1251490
1251490
المنوعات

نزوى عاصمة لعمان لفترات طويلة وبدأ فيها الاستقرار البشري قبل مالك بن فهم

15 فبراير 2018
15 فبراير 2018

في دراسة تاريخية وحضارية لعبد الرحمن السليماني -

ازدهار الحياة الاجتـماعـية والاقتصـادية أسـهم في تقـدم الحياة الثقافية والفكـرية -

نزوى - سيف بن زاهر العبري -

تعد مدينة نزوى من أشهر المدن العمانية على مر الفترات التاريخية، إذ ظلت عاصمة لفترة طويلة، مما جعلها تسهم في رسم ملامح التاريخ العماني بصورة واضحة، كما أثّرت في مختلف النواحي السياسية والحضارية، وشهدت عمان ازدهارا طال مختلف جوانب الحياة، فضلا عن انتقال عاصمة الدولة من صحار إلى نزوى. أما مصادر التاريخ الإسلامي العام وكتب الجغرافيين والرحالة فكان البعض منها يذكر نبذا عن مدينة نزوى ولا سيما فيما يتعلق ببعض الجوانب الحضارية. وذلك ما سوف نتعرف عليه من خلال الدراسة التي أعدها الأستاذ عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله السليماني، وتناول في بدايتها أسباب تسمية نزوى بهذا الاسم، ودراسة الملامح الجغرافية للمدينة والتي تعد قاعدة مهمة للكثير من الملامح التاريخية والحضارية التي اتسمت بها نزوى .

أما الدراسة الأساسية فقد قسمها إلى أربعة فصول، تناول في الفصل الأول الأوضاع السياسية وانتقال العاصمة إلى نزوى، والأسباب التي دفعت العلماء والزعماء العمانيين إلى اتخاذ قرار نقل العاصمة، كما شمل هذا الفصل دراسة المؤسسات السياسية والإدارية والعسكرية، وفي الفصل الثاني ركزت الدراسة على الأوضاع الاجتماعية في مدينة نزوى، والعادات والتقاليد حيث تم التركيز على مناقشة مركز المرأة ودورها في المجتمع النزوي، وكذلك الملابس وأدوات الزينة ومستلزمات البيت والأطعمة، كما تناول هذا الفصل دراسة أهم الملامح العمرانية بنوعيها المدني والعسكري بالمدينة.

وناقش الفصل الثالث الحياة الاقتصادية خاصة ما يتعلق بالزراعة وأهميتها والموارد المائية بها، إلى جانب أهم الحرف والصناعات اليدوية وارتباطها بحاجة المجتمع إليها، وكذلك التجارة التي تشمل التجارة الداخلية والخارجية والأسواق وتنظيمها ودراسة الموازين والمكاييل والمقاييس والعملات. وتناول في الفصل الرابع الحياة الثقافية والفكرية وأهم المؤسسات التعليمية في مدينة نزوى، كذلك أشهر العلماء وإنتاجهم الفكري والدور السياسي الذي قاموا به، إلى جانب دراسة العلاقات الثقافية والفكرية التي كانت قائمة بين أئمة وعلماء نزوى وبين أهم مناطق تركز الإباضية في العالم الإسلامي وهي البصرة وبلاد المغرب وحضرموت.

وقد اعتمد الباحث عبد الرحمن بن أحمد السليماني في هذه الدراسة على الكثير من المصادر وأهمها المصادر التاريخية التي تناولت التاريخ العماني على امتداد عصوره التاريخية، ومن تلكم المصادر الأنساب للعلامة سلمة بن مسلم العوتبي (ت ق 5 هـ /‏‏ 11 م)، حيث يعد هذا الكتاب من أقدم كتب التاريخ العماني ومصدرا مهما للتاريخ العماني منذ العصر الجاهلي حتى القرن الرابع الهجري، كذلك كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة للشيخ سرحان بن سعيد الإزكوي (من علماء ق 12 هـ /‏‏ 18 م)، وتحفة الأعيان بسيرة أهل عمان للعلامة نور الدين عبد الله بن حميد السالمي (ت 1332 هـ /‏‏ 1914م)، وأهميته تبرز من خلال ما عرف عنه من الدقة المتناهية في النقل، حيث استقى معلوماته من مصادر محلية تاريخية وفقهية فضلا عن مصادر من التاريخ الإسلامي العام. كما اعتمد في دراسته على السير العمانية من المذكرات أو المراسلات التي كانت بين العلماء أو بين عالم وإمام، والتي تبين موقف هذا العالم أو ذاك من قضية معينة قد تكون عقدية أو فكرية أو سياسية.

كذلك كتب الفقه الإباضي العمانية التي تم تأليفها من قبل علماء عاشوا في فترة الدراسة، وقد عمل على إعادة صياغتها بما يتلاءم مع البحث والمنهج العلمي. كما اعتمد الباحث على مصادر الفقه الإباضي العمانية لعلماء عاصروا فترة الدراسة وكان لهم دور في الحياة السياسية والفكرية، ومن تلك المصادر جامع أبي الحواري للعلامة محمد بن الحواري القري (من علماء ق 3هـ /‏‏ 9م)، وجامع الفضل للعلامة الفضل بن الحواري (ت 278 هـ /‏‏ 891 م)، وجامع ابن جعفر لأبي جابر محمد بن جعفر الإزكوي (من علماء ق 3هـ /‏‏ 9م. إلى جانب ذلك استفاد الباحث من المصادر التاريخية والجغرافية العامة، وأهم تلك المصادر تاريخ الأمم والملوك لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ /‏‏ 922م)، والكامل في التاريخ لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد المعروف بابن الأثير (ت 630 هـ /‏‏ 1232 م)، وهناك بعض المصادر التاريخية الأخرى مثل كتاب المحبر لابن حبيب أبو جعفر بن محمد ( ت 245هـ /‏‏ 589م).

المصادر الجغرافية

ومن أهم المصادر الجغرافية التي استقى منها الباحث عبد الرحمن السليماني في دراسته، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد المقدسي (ت 375هـ /‏‏ 985م)، إذ أشار المقدسي إلى موقع نزوى ومادة بناء مساكنها، وغيرها. كذلك نزهة المشتاق في اختراق الأفاق لأبي عبد الله محمد بن عبدالله الإدريسي (ت 557هـ /‏‏ 1162م)، إذ أورد معلومات في العديد من الجوانب الحضارية وخاصة الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وأيضا معجم البلدان لياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626هـ /‏‏ 1228م)، فقد أورد الحموي في كتابه معناها اللغوي وتعريفا لها وحدد موقعها وبيّن العنصر السكاني الذي ينتمي إليه السكان، والناحية الاقتصادية، حيث أشار إلى صناعة النسيج بها ومدى التقدم والازدهار الذي وصلت إليه. بالإضافة إلى العديد من المراجع الأخرى كالمسالك والممالك للاصطخري، وصورة الأرض لابن حوقل، والممالك والمسالك لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري، ونخبة الدهر في عجائب البر والبحر لشيخ الربوة، والروض المعطار لمحمد بن عبد المنعم وغيرها من المصادر. وقد تطرق الباحث عبد الرحمن السليماني إلى سبب تسمية نَزْوَى بهذا الاسم بين المعاني اللغوية للاسم والواقع الجغرافي والتاريخي، فتضبط نَزْوَى معجميا بفتح النون وسكون الزاي وفتح الواو، وفي ذلك يقول الإمام السالمي:

أما فِدى فهي بكسر الفاء

والفتح في نَزْوَى بلا مراء

وهي من نَزا ينَزو نَزوا بالفتح، وعند ياقوت الحموي والنزو الوثب والمرة الواحدة نَزوة: جبل بعمان، وفي القامـوس المحيـط النَزوة: حجر أبيض رقيق، ونَزا ينَزو وثب، والنَزْوة: جبـل بعمان. ويتضح من ذلك وجود ترابط بين الدلالة اللغوية والواقع الجغرافي، فإن نزوى لغويا تأتي بمعنى الارتفاع والعلو، وهي ترتفع عن سطح البحر بحوالي 1900 قدم، وكذا نزوى جبل بعمان فلعله ذلك الجبل المستطيل من الجنوب إلى الشمال وهو يقع إلى الشرق منها على عكس من قال إنه يقع في الجهة الغربية منها، ولا سيما أن النزوة تأتي بمعنى الحجر الأبيض الرقيق وهذا الوصف ينطبق على الجبل الواقع إلى الشرق من نزوى ويعرف بجبل الحوراء والذي يميل لونه إلى البياض. وقيل سميت باسم عين ماء تقع شمال القلعة كانت تسيل في وادي كلبوه، وأنها تقع في موقع الجامع الآن، ولعلها عين فلج أبي ذؤابة، وبناء على ذلك فإن نفس العين تسمى نزوى ولغويا النَزّ ما يتحلب من الأرض من ماء فلعل المدينة حملت اسمها من هذه العين. ويرتبط بهذا المعنى الذي فيه دلالة على كثرة المياه ما قيل أن نزوى اشتق اسمها من التنزه وذلك لكثرة بساتينها فهي مدينة تكثر فيها الخمائل والمياه والنخل والأشجار والجداول والأنهار.

الملامــح التاريخية

كما تطرق الباحث عبد الرحمن السليماني إلى الدراسات التاريخية التي تتحدث عن نزوى، فتشير بعض الدراسات التاريخية إلى أن إزكي أول مدينة أنشئت وبعدها بنصف قرن أنشئت نزوى، وورد أن إنشائها جاء على يد عرمان بن عمرو بن الأزد قبل ما يقارب ستة آلاف وخمسمائة سنة، والدلائل تؤكد أن الاستيطان في نزوى كان قبل قدوم مالك بن فهم بفترة طويلة، ومن الأدلة ذات الأهمية الخاصة بالاستقرار في مدينة نزوى اكتشاف مستوطنة شرق نزوى بالقرب من جبل الحوراء على منحدر صخري بالقرب من شرجة الحديرة، وهذا الموقع يعود إلى العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي (1200 - 1000 ق.م)، وقد عثر في هذا الموقع على أدوات وأسلحة تبدو أنها لفارس وعلى أوانٍ عليها نقوش وزخارف. وعندما ظهر الإسلام كانت نزوى كغيرها من المناطق الداخلية من عمان تابعة لحكم بني الجلندى الذين كانوا ملوكا على الجبال والبوادي وأطراف عمان وسائر البلاد، وقد بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن العاص إلى ملكي عمان جيفر وعبد ابني الجلندى بن المستكبر يدعوهما إلى الإسلام، فالتقى بهما مبعوث الرسول بصحار، وبعد مناقشة معهما اعتنقا الإسلام، ودعوا سائر أهل عمان إلى الإسلام فأسلموا وبهذا انتشر الإسلام في أغلب نواحي عمان ومن ضمنها مدينة نزوى، ويشير تاريخ بناء بعض المساجد بنزوى إلى الفترة المبكرة التي دخل فيها الإسلام إلى نزوى كمسجد الشواذنة الذي بني في السنة السابعة للهجرة من القرن الأول الهجري وجامع سعال الذي بني في السنة الثامنة من نفس القرن، وقد جاء إنشاء هذه المساجد بناءً على أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك والأمر بإقامة الشعائر التعبدية. وأخذت نزوى في ظل الخلافة الإسلامية تزداد ازدهارا وأهمية من الناحيتين العلمية والدينية، وزاد اتصالها بالحواضر الإسلامية في الحجاز وبلاد العراق، إذ تردد كثير من العمانيين على بلاد الحجاز كمكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء مناسك الحج والعمرة أو طلب العلم على يد كبار الصحابة، كذلك استقر عدد منهم بالعراق، ومن أشهر الذين استقروا بالبصرة من أهل نزوى الإمام جابر بن زيد والعلامة الحتات بن الكاتب والعلامة بشير بن المنذر الذي رحل مع عدد من أهل عمان إلى البصرة طلبا للعلم.

الموقع الاستراتيجي الحصين

يشير الباحث السليماني إلى الموقع الاستراتيجي الحصين للمدينة، ووفرة الموارد الطبيعية كالماء والأرض الصالحة للزراعة والمراعي والمعادن وغيرها، وتوفر الموارد البشرية.

كما تناول الحياة الاجتماعية في مدينة نزوى وأهم الفئات الاجتماعية والدور الذي قامت به، والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع النزوي في تلك الفترة التاريخية، ومكانة المرأة ودورها في المجتمع، والناحية العمرانية سواء المدنية أو العسكرية وعوامل ازدهارها وأهم معالمها.

وقد خرج الباحث من هذه الدراسة بأن نزوى تعد من المدن العمانية التي بدأ فيها الاستقرار البشري منذ فترة متقدمة في التاريخ، حيث توجد إشارات إلى وجود الإنسان بها في العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي (1200 - 1000 ق . م)، ولها مكانتها التاريخية والسياسية، حيث اختارها العلماء والقادة العمانيون لتكون عاصمة للدولة، فضلا عن الموقع الجغرافي المهم الذي كفل لها الحماية الطبيعية، والموارد الطبيعية الضرورية لقيام العاصمة بدورها المركزي في الدولة، أيضا العوامل البشرية اللازمة لبناء الدولة وتسيير شؤونها، وللتطور والازدهار اللذين شهدتهما الحياة الاجتماعية والاقتصادية في نزوى، وأسهم التطور الصناعي في نمو الحركة التجارية بين نزوى وغيرها من المدن العمانية وخاصة الساحلية التي تقوم بعملية الاستيراد والتصدير، كما أسهمت تلك الأوضاع في ازدهار وتقدم الحياة الثقافية والفكرية، وظهر ذلك واضحا في تعدد المؤسسات التعليمية وكثرة العلماء وإنتاجهم الفكري، وفي ارتباطها بعلاقات خارجية سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية مع العديد من مناطق العالم.