أفكار وآراء

هل يذوب الجليد بين الكوريتين؟

14 فبراير 2018
14 فبراير 2018

عبد العزيز محمود -

الحرب التي اندلعت بين الكوريتين بين عامي ١٩٥٠ و١٩٥٣، والتي لم تستخدم فيها الأسلحة النووية، تسببت في مقتل مليون عسكري ومدني من الجانبين، فضلا عن تدمير سول وبيونج يانج ومعظم المدن في الكوريتين.

رغم أن البلدين عمليا في حالة حرب لكن ذلك لم يمنع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون من دعوة نظيره الجنوبي مون جاي إلى عقد قمة بينهما في بيونج يانج في محاولة لإذابة الجليد وإجراء مصالحة تاريخية.

واستبق أون دعوته بخطاب ألقاه مع بدء العام الجديد ، دعا فيه إلى تخفيف حدة التوتر بين الكوريتين، وفي تطور لاحق، وافق على مشاركة بلاده في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تقام حاليا في بيونج تشانج الكورية الجنوبية.

وكان لافتا للنظر مشاركة الكوريتين في الدورة بفريق واحد، وتحت راية واحدة، وذلك بالتزامن مع مباحثات رفيعة المستوى بينهما، تعد الأولى من نوعها منذ ١١ عاما، وقد ساعدت على إعادة فتح الخط الساخن بين الجانبين لأول مرة منذ عام ٢٠١٣.

بالتأكيد التقارب بين الكوريتين يشكل تحديا لحملة الضغوط الدولية التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد بيونج يانج بسبب برنامجها النووي، وهذا ما يريده بالضبط الزعيم الكوري الشمالي الذي يحاول اختراق العزلة الدولية المفروضة على بلاده وتجنيبها أي ضربة عسكرية أمريكية.

لكن التقارب بين الكوريتين لن يكون سهلا، فالبلدان يحكمهما نظامان مختلفان تماما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كما أن الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون ليس من مصلحتهم أن تتقارب كوريا الجنوبية المتطورة تكنولوجيا مع كوريا الشمالية المتطورة نوويا، فضلا عما يشكله هذا التقارب من تهديد للجهود الرامية لنزع سلاح كوريا الشمالية النووي.

ولعل هذا ما دفع الرئيس الكوري الجنوبي للترحيب المشروط بالقمة مع نظيره الشمالي في حال توافر البيئة المناسبة، وعقب القيام بترتيبات من بينها إجراء لقاءات بين الأسر التي فرقتها الحرب الكورية وتخفيف حدة التوتر العسكري بين البلدين.

لم يكن في وسع «مون» قبول دعوة «أون» دون الرجوع إلى حلفائه في واشنطن، الذين يطالبون بيونج يانج بالتخلي عن برنامجها النووي قبل إجراء أي حوار معها، وهكذا استغل «مون» المباحثات التي أجراها مؤخرا في بيونج تشانج مع مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي، في إقناعه بأن بيونج يانج لن تتخلى عن ترسانتها النووية مقابل وعود، وانه لابد من إجراء مباحثات تتضمن تقديم منافع اقتصادية ودبلوماسية.

والحقيقة أن «مون» منذ توليه السلطة في سول في مايو الماضي لا يخفي رغبته في حل الأزمة الكورية بالطرق الدبلوماسية، حتى لا تتسبب أي مواجهة عسكرية بين واشنطن وبيونج يانج، في تدمير بلاده، مع التزامه في نفس الوقت بالعقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية.

ومن الواضح أن مون حقق اختراقا مهما في مباحثاته مع بنس، فقد أعلنت واشنطن بشكل مفاجئ عدم معارضتها لأي مباحثات حول البرنامج النووي لكوريا الشمالية ، مع استمرارها في الضغط على نظام كيم جونج أون، وهو تطور يعني أن الإدارة الأمريكية قررت استخدام القوة الصلبة والناعمة في تعاملها مع بيونج يانج، على اعتبار أن ذلك يمنحها خيارات أكثر في أية مباحثات محتملة.

لكن هذا الموقف لا ينفي أن واشنطن تتعامل بحذر مع التقارب بين الكوريتين، خاصة وأنه يأتي في ظل إصرار من بيونج يانج على تسريع العمل في برامجها النووي والصاروخي رغم العقوبات الدولية.

يذكر أن كوريا الشمالية أجرت العام الماضي تجربة نووية هي السادسة من نوعها وثلاث تجارب صاروخية، كان آخرها إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات يمكنه الوصول إلى الأراضي الأمريكية.

وتدرك واشنطن جيدا أن هدف بيونج يانج من التقارب مع سول، هو التأثير سلبا على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وحتى تفقد الأخيرة مقعدها في أي مباحثات مستقبلية حول البرنامج النووي لكوريا الشمالية. كما تدرك أن أي مباحثات مع كوريا الشمالية لا تتضمن تخليها عن برنامجها النووي، هي مباحثات تصب في مصلحة كوريا الشمالية وحدها، ومن جانبها لم تقدم بيونج يانج أي بادرة تفيد بتخليها عن ترسانتها النووية.

وهذا ما دفع واشنطن للتلويح بأن القمة الكورية المرتقبة في بيونج يانج يجب أن تمهد لعقد مباحثات سداسية جديدة لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية بمشاركة أمريكا وروسيا والصين واليابان والكوريتين، فيما يشكل استئنافا للمحادثات السداسية التي أجريت في عام ٢٠٠٣.

لكن هذه التوقعات قد لا تبدو واردة في الوقت الراهن، في ظل التوتر الحاد بين بيونج يانج وواشنطن، فضلا عن القمم الكورية السابقة لم تتوصل لنتائج مرضية فيما يتعلق بالملف النووي، فالقمة الأولي التي عقدت عام ٢٠٠٠ في بيونج يانج بين الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج إيل ونظيره الجنوبي كيم داي جونج نجحت فقط في لم شمل الأسر التي فرقتها الحرب الكورية، وإنشاء مجمع صناعي مشترك في مدينة كيسونج الكورية الشمالية.

أما القمة الثانية التي عقدت عام ٢٠٠٧ في بيونج يانج بين إيل ونظيره الجنوبي روه مو هيون فلم تنجح في تنفيذ اتفاق سابق يقضي بتخلي كوريا الشمالية عن برنامجها النووي مقابل مساعدات اقتصادية، كما لم تنجح في استبدال الهدنة بين الكوريتين التي عقدت في عام ١٩٥٣بنظام سلام دائم.

والآن وبعد عقود طويلة من التوتر العسكري والسياسي، تأتي الدعوة لعقد قمة ثالثة بين الكوريتين، على أمل أن تستثمرها بيونج يانج في كسر العزلة المفروضة عليها، بينما تحاول سول استخدامها في تجنب النتائج الكارثية لأي مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.

ويكفي أن الحرب التي اندلعت بين الكوريتين بين عامي ١٩٥٠ و١٩٥٣، والتي لم تستخدم فيها الأسلحة النووية، تسببت في مقتل مليون عسكري ومدني من الجانبين، فضلا عن تدمير سول وبيونج يانج ومعظم المدن في الكوريتين.

ويبقى السؤال هل تتمكن القمة الكورية المرتقبة في حال إجرائها فعلا من إذابة الجليد بين الكوريتين بما يساعد على تخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، أم ستكون مجرد مناورة من بيونج يانج لتجنب ضربة عسكرية أمريكية وكسب مزيد من الوقت لحيازة سلاح نووي قادر بالفعل على تهديد الأراضي الأمريكية؟