الملف السياسي

مصر وعمان والأمن القومي العربي

12 فبراير 2018
12 فبراير 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

تلتقي السلطنة ومصر في عدد من المشتركات الحضارية باعتبار الدولتين ذواتي أداور تاريخية على صعيد الحضارتين المصرية والعمانية من خلال وجودهما على الخريطة الدولية في أكثر من منطقة وعادة الدول الحضارية يكون لها فكر يتسق وحضورها الجغرافي وفكرها الإنساني ودورها الاستراتيجي.

لقد لعبت العلاقات الحديثة المميزة بين السلطنة ومصر خلال العقود الخمسة الأخيرة أدوارا حيوية فيما يختص أولا بثبات تلك العلاقة وانسجامها مع مختلف المستجدات التي شهدتها المنطقة العربية والعالم أو من خلال دورهما المميز على صعيد حل عدد من الملفات الشائكة من خلال حضورهما الدبلوماسي النشط على المستوى الإقليمي والدولي مما انعكس على حل بعض الإشكالات العربية-العربية والدفاع المتواصل عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني على أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

الأمن القومي العربي

الأمن القومي العربي من الركائز المهمة في استقرار وامن الوطن العربي ومن هنا كانت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطنة ولقاؤه الأخوي مع جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- حيث كان هذا اللقاء العربي المهم بمثابة استشعار عماني- مصري حول ضرورة محاصرة الخلافات العربية- العربية والدفع بالمنطقة إلى مناخ سياسي أكثر استقرارا من خلال دور البلدين الشقيقين.

إن الدور المصري الاستراتيجي على صعيد الحفاظ على الأمن القومي العربي، هو أمر مهم حيث كانت القاهرة هي صمام الأمان العربي خلال العقود السبعة الأخيرة، فالدور المصري يعد مهما ولا يمكن العرب الاستغناء عنه أو تهميشه، فحقائق الجغرافيا والتاريخ تشير إلى أهمية الدولة المصرية في احتواء المشكلات العربية، في ظل المناخ السياسي العربي الذي يتسم منذ عام 2011 بعدم الاستقرار والارتباك في اكثر من دولة عربية، ومن هنا فإن الدور المصري يتكامل في هذه المرحلة مع السلطنة، وهي الدولة الأكثر استقرارا وثباتا في مواقفها السياسية ومبادئها الإنسانية.

والسلطنة هي الأخرى تلعب أدوارا سياسية حاسمة على صعيد أكثر من ملف شائك، خاصة في إطار الحفاظ على منطقة الخليج وتماسك دوله بعيدا عن أي مغامرات عسكرية، والتي لن تجلب سوى الدمار وضياع مقدرات الشعوب، ومن هنا كان الدور العماني المميز في التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب بعد مفاوضات ماراثونية، استغرقت عدة سنوات مما جنب المنطقة كارثة كادت ان تقع فيها.

والأمن القومي العربي لا يتجزأ سواء كان في منطقة الخليج أو بقية الدول العربية كالأوضاع الملتهبة الآن، في اليمن وسوريا وليبيا، وقضايا الإرهاب الذي لابد من محاصرته، بعد نجاح التجربة العراقية في دحر داعش، وإلى حد كبير في سوريا، لكن تظل ظاهرة الإرهاب تؤرق الأمن القومي العربي، مما يجعل الدور المصري والعماني في غاية الأهمية لإيجاد حلول واقعية فيما يخص الأزمة الخليجية بين الأشفاء، او فيما يخص إنهاء الحرب المدمرة في اليمن الشقيق، او احتواء الحروب في سوريا وليبيا ودعم العراق في مرحلة ما بعد داعش.

ان الأمن القومي العربي يواجه مخاطر متعددة سواء في فلسطين، وقرار الرئيس الأمريكي باعتبار القدس العربية عاصمة للكيان الإسرائيلي أو فيما يخص العلاقات العربية-العربية في شمال إفريقيا بين المغرب والجزائر أو الوضع المتأزم في الصومال مما يتطلب تحركا سياسيا من خلال جهود مصر والسلطنة، ودور بقية الدول العربية بهدف احتواء تلك الأزمات العربية، والتي تشكل هاجسا وخطرا داهما على الأمن القومي العربي في اكثر من منطقة جغرافية عربية.

علاقات متميزة

العلاقات المصرية- العمانية ضاربة في جذور التاريخ حيث يعود التواصل بين الحضارتين المصرية والعمانية إلى اكثر من 3500 عام حيث تجارة اللبان العماني التي تصدر إلى المعابد المصرية من ظفار بل ان الزيارة التاريخية للملكه المصرية حتشبسوت إلى ظفار في جنوب السلطنة واحدة من الشواهد التاريخية على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين والشعبين الشقيقين ولسنا بحاجه إلى الإشارة الى وقوف السلطنة إلى جانب شقيقتها مصر في مواقف عديدة، اشهرها رفض السلطنة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع مصر، بعد معاهدة كامب ديفيد والتي من خلالها استعادت مصر كامل ترابها في سيناء، ومن هنا فإن زيارة الرئيس المصري الأخيرة للسلطنة، وما رافقها من زخم سياسي وإعلامي مميز سوف يدفع بأفاق التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والسياحي إلى الأمام، وأيضا في المجالات التعليمية والبحوث وفي مجالات الإعلام المتعددة مما يضفي على تلك العلاقات الحيوية والانطلاق نحو حشد الجهود السياسية والديبلوماسية لحل الإشكالات العربية-العربية من خلال الرصيد الحضاري الذي يملكه البلدان الشقيقان، حتى على صعيد افريقيا حيث التواجد العماني والمصري التاريخي في شرق القارة وغربها وشمالها.

اللجنة العمانية-المصرية

من الأدوات المهمة التي تحتاج إلى تفعيل أكبر هي اللجنة العمانية-المصرية المشتركة، والتي سوف تجتمع في القاهرة قريبا، حيث إن هذه اللجنة المشتركة يعول عليها في تنشيط الحركة الاستثمارية والتجارية بين القطاع الخاص في البلدين، كما أن الخبرة المصرية في مجال الزراعة تعد في غاية الأهمية، وكذلك على صعيد الخبرة في مجال السياحة والمؤتمرات، كما ان السلطنة بها فرص واعدة للاستثمار وهناك استثمار مصري مهم في مجال المجمعات السياحية المتكاملة في أكثر من محافظة في السلطنة.

كما أن تشكيل مجلس رجال الأعمال بين البلدين يعد من الخطوات الحيوية لتبادل الرؤى والدفع بالنشاط الاقتصادي إلى الأمام حيث ان مجالات الموانئ والقضايا اللوجستية والسفر والسياحة والتعليم العالي، من الأمور الحيوية في تنشيط التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين. ومن هنا فإن مجلس رجال الأعمال سوف يكون له دور إيجابي إضافة إلى دور اللجنة العمانية-المصرية المشتركة علاوة على التواصل والزيارات المستمرة بين مسؤولي البلدين مما يعزز من فرص إقامة المشاريع المشتركة وزيادة حركة البضائع والمنتجات وفتح آفاق جديدة في مجال النفط والغاز، حيث إن الخبرة المصرية والعمانية حاضرة في هذا المجال.

الدور الجيو- سياسي

تتمتع مصر والسلطنة بموقع جغرافي فريد ومتشابه على الصعيد الجيو- سياسي، فمصر تطل على بحار مفتوحة وأهمها البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، كما ان قناة السويس تعد شريانا مهما للملاحة الدولية وذات أهمية استراتيجية للاقتصاد العالمي، ومعروف أن حرب السويس عام 1956 والعدوان الثلاثي على مصر، كانت بسبب التأميم التاريخي لقناة السويس من قبل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

والسلطنة أيضا لها موقع جيو- سياسي مهم، كان محل أطماع الدول الاستعمارية، فالسلطنة لها موقع بحري فريد حيث تطل على المحيط الهندي، وبحرب العرب جنوبا وشرقا، وأيضا تطل على بحر عمان والخليج العربي شمالا، كما إن إطلالتها على مضيق هرمز أقصى شمال السلطنة، يعد أمرا استراتيجيا وسياسيا وأمنيا كبيرا، حيث يعد هذا المضيق الحيوي واحدا من أهم الممرات الطبيعية في العالم حيث تصدر الطاقة إلى العالم شرقه وغربه، ومن هنا فإن الدور السياسي العماني في كافة مراحل الصراعات والحروب في المنطقة، هو للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة والمحافظة على مصالح العالم، من خلال هذا الشريان المائي الاستراتيجي ومن هنا تتشابه الدولتان مصر والسلطنة في الأهمية الحضارية والتاريخية أولا، ومن ثم الأهمية الجيو- سياسية مما يجعل أدوارهما حاسمة في الحفاظ على الأمن القومي العربي.

إن التواصل العماني –المصري تاريخيا وحضاريا سجل حتى على مستوى الصحافة العمانية في شرق إفريقيا، حيث كان كتاب وصحفيو صحف الفلق والنجاح وغيرها من الصحف العمانية في زنجبار، على سبيل المثال، في تواصل حضاري مهني مع الصحف المصرية كالأهرام ومطبوعات دار الهلال، وغيرها من الصحف والمجلات المصرية، وهذا يعطي مؤشرا على عمق التواصل الحضاري بين البلدين الشقيقين والعريقين مما يحتم الدفع بالعلاقات الاقتصادية والثقافية والإعلامية والسياحية إلى الأمام، من خلال اللجنة العمانية-المصرية المشتركة أو من خلال مجلس رجال الأعمال الجديد الذي يعول عليه الكثير أو من خلال المشاورات والتنسيق السياسي المستمر بين وزراتي الخارجية في البلدين.إن العلاقات العمانية- المصرية هي علاقات نموذجية منذ فجر التاريخ القديم والمعاصر، ولا شك أن دورهما عربيا وإقليميا ودوليا مهم وحيوي لاستعادة العلاقات العربية- العربية والحفاظ على الأمن القومي العربي للوصول للتكامل العربي المنشود الذي سوف يكون له مردود اقتصادي على الشعوب العربية.