أفكار وآراء

عام على رئاسـة ترامـب

13 فبراير 2018
13 فبراير 2018

ماجد كيالي  -

كاتب فلسطيني -

منذ مجيئه رئيسا للإدارة الأمريكية (مطلع العام الماضي)، بل ومنذ ترشحه للرئاسة، بدا دونالد ترامب شخصا من خارج النسق السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، وفريد بالمقارنة مع الرؤساء الذين سبقوه إلى البيت الأبيض. ومثلاً، فهو جاء من خارج المؤسسة الحزبية، الجمهورية أو الديمقراطية، ومن خارج التيارات السياسية ذات الرؤى الواضحة أو المحددة، كما حصل مع الرئيس بوش الابن، الذي كان يتبنى أطروحات تيار «المحافظين الجدد».

فوق كل ذلك، فإن هذا الرجل صعد بدفع من قوة مركزه المالي وبإجادته لعبة الإعلام، واللعب على عصب التوترات الاجتماعية والأمزجة الشعبوية في المجتمع الأمريكي، بحيث استطاع أن يقدم نفسه كرجل المرحلة، الأمر الذي أمّن له الحد اللازم من الأصوات لإيصاله إلى سدة الرئاسة.

المهم أن هذا الرجل وصل إلى البيت الأبيض مع وعد بتجديد عظمة أمريكا، بحسب رؤيته لذلك، وتزعّمها كقطب أوحد في العالم، متوعدا بتقليص التزاماتها الدولية، على طريقة من يعطي يأخذ، أو من يرضخ ينال الجوائز؛ وهو الأمر الذي كرره في خطابه عن «حال الاتحاد» أواخر يناير الماضي .

ومعلوم أن ترامب وصل في كل تلك الأطروحات حد التساؤل عن جدوى الأمم المتحدة، والتساؤل عن جدوى الدعم المالي لها من قبل بلده، وصولاً إلى التشكيك حتى في جدوى حلف الناتو، والدعوة إلى تقليص حجمه ، بل وحتى التهديد بالانسحاب منه، مرورا بتساؤلاته عن تعديل ميزان التجارة الأمريكي مع الصين، وإنشاء جدار على الحدود مع المكسيك بتمويل مكسيكي، أو على حساب المكسيك بشكل أو بآخر.

في الغضون لم ينتبه ترامب إلى مسألتين مترابطتين، أولاهما، أن عظمة أمريكا أو مكانتها في العالم، تتأتى أيضاً وأساساً من التزاماتها الدولية، ومن نمط القيم التي تتبناها أو تدعّي تبنيها والدفاع عنها، وأن الانسحاب من كل ذلك سيعزلها أو يقلل من قدرتها على فرض أجنداتها السياسية والاقتصادية بالنسبة للآخرين.

وثانيتهما أن الولايات المتحدة المنعزلة لن تكون هي ذاتها، لأن قوتها لا تتحدّد تبعاً لقوتها الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية فقط، ولكنها تتحدد أيضا من مسارات العولمة التي أطلقتها بفضل قوتها تلك، ومن قدرتها على فرض نموذجها وقيمها، أي قيم الحرية والديمقراطية التي ظلت تدّعيها طوال القرن العشرين.

ومن تفحّص السياسات التي انتهجها ترامب، وطريقته في الإدارة، ونمط علاقاته مع الدول الصديقة الأخرى، طوال عام من وجوده في البيت الأبيض، يمكنه ملاحظة اهتزاز مكانة الولايات المتحدة ، وتآكل هيبتها في العالم، وحتى فقدانه هو لجزء كبير من رصيده في المجتمع الأمريكي.

هكذا بدأ ترامب عهده على الصعيد الداخلي بمحاولته إنهاء برنامج الضمان الصحي، الذي تم تبنيه في فترة سلفه باراك أوباما، لكنه أخفق في هذه المحاولة، إذ لم يستطع تأمين النصاب اللازم ، بسبب رفض عديدين في الحزب الجمهوري لذلك. كما بدأ هذا العهد بمحاولته التشكيك بالمواطنين الأمريكيين المسلمين، الأمر الذي أوجد معارضة له لدى قطاعات واسعة من المجتمع الأمريكي من مختلف الألوان والشرائح.

أما على الصعيد الخارجي فقد عمل على إنهاء التزام الولايات المتحدة باتفاقية المناخ الموقعة في باريس (2015)، ضد إرادة الدول الأوروبية، وهو ما ألّب عليه حكام ولايات أمريكية كثر منها واشنطن ونيويورك وكاليفورنيا، التي أعلنت ضرورة الالتزام بهذا الاتفاق.

بعد ذلك أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من “الميثاق العالمي للهجرة”، الذي أقرته المنظمة الدولية بالإجماع (2016) تحت اسم “إعلان نيويورك” بهدف تحسين ظروف اللاجئين والمهاجرين، إضافة إلى انسحابها من منظمة اليونسكو، بسبب اعتراضها على موقف لها ضد السياسات الإسرائيلية.

ولعل قمة العزلة للولايات المتحدة الأمريكية تجلت في رفض قرار ترامب القاضي بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، إذ اضطرت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي لاستخدام حق الفيتو، ضد مشروع قرار يخالف قرار ترامب، إذ وجدت نفسها وحيدة مقابل 14 صوتا، ضمنها بريطانيا وفرنسا. وقد تكرر ذات الأمر في التصويت على القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في جلستها الاستثنائية (21 ديسمبر الماضي)، والذي أكدت فيه على حق الفلسطينيين في القدس الشرقية بما يتنافى مع القرار الأمريكي، وذلك رغم تهديد الولايات المتحدة للدول الأخرى من مغبة التصويت بما يخالف وجهة نظرها.

على أية حال ها نحن بعد عام من تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، مع كل الانعكاسات التي أشاعتها كلماته على تويتر ، ومواقفه، وبعض قراراته ، داخل الولايات المتحدة وخارجها، وصدور عديد من التكهنات التي تشكك باحتمال استمرار ولايته إلى نهايتها، فإن مثل هذه التكهنات لا تستند في الواقع الى ما يدعمها ، ولذا تظل اقرب الى رغبات أصحابها اكثر منها شيئا آخر .