randa
randa
أعمدة

عطر : التطير ونذير الشؤم

14 فبراير 2018
14 فبراير 2018

رندة صادق -

البعض يظن أن التطير لم يعد موجودا في المجتمعات الحديثة، وأنّه عادة قديمة تعود في عالمنا العربي الى الجاهلية، حيث كان العرب يؤمنون ببعض المظاهر التي كانوا يستدلون منها على أمر يشعرون منه بالخوف، وينسبون إليه النحس، ولقد تحدث المؤرخون عن أمور في غاية الغرابة آمن بها أهل الجاهلية، كتشاؤمهم من بعض الحيوانات، فهم يربطون الشتاء القاسي بتحرك السباع والطيور الجبلية من أماكنها، وإذا قرض جرذ ملابس أحدهم فهذا دليل مؤكد على نقص ماله وزوال النعم عنه ولعله يفقد ولده، أما نقيق الضفادع فإنه دليل على الموت القريب، وصراخ الديك يعني أن الموت سيطال النساء، وإذا صفق ديك بجناحيه دون ان يصدر صوتا عنه، فهذا يدل على أن هناك ما يعيق ظهور الخير عن صاحبه، وكذلك نباح الكلب فذلك أمر من أغرب الأمور، وإذا نبح واستراح فهذا يؤكد حدوث سرقة، أما تصادف عواء الذئاب ورد الكلاب عليهم بالنباح فهذا يشير حتما الى وقوع المعارك التي سيسال بها كثير من الدماء، ولا يمكننا إسقاط التطير من الغربان وتوقع الشر لرؤيتهم، أو التشاؤم من البومة التي يظنون أنها تجلب النحس الشديد، وقد كان هناك نوع آخر يسيطر على الذهنية السائدة كالتطير ممن لديه إعاقة ما، ورغم ظهور الإسلام دين الحق الذي نهى عن التطير واعتبره إشراكا بالله، استمر توارث التطير، فنحن نجد شاعرا كابن الرومي من العصر العباسي اشتهر بتطيره وتشاؤمه، حيث كان يلازم بيته لأيام عدة، إذا رأى جاره، وكان يكره البشاعة ويتشاءم من أدق أمر يمر به.

إذا هذا الأمر استمر في ذهنية الناس حتى بات هناك معتقدات موروثة مستمرة في حضارتنا الحديثة، حيث بقيت الخرافات تلاحق الإنسان المعاصر، رغم تطوره العلمي وقوة العقل التي سيطرت على الكثير من مجالات تفكيره، رغم تحول الحياة الى عالم شديد المادية، فان البعض ما زال يعاني من مس الخرافات التي تتملك نظرته للحياة، وهذا يشكل تناقضا يثير الدهشة، فكيف يمكن ان نرث تلك الخرافات على مر آلاف السنين، خاصة أن البعض اليوم يربط نهاره بماذا يقول له برجه؟ فان أشار الى انه سيتمتع بنهار جيد وسيصادف بطريقه الخير الكثير، خرج من داره متفائلا مقبلا على الحياة، وان كان برجه يشير الى حدوث مفاجآت غير سارة يسيطر عليه الخوف ويسكنه القلق، وان خرج من داره بحكم عمله، يبقى على حذر وينتظر أمرا يؤكد ما جاء ببرجه. وقد يقع البعض تحت تأثير اهل التنجيم وملوك التوقعات الذين يزرعون الشك والخوف في النفوس الضعيفة .

لا يبدو ان التخلص من التطير أمرا سهلا، لأن ذلك يتطلب وعيا جماعيا يرتبط بالثقافة التربوية وبما يكتسبه المرء في مجتمعه الضيق، وغالبا نحن نجد هذه الفكرة تتجسد جليا في الروايات الغربية والعربية وفي الدراما والمسرح وكافة الفنون، البعض يصنفها كإرث ميثيولوجي يرتبط بتاريخ الحضارات وما يسكنها من خرافات، تقترب من الحقيقة أو تضخم ليتم تصنيفها كحقيقة ثابتة.

الأمر اذا يرتبط بوعي فردي وجماعي، ومع هذا البعض يتمكن من سياق أدلة تدعم تطيره، وهذا الأمر له علاقة بالحالة النفسية للشخص وما يعيشه في عالمه اللاواعي من تأثيرات ضبابية لأحداث مرّ بها أو عايشها. الإيمان، العقل، الوعي، هم أسلحة على المشككين ان يتسلحوا بها ليتمكنوا من تبسيط الحياة وعدم ربط أي أمر عابر بمزاجهم ونظرتهم السلبية لها.

يبقى العالم مسرحا للغرائب ودارا واسعة بلا حدود لقصص تثير الدهشة، تتعلق بهشاشة العقل الإنساني واحتلال الأوهام لمداركه، ولا أحد قادر حقا على وضع استراتيجية واضحة للنجاة.

[email protected]