1250584
1250584
آخر الأخبار

ما بين «مسقط» و«رأس الحد» محطات تجود بخيرات الطبيعة والإبداع الإلهي

16 فبراير 2018
16 فبراير 2018

تنوع تضاريسي ملائم لـ «سياحة المغامرات»

كتب: عامر بن عبدالله الأنصاري -

أحاديث جانبية دارت بين مجموعة من الشباب، عن أفكار تلوح في الذهن بحزم الكثير من الأمتعة ومعدات الرحلات والانطلاق نحو فضاء السلطنة الرحب المليء بمقومات الجمال المختلفة، تدور تلك الأحاديث بين الشباب، لتتحول إلى مقترح في مجموعة «واتس أب» تضم عددا كبيرا من الشباب ما بين مقيم في السلطنة وبين مقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهكذا إلى أن رأى المقترح النور، بانطلاقة شمس يوم الخميس الماضي وانتهاء بصباح يوم السبت لتطوى تفاصيل تلك الرحلة الممتدة من ولاية قريات كأول نقطة في الرحلة، ورأس الحد النقطة الأخيرة، وبعدها طويت تلك الصفحة بما تحمله من تفاصيل ومشاهد تم توثيقها بالذهن قبل الصورة.

اعتمد خوض الرحلة ستة عشر شخصا، بقيادة الربان «جمال المنصوري» كل يحزم أمتعة الرحلات بحسب الأولويات، منها أمتعة أساسية مثل الخيام والفحم وأدوات الشواء وعبوات المياه الصغيرة والكبيرة، وكذلك أنواع البساط ما بين حصير وسجادة، وبين قدور الطهي والطباخات الصغيرة بأنواعها المختلفة، وأمتعة أخرى تكون شخصية يستعرض فيها كل شخص مقتنياته المناسبة للرحلات، سكينة صغيرة تعلق بين مفاتيح السيارة، وبطاريات لشحن الهواتف منها الصغير ذو الكفاءة العالية ومنها الكبيرة الأكفأ، وكشافات الإنارة كل يستعرض قوتها، وأعمدة الإنارة المناسبة للرحلات، لتكتمل الأساسيات والثانويات معا، فما إن طلب أحدهم شيئًا يعينه لأداء مهمة ما إلا ووجد مبادرة لتقديم الأداة المناسبة من أكثر من شخص وبأشكال متنوعة، وما إن همَّ أحدهم بإعداد وجبة خفيفة إلا ووجد المكونات حاضرة أمامهم، يتجلى اهتمام الشباب وشغفهم بتلك الرحلات التي لا تخلو من التعب والمتعة في آن واحد.

قريات

بعد جولات كثيرة بين المحلات التجارية للتبضع وشراء النواقص، بدأت تفاصيل المحطة الأولى تتضح، إذ جاء الاتفاق بأن تُنصب الخيام على شاطئ بولاية قريات، وتنزل الأمتعة، الحصير في هذا المكان، والشواية في ذاك المكان، كلٌ ينزل كرسيه المطوي في السيارة، أشكالها مختلفة وألوانها كذلك، رزمة الحطب تقترن بالأجواء بانتظار اشعالها لتكون مصباحا منيرا للمكان ومدفأة تعطف علينا بأحضان دافئة بين أجواء باردة تلسعنا مع نسيم البحر مقابلنا.

الجميع متعاون في اعداد وجبة العشاء السريعة والخفيفة، شطائر «برجر» وشيء من اللحم، ومقبلات جاهزة وأخرى تم اعدادها مثل السلطات، الجمر جاهز لاستقبال أصناف اللحم، وآخرون يتولون تقصيع الخبز وإضافة أوراق الخس وشرائح الطماطم والجبن والصلصات، استعدادا لاحتضان حبات البرجر المطهوة للتو!

انتهت وجبة عشاء ذلك اليوم، بجلسة سمرية بين الشباب، الضحك يملأ المكان، وشيء من الجدية في الحديث ببعض المواضيع، حكايات من واقع، وأخرى من وحي الخيال على شاكلة طرفة، وآخر يكون ضحية لتعليقات صديقه ليكون مادة للضحك، ورغم ذلك تجمعهم الروح الأخوية العفوية دون مضايقات أو مشاحنات، الجميع يقصد الاستمتاع بعيدا عن روتين يومي، بعيدا عن الرسميات المتكلفة، وبعيدا عن أجواء المدن الصاخبة، تنتهي تفاصيل يوم الخميس، يحجز كل شخص مكانه للنوم، يغفو البعض، بينما آخرون يصارعون لنيل قسط من الراحة في مكان غير معتاد ينامون فيه!

وادي العربيين

يصحو بعض الشباب على صوت أذان الفجر، حيث تبرع أحدهم بإقامة الأذان حتى يقوم الجميع للصلاة، ومن ثم جمع الأمتعة، وتوضيبها بالسيارات كما كانت من قبل، استعدادا للانطلاق إلى المرحلة الثانية من الرحلة، والاستقرار في محطة أخرى لإعداد وجبة الإفطار.

الوضوء في ذلك الوقت جهاد بحد ذاته، الماء بارد، الأجواء أكثر برودة، انتهت الصلاة، وانطلق الجميع موزعين للم الأمتعة، ومن ثم تحديد المسار بأجهزة الهواتف عبر خرائط «جوجل»، إلى وادي العربيين التابع لولاية قريات.

المسار إلى الوادي وعر بعض الشيء، يحتاج في غالب الأحيان إلى سيارة ذات دفع رباعي للوصول إلى قلب الوادي، وبعد مسافة ليست بالقليلة، تجلت روعة الوادي، والمياه راكدة خضراء اللون المائلة للزرقة، ينساب عليها قاربان صغيران، يقف عليهما سائحان أجنبيان، ينسابان بكل هدوء وروية، نشاهدهما من الأعلى بين أحضان تفاصيل الوادي والجبال الشامخة، روعة المياه النقية تجلت أمامنا، القاربان يسيران كمرور السحاب، وظلهما واضح أسفل القارب، توقف الجميع لالتقاط تلك الصور، فذلك المنظر الذي صادفناه لا يتكرر كثيرا، ترجمت أمام عيني أحاديث كثيرة في المؤتمرات والفعاليات التي تحكي عن السياحة، وتحديدا مصطلح «سياحة المغامرات»، تلك الطبيعة الموجودة في ربوع أرض عمان الغالية، مقصد حقيقي لكل من يبحث عن تلك الأنواع من السياحة، وهناك المزيد والكثير ستطلعنا عليه الرحلات القادمة.

أجانب وعمان

اخترنا موقعا في وادي العربيين، نصبنا فيه مظلة كبيرة تتسع لنا لتحمينا من أشعة الشمس، بدأ الجميع بإنزال أدوات الطبخ، وإعداد وجبة الإفطار، بيض مقلي، جبن حلوم مشوي، شاي كرك، بعض الخضروات، يتشارك الجميع في الأكل، بينما عدد من السياح يمرون علينا فندعوهم لمشاركتنا، منهم سائحان لبوا الدعوة، رجل وزوجته وصلوا إلى المكان دون مرشد سياحي، دارت بيننا أحاديث، تعرفنا خلالها على كيفية وصولهما إلى الموقع، فالفضاء الإلكتروني كان كفيلا بأن يتعرفوا على الأماكن السياحية في السلطنة، بل مشاهدة صور كثيرة قبل أن يعتزموا القدوم، قائلين بأن مواقع «اليوتيوب» وغيرها، تعطي الكثير من التفاصيل حول الأماكن الجميلة في السلطنة، وتقنية تحديد المواقع عن طريق «الجي بي إس» مفيدة جدا ومعينة لهما للوصول إلى المواقع.

كما وجدا بأن السلطنة مكان آمن، فلم يخافا من التجول فيها دون مرشد سياحي، وكذلك الحال تجلى لهم عند قيامهما بزيارة سوق مطرح، فقد شاهدا العديد من المحلات يغيب عنها بائعها لفترة دون أن يغلق المحل، فكانت لعمان صورة طيبة ارتسمت لهما.

هوية نجم

مضت حوالي ساعة زمنية في وادي العربيين، تفاصيل لَمَّ الامتعة تتكرر، لنقصد محطة أخرى نمكث فيها مدة قليلة لا تتجاوز الساعة، لنصل بعدها إلى هوية نجم، في منطقة ضباب التابعة لولاية قريات، وتلك الحفرة الضخمة التي دارت حولها الأقاويل، حفرة مليئة بالمياه، يقال بأن تلك الحفرة حدثت نتيجة ارتطام نيزكٍ قبل عشرات السنين، فيما يقول آخرون بأن هوية نجم، وتلك الحفرة عبارة عن كهف سقط سقفه، وما بين أقاويل اخرى متعددة.

رأس الحد

عاد الجميع موزعين على السيارات السبع في الرحلة، باتجاه نيابة رأس الحد، مرورا بقلب ولاية صور العفية، حيث استقطع الشباب وقتا من الرحلة للتجول فيها، والاطلاع على جسر العيجة، وزيارة مصنع للسفن الخشبية، والاستراحة لبعض الوقت في جامع السلطان قابوس لأداء صلاة الظهر والعصر، فحّل العصر لنواصل المسير إلى رأس الحد، وهناك استقر الجميع في استراحة كانت معروضة للإيجار، قضينا الليل بتفاصيله الكثيرة، أناس في رحلات مثلنا متناثرون على امتداد الشاطئ، سيارة تقاوم رمال البحر الصعبة وتكون ضحية لها، يتجه عدد من الشباب للمساعدة، وبتعاون الجميع تنجح المقاومة.

مر إعداد وجبة العشاء أطول مما كان، الجميع يتضور جوعا، إلى أن حان وقت العشاء المعد بأنامل قائد الرحلة الذي نناديه جميعا بـ «مدير» ويساعده الجميع، أكلنا إلى حد الشبع بعد جهد كبير، وفشلنا في إنهاء الوجبة التي تكفي ضعف عددنا، نام الجميع في أجواء باردة كذلك، لينتهي اليوم بانتهاء الرحلة.

وفي صباح يوم السبت، طفق الجميع إلى روتينه اليومي، وحياته المعتادة!