أفكار وآراء

المشهد الإعلامي العربي في مفترق طرق

13 فبراير 2018
13 فبراير 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

كان الإعلام العربي قبل عام 2011 وهو مشهد الثورات العربية منسجما الى حد كبير مع السياسات الرسمية العربية ، مع وجود بعض الاستثناءات المحدودة عند وجود خلافات عربية وتزول تلك المناوشات الإعلامية بالتوسط لحل تلك الخلافات من خلال وساطة عربية او إقليمية.

وكانت لغة الخطاب الإعلامي ، حتى مع وجود الخلافات، منضبطا الى حد كبير من خلال اللغة المستخدمة، وغياب أي انحدار أخلاقي او مهني، عند وجود ذلك التراشق الإعلامي بين الدول المعنية بالخلاف.

وكان هذا الامر مقبولا الى حد كبير، ومع تفجر الوضع العربي من خلال ما سمي بمشهد الربيع العربي وما صاحبه من ثورات وثورات مضاده وعنف أدت الى حروب اهلية خاصة في سوريا وليبيا واليمن وتدخلات عسكرية عربية ، وتدخلات اقليمية ودولية، كما في الحالة السورية حيث تواجد قوات حزب الله اللبناني والقوات الايرانية والقوات الروسية وايضا الامريكية والتركية، التي هيمنت على المشهد السوري المأساوي الانحدار الاخلاقي والمهني ومع تعقد المسارات العربية، خاصة في دول الربيع العربي، والتدخلات العسكرية العربية والاقليمية والدولية بدأ الخطاب الإعلامي ينحدر بشكل غير مسبوق واصبح جزءا من الصراع المحتدم في المنطقة العربية. والمتابع والمراقب للمشهد الإعلامي العربي خلال السنوات الاخيرة يصاب بالدهشة وعدم التصديق حيث انحدرت لغة الخطاب الإعلامي وغابت المهنية واصبحت اساليب التطاول والقذف والشتم من اهم المقاييس لنجاح تلك الجبهة الاعلاميه او تلك، على الاقل من خلال المعنيين بها او الذين تتحدث باسمهم، ولذا انتشرت الألفاظ غير الأخلاقية ، وتدني مستوى اللغة الإعلامية، ودخول ما سمي بالجيوش الالكترونية ، وتم تخصيص مئات الملايين من الدولارات للإنفاق على المعركة الإعلامية بين تلك الدول الشقيقة

المتصارعة، سواء علي صعيد الداخل حيث الصراع، او على مستوى الخارج حيث التدخلات التي وصلت مداها خاصة في سوريا واليمن ومن هنا ظهرت شبكات التواصل الاجتماعي غير المنضبطة هي الاخرى، لتضيف للمشهد الإعلامي التقليدي بعدا جديدا سيئا، ساهم في انحدار الخطاب الإعلامي العربي بشكل غير مسبوق، مع استثناءات محدودة تتصدرها بالطبع السلطنة ، ذات الخطاب الإعلامي الموضوعي والذي يتمتع بمهنية ومصداقية عالية.

وعلى ضوء تعقد المشهد السياسي العربي تزداد الحملات الإعلامية المتبادلة ضراوة مما جعل المناخ السياسي والاجتماعي يتسم بالتعقيد واللامنطق من خلال سيل جارف من الرسائل السلبية التي تعمق الكراهية والإحباط، وتعميق الخلافات بين المجتمعات العربية بشكل خاص.

ان خطورة تدني الخطاب الإعلامي العربي تتمثل ليس فقط في تعميق الخلافات السياسية بين الدول، ولكن المتضرر الأكبر هي الشعوب العربية والتي دخلت في مناكفات وعداوات متواصلة من خلال ذلك السيل الجارف من الرسائل والتغريدات غير الأخلاقية، ومن خلال تواصل حملات إعلامية منظمة استهدفت كل شيء ، حتى أعراض الناس للأسف الشديد الأزمة الخليجية نموذجا، هناك مبدأ ثابت في العرف السياسي بأن الخلافات بين الدول وفي أي اقليم هو أمر وارد بسبب تعارض المواقف والمصالح والسياسات ، وهذا أمر طبيعي فليس هناك إقليم في العالم لم يشهد خلافات بين دول ذلك الاقليم ، حتى في إطار التحالفات . ولعل اقرب مثال على ذلك، الخلافات بين الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الاوروبي، وكذالك الخلاف التركي-الامريكي ومع ذلك لم ينحدر الخطاب الإعلامي لتلك الاطراف، كما هو الحال في الحالة العربية.

الخلاف بين الاشقاء في دول الخليج هو وارد وحل هذا الخلاف ينبغي ان يقوم على تفاهمات سياسية من خلال الحوار والجلوس على طاولة الحوار لأن الذي يجمع بين تلك الدول هو اكبر بكثير من أي خلاف سياسي عابر، فدول مجلس التعاون تربطها وشائج اجتماعية، وجوار جغرافي، وتاريخ مشترك، وعادات وتقاليد واحدة، واصول قبلية مشتركة، علاوة على وجودها داخل منظومة تعاونية مهمة يتطلع لها ابناء المنطقة بكثير من التطلعات والآمال نحو التكامل الاقتصادي من خلال عدد من الآليات التي تعزز من العمل الخليجي المشترك ثم العمل العربي الموحد، فدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي جزء اصيل من المنظومة العربية وهي ايضا جزء مهم من الأمن القومي العربي والذي يحتاج الى إرادة سياسية عربية شاملة للمحافظة عليه ويحز في النفس ان ينحدر الإعلام في المنطقة على النحو الذي نراه من قبل وسائل الإعلام حيث أدى ذلك التراشق غير الأخلاقي، الى تفاقم الأزمة ، ليس فقط من الناحية السياسية ، ولكن على صعيد المنظومة الاجتماعية وزرع مفاهيم مرفوضة بين الاشقاء، من خلال المجتمع المترابط . ومن هنا فإن الوقت قد حان لمراجعة هذا الخطاب السلبي والكف عن تلك الهجمات الالكترونية، والتي تزيد الكراهية بين الشعوب، والتي لا دخل لها، في أي خلاف سياسي. فالخلافات السياسية سوف تحل عاجلا أم آجلا، ولكن المشكلة هي خطاب الكراهية الذي يمارس ضد المجتمعات ،وهذا لا يدخل في

إطار النهج الشرعي او الاخلاقي لتقاليد راسخة بين ابناء المنطقة منذ سنوات طويلة حيث ان النهج الوسطي والتسامح والبحث عما يجمع ، هو من الامور التي جعلت منطقة الخليج من المناطق التي عاشت مناخ السلام والرفاهية والعلاقات الإيجابية بين الافراد والجماعات.

ان الإعلام هو سلاح خطير وحساس، ولابد ان يكون عاملا اساسيا للبناء والمحبة بين الشعوب، ويترك الخلاف السياسي لأصحاب الشأن لحله، من خلال آليات يتم الاتفاق عليها، ولعل الأزمة الخليجية سوف تنفرج لا محالة، ولكن استمرار المناكفات والتراشق الإعلامي لا يساعد على صفاء النفوس، ولا على خلق مناخ ايجابي يساعد على التهيئة لحل الخلاف بين الدول الشقيقة ومن هنا فإن الواجب يقتضي من مسؤولي الإعلام في الدول المعنية ، الوقف الفوري للحملات الإعلامية والدخول في مسار جديد ، يعطي الفرصة لاستعادة المنطق والبحث عن مسارات تؤدي إلى الشعور بأهمية وضع حد لأي خلاف لأن استمرار ذلك الخلاف يضر بكل الأطراف.

ولا شك أن المنظومة الإعلامية العربية تحتاج الى إعادة نظر، من خلال حزمة القيم او من خلال إيجاد ميثاق شرف إعلامي عربي موحد، يلتزم به كل الإعلاميين والصحفيين العرب حتى عند وقوع أي خلافات سياسية، وهذا دور لا بد أن يضطلع به وزراء الإعلام العرب.

تغيير المنهجية على ضوء المتابعة بحكم المهنة، فإن الإعلام العربي استخدم من قبل الحكومات بطريقه بشعة تنم عن فقدان المنهجية والموضوعية، ولا شك ان هناك من يدفع بالمشهد الإعلامي الى هذا التردي مما يخلق تعقيدات على صعيد المنظومة الإعلامية العربية، وبالتالي يخلق مناخا سلبيا وتوجها ضارا بالمصالح العربية وهناك من بعض الاعلاميين الذين ساعدوا من خلال اجندات محددة على الدفع بهذا الشحن الإعلامي بهدف تحقيق مآرب ومصالح محددة وشخصية دائما تقريبا.

ان الإعلام العربي مطالب بتحديد منهجية تقوم على الصدق والموضوعية وتغليب المصالح الكلية العربية ، وعدم الدخول في مناكفات مضرة بالمجتمع العربي ، والقفز فوق مصالح الامن القومي العربي ، فعند نشوب اي خلاف ينبغي للإعلام العربي ان يوجه المسار نحو التهدئة والتذكير بالعوامل المشترك وخلق بناء يساعد علي حل تلك الخلافات، وهذا هو دور الإعلام الأمين الذي يساعد القيادات السياسية العربية على إيجاد الآليات التي تدفع بالحوار الى الأمام وبالتالي يصبح الإعلام العربي مشعلا للتعاون والمبادرات الإيجابية .

ان المنظومة الاعلامية العربية، بمنهجيتها الحالية ، لا تساعد على الخروج من الحلقة الضيقة الحالية التي يمر بها العالم ، بل هي تعقد الامور وتتجه بتلك الخلافات الى الأسوأ، وهذا أمر لابد من التدخل فيه من قبل وزراء الاعلام العرب ، من خلال اجتماعاتهم الدورية، او من خلال اجتماع طارئ يناقش المشهد الاعلامي العربي، والذي وصل الى مرحلة من الانحدار الأخلاقي والتردي ، حيث ان استمرار هذه الحالة سوف يكون له تأثير مدمر على عقليات ونفوس الاجيال الجديدة، وهذا أمر في غاية الخطورة من خلال تسويق مفاهيم لا تنسجم ومفهوم الوطن العربي الواحد وأحلام التكامل العربي . ومن هنا فان ظاهرة تدهور الإعلام العربي أصبحت واضحة ومستفزة، ولا يمكن استمرارها على هذا النحو.

وعلى ضوء ما يجري من مشاهد يومية ومن لغة متدنية في الخطاب الإعلامي العربي، فإن ذلك سوف يؤدي الى تدني منظومة القيم والمصداقية، وندخل في فوضى إعلامية عارمة ، والتي بدأت ملامحها في التشكل على اكثر من منصة إعلامية، خاصة منصات التواصل الاجتماعي والتي اصبحت الأكثر تأثيرا من خلال سرعة إيصال الرسالة والمتابعات وردود الفعل، وما تتضمنها تلك الرسائل من إشاعات وتضليل تخدم صانعي تلك الرسائل واهدافهم غير الأخلاقية فهل يتدخل الساسة وفي مقدمتهم وزراء الإعلام العرب، ام يستمر الحال على ماهو عليه وبما يتبعه من مخاطر على عقول المجتمعات والشعوب ، وبالتالي تتعزز مفاهيم سلبية ومنهجية ، تغير من السلوكيات الإيجابية والدخول في معترك الكراهية وحب الانتقام.