2018
16 فبراير 2018

في زاوية أقلام وآراء كتب ناجي شراب مقالا بعنوان: الرئيس عباس صاحب قضية ومشروع سلام، جاء فيه: يبقى الرئيس محمود عباس رمزا وطنيا ومجسدا لمسيرة نضال وطني طويلة من أجل التحرر من الاحتلال الإسرائيلي والبناء السلمي لدولة ديمقراطية مؤمنة بالسلام خيارا للتعايش ونبذا للعنف المسلح وقتل المدنيين.

رؤيته السياسية هي نفس الرؤية السياسية لمن سبق من قيادات سياسية تمثل مرحلة النضال وتبني السلام كأحد أهم ركائز العمل الوطني الفلسطيني، فلم يخرج عن الثوابت الوطنية الفلسطينية، ولو كان كذلك لوقع على اتفاقات تسوية وليس سلاما منذ وقت طويل.

هو يريد تسوية سلمية مبنية أولا على استعادة الحقوق الفلسطينية، والحق في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كأي دولة أخرى؛ لذلك آمن بحل الدولتين كآلية لحل الصراع المركب والمعقد مع إسرائيل، ولكنه في الوقت ذاته كان يدرك ماذا يعني قيام دولة بجوار إسرائيل، وكان يدرك وقائع الجغرافيا والتداخل السكاني؛ ولذلك فإن مفهومه للدولة الفلسطينية أقرب للدولة الإنسانية المشتركة. الأساس في الفكرة أنه يريد دولة تؤكد على الحقوق الفلسطينية ـ وفي مرحلة لاحقة دولة منفتحة على من حولها، رؤية في إدارة وحل الصراع، في الصورة الأولى إدارة للصراع، وفي المرحلة اللاحقة حل للصراع، وهذا يحتاج لوقت وزمن لتحقيق التعايش المتبادل، والقبول بالآخر في إطار كينونة سياسية مرنة.

الأساس في الحل عنده الحقوق الفلسطينية، ومن هنا تمسكه بحل الدولتين، وإيمانه بالسلام ليس مجرد تسوية أو حل بقدر ما هو مشروع سياسي حاضر ومستقبلي، يقدم نفسه على أنه صاحب رؤية سياسية ومشروع سياسي لم يتغير وثابت، وهذا أحد مصادر قوة الرئيس، ولم يتخل عن شرعية ثورية القيادة التاريخية، فهو يعتبر نفسه امتدادا لهذه الشرعية، ولم ينفصل عنها لا في سياقها السياسي ولا في سياقها التاريخي، ومن منا لا يتذكر غصن الزيتون الذي حمله الرئيس الراحل ياسر عرفات، فهو نفس الغصن الذي يحمله الرئيس عباس.

لقد أدرك الرئيس عباس منذ البداية عن دراسة معمقة للفكر الصهيوني والفكر السياسة الحاكم في إسرائيل، وطبيعة المجتمع الإسرائيلي ماذا يعني السلام؟ وقوة هذا النهج الذي يتعارض مع الفكر الصهيوني، فكرة إسرائيل الكبرى، ومن هنا محاربة الرئيس والتحريض عليه على أنه ليس شريكا للسلام، كيف ذلك ؟ كل ما قام به الرئيس أنه قد كشف حقيقتين أساسيتين في الصراع: أن إسرائيل لا تريد السلام، وإنما تريد الأرض والتهويد والاستيطان، وأنها ترفض فكرة حل الدولتين؛ لأنها تدرك وهنا قوة البصيرة السياسية للرئيس عباس أن فكرة الدولة الفلسطينية إجهاض لفكرة إسرائيل الكبرى وتقزيم لإسرائيل داخل حدود معينة.

إسرائيل تريد حدودا مفتوحة، والرئيس عباس يريد حدودا سياسية معلومة تمارس من خلالها السيادة الوطنية الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية، ومن هنا معارضته القوية للقرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهذا الموقف يلقي الضوء على أحد مرجعيات الفكر السياسي للرئيس عباس، وهو التمسك بالبعد الديني الحضاري الذي تمثله القدس، وهذا يفسر لنا صلابة الموقف.

والركيزة الثانية أنه قد تعامل مع الدور الأمريكي من حقيقة أن الولايات المتحدة دولة أحادية القوة دوليا، ولا يمكن تجاهل تأثيرها في المنطقة، ولكن هذا الإدراك السياسي بالدور الأمريكي لم يعن الخضوع لإملاءات هذا الدور، وعندما وصل الإدراك بأن هذا الدور قد فقد مصداقيته مع إدارة الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونزعها من على طاولة المفاوضات لم يتردد في مهاجمة هذه السياسة، وبخطاب قوي غير مسبوق تفاجأت به الولايات المتحدة ذاتها، والرئيس الأمريكي نفسه الذي قال إن الفلسطينيين لا يحترموننا، ولم يأبه بسياسة العصا التي بدأت تلوح بها الولايات المتحدة ضد الفلسطينيين بوقف المساعدات وغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، بل إن هذه السياسات زادته إصرارا وتصلبا، وهذه سمة أخرى من سمات شخصية الرئيس عباس سمة العناد السياسي الذي تميز به القيادات التاريخية الفلسطينية، وتذكرنا بالموقف التاريخي للرئيس عرفات عندما وقف وقال لا للرئيس الأمريكي كلينتون، رغم أن ما كان معروضا هو أفضل حالا مما تعرضه إدارة الرئيس ترامب بتصفية القضية الفلسطينية من خلال ما يسمى بصفقة القرن التي أسماها الرئيس صفقة التصفية. والرئيس هنا يعبر في موقفه هذا على التمسك بالشرعية التاريخية التي رفضت كل الحلول الهادفة للتصفية، والبعد الآخر أنه لم يخدع شعبه منذ أن تولى الرئاسة عبر انتخابات وطنية اعترف الكل بنزاهتها وظل معبرا عن برنامجه الانتخابي الذي تقدم به، وقال إنه مع السلام، ومع المقاومة السلمية الشرعية، وضد العنف والإرهاب، وقتل الأطفال والمدنيين، وهذا منطق وصدقية في الخطاب السياسي، فكيف له وهو يعبر عن قضية عادلة يعاني شعبها من الاحتلال والاعتقال والأسر والقتل بفعل قوة السلاح الإسرائيلي أن يطالب بخطاب سياسي يتعارض مع شرعية القضية الفلسطينية.