أفكار وآراء

مصير ميركل في أيدي الاشتراكيين الألمان

16 فبراير 2018
16 فبراير 2018

سمير عواد -

بتاريخ 24 سبتمبر الماضي توجه الألمان إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، وحصلت ميركل على تفويض من الناخبين لتشكيل حكومة ائتلاف جديدة. وبعد فشل تشكل ائتلاف يجمع الاتحاد المسيحي مع الحزب الليبرالي وحزب الخضر، كان من حظ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تتزعم الحزب المسيحي الديمقراطي أن قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي عادوا عن رفضهم المشاركة في السلطة تحت زعامتها.

وفي تاريخ السابع من فبراير الجاري، وافقت ميركل على اتفاقية الائتلاف لحكومتها الرابعة والأخيرة بحسب غالبية المعلقين الألمان، وبذلك سيحكم ائتلاف كبير ألمانيا في السنوات الأربعة القادمة إذا نجحت الحكومة الألمانية الجديدة في الصمود أمام تحديات السياسة الداخلية.

وبحسب المراقبين فإن ميركل راهنت على الكثير وغامرت من أجل احتفاظها بمنصبها. وبرأي الغالبية منهم، فإن الحزب الاشتراكي هو الرابح الكبير من مفاوضات الائتلاف، حيث حصل على ستة وزارات، أبرزها وزارتي الخارجية والمالية. ولم يسبق وأن تنازلت ميركل للاشتراكيين الألمان بالمستوى الذي قامت به هذه المرة، وقالت صحيفة «بيلد» الشعبية أن ميركل دفعت الثمن غالياً وتخلت عن وزارة المالية بالذات للاشتراكيين كما تخلت عن وزارة الداخلية للمسيحيين الاجتماعيين البافاريين المعارضين لسياستها تجاه اللاجئين، ووزارتي المالية والعمل والشؤون الاجتماعية، مقابل احتفاظها بمنصبها للسنوات الأربعة القادمة وتفادي إجراء انتخابات برلمانية جديدة، خوفاً من تعرض حزبها إلى الهزيمة.

فقد فقدت ميركل، مستشارة حكومة تصريف الأعمال، الكثير من التأييد من قبل حزبها ومن الناخبين، الأمر الذي تؤكده نتائج استقراء الرأي العام الأخيرة. فمنذ الانتخابات العامة في سبتمبر زاد عدد غير المرتاحين لنهج ميركل باستمرار ويعتبر 51 % من الناخبين أنها تؤدي مهامها بشكل جيد، وأنها تستحق الحكم ولاية رابعة، مقابل 46% الذين يعتقدون أنها لم تعد تصلح لهذا المنصب ولا تقوم بعملها على النحو المطلوب.

وتجدر الإشارة إلى أن المستشارة ميركل تشغل منصبها منذ نهاية عام 2005، أي منذ اثني عشر عاما، وفي حال فوزها بمنصبها إذا وافق أعضاء الحزب الاشتراكي الألماني على مشاركة حزبهم في حكومتها الرابعة، فإنها قد تتجاوز الفترة التي حكم المستشار هيلموت كول ألمانيا ، والتي بلغت ستة عشر عاما. وحتى إن لم تفلح ميركل في البقاء في منصبها ، لأكثر من سبب، فإنها حجزت لنفسها مكاناً في التاريخ الألماني. إذ تُعتبر أشهر امرأة ألمانية، حيث كانت أول امرأة تحصل على منصب المستشار الألماني، وأول امرأة تنحدر من ألمانيا الشرقية في هذا المنصب، واتخذت قرارات ستبقى مرتبطة باسمها، رغم اختلاف مواقف الألمان تجاهها، مثل قرار التخلي عن استخدام مفاعل الطاقة النووية، وإلغاء الخدمة العسكرية، وقرارها الذي لا يزال يثير جدلاً واسعاً في أوروبا، المتعلق بموافقتها على دخول نحو مليون لاجئ أراضي ألمانيا منذ سبتمبر الماضي، حيث يتهمها خصومها في ألمانيا وأوروبا بالتسبب في نشوء أزمة اللاجئين. علاوة على قيام البعض بتحميلها مسؤولية نجاح حزب «بديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، في الفوز في عشرة برلمانات على صعيد الولايات والبرلمان الألماني «بوندستاج»، حيث أصبح ثالث أكبر حزب في البلاد. وبرأي فولكر فيتينج، المحلل السياسي في تلفزيون وإذاعة صوت ألمانيا «دويتشه فيلله»، فإن ميركل تعرف أن هذه ولايتها الأخيرة. وكانت قد ترددت طويلاً حتى اتخذت قرار ترشيح نفسها لولاية رابعة. وفي الغضون لم تعد المعارضة الألمانية فقط تطالب بتنحي ميركل، بل هناك أصوات في حزبها تطالب بذلك وتقول أن استمرارها في منصبها يعطل على حزبها بدء عملية التجديد وحصول وجوه جديدة على فرصة تحمل المسؤولية.

فالجناح اليميني المحافظ في حزبها، لم يغفر لها أخطاءها مثل انتهاج سياسات تعود أصلا لليبراليين والاشتراكيين، وجعل حزبها يفقد مبادئه كحزب محافظ، لكن منتقديها ظلوا صامتين خشية تعرض الحزب إلى الهزيمة في الانتخابات الأخيرة.

ويرى فلوريان كاتمان، الصحفي في مجلة «دير شبيجل» الألمانية أن ميركل بدأت تحضر لنهاية عهدها، وتعلم أن نهاية عهدها قد شارفت، غير أنه جرت العادة منذ عهد كونراد أديناور، أول مستشار ألماني بعد تأسيس ألمانيا الاتحادية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1949، لم يستقل أي مستشار ينتمي للحزب المسيحي من منصبه ، وإنما عادة فانه يفقد منصبه بقرار من الناخبين أو من قبل حزبه. وقد تكون ميركل أول شخص في هذا المنصب تتنحى بطيبة خاطر عن منصبها. ويستبعد كاتمان أن ترشح ميركل نفسها لولاية خامسة في عام 2021، نتيجة التحفظ الواسع نحوها من قبل الكثيرين في حزبها وعدد متزايد من الناخبين الألمان الذين يعتقدون أنه آن الأوان قد تعطي المجال لغيرها. فحين فشلت مفاوضات تشكل ائتلاف بين الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي وحزب الخضر، لم يشعر كثيرون في حزبها بارتياح عندما قالت أنها ستقود حزبها إذا جرت انتخابات عامة جديدة. ويعتقد كاتمان أن ميركل بدأت تدرك أن نفوذها بدأ يتضاءل، ففي البداية فشلت في تشكيل ائتلاف مع الليبراليين والخضر، ثم أنقذها الاشتراكيون من مواجهة انتخابات جديدة، لكن خطر الرحيل ما زال يهدد منصبها. ذلك أن مستقبل حكومتها الرابعة مهدد بالفشل من قبل أعضاء الحزب الاشتراكي. إذ يقود شباب الحزب حملة معارضة انضمام الاشتراكيين إلى ائتلاف تتزعمه ميركل، ويطالبون في حملة منظمة بالانتساب إلى الحزب لتعطيل الائتلاف عبر رفضهم خلال عملية التصويت المقررة. وسيحاول قادة الحزب الاشتراكي إقناع الأعضاء بتأييد مشاركتهم في السلطة، لكن المعارضين وغالبيتهم من الشباب يقولون أن الحزب يجب أن يحتفظ بمكانه في قيادة المعارضة لكي يعد نفسه للانتخابات القادمة ويقوم بتجديد نفسه.

ويقول كاتمان أنه حان الوقت كي تبدأ ميركل بالتمهيد لمن يخلفها، إذ أن مستقبلها السياسي مرهون بنتيجة عملية الاستفتاء التي سيقوم بها الاشتراكيون بتاريخ 20 فبراير الجاري، فإذا أيدوا مشاركة حزبهم في ائتلاف تتزعمه ميركل يكون الحزب الاشتراكي بالذات قد أنقذها، وإذا رفضوا ذلك فإن نهاية عهد ميركل تكون قد دنت وستجر معها بمصير الكثيرين من قادة الحزب الاشتراكي.