الملف السياسي

الاستقلال الوطني .. عنوان لسياسات البلدين

12 فبراير 2018
12 فبراير 2018

عماد عريان -

,, لقد أفاضت وسائل الإعلام العمانية والمصرية، وفي ركبها كذلك، وسائل إعلام عربية أخرى في الحديث خلال الأيام الماضية عن خصوصية العلاقات بين السلطنة ومصر وأهميتها على الصعيد الاستراتيجي الثنائي والإقليمي، انطلاقا من ثوابت تاريخية راسخة ,,  ولم تبخل المقالات والتحليلات والحوارات التي نشرت وأذيعت في مناسبة زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطنة ولقائه التاريخي مع جلالة السلطان قابوس المعظم وكبار رجال الدولة العمانية في تقديم أسانيد عديدة لأهمية العلاقات المصرية - العمانية واعتبارها دعما كبيرا لمنظومة العلاقات العربية البينية لما للبلدين من مكانة كبيرة ومتميزة في المنطقة وأيضا على الصعيد العالمي، ولسياستهما الخارجية الرشيدة التي يحكمها مبدأ أساسي عنوانه «الاستقلال الوطني » الذي يتيح للعاصمتين تبني سياسات ومقاربات تتفق مع المصالح العليا لهما وللأمتين العربية والإسلامية انطلاقا من منظومة قيم ومبادئ تساعد على نشر السلام ونبذ العنف في البحث عن حلول سلمية لمختلف الأزمات والصراعات.

ولكن هناك حقيقة واضحة ومعروفة تربط البلدين والشعبين حتى ولو من قبيل المصادفة البحتة، ولها أهميتها الكبرى في مسألة «الاستقلال الوطني» ورسم السياسات الخارجية للدولتين، هذه الحقيقة هي « 23 يوليو»، هذا التاريخ الذي يوحد البلدين برباط سياسي ووطني غاية في الأهمية، ففي هذا التاريخ من عام 1952 كانت ثورة يوليو في مصر، وهي الثورة التي أعادت مصر للمصريين وأطلقت عصرا جديدا من الحداثة والتنمية، ليس هذا فحسب ولكنها وباعتراف دراسات دولية عديدة كان لها الفضل الكبير في تغيير الكثير من الحقائق على الصعيد العالمي، ومن رحمها كسبت حركة التحرر الوطني على صعيد الدول النامية، زخما غير مسبوق ساعد على استقلال عشرات الدول فضلا عن دورها - ضمن عوامل أخرى بالتأكيد - في انزواء الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية، وظهور أضخم تجمع للدول المستقلة تحت مظلة حركة عدم الانحياز .

وفي الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 انطلقت مسيرة النهضة المباركة في السلطنة بتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - مسؤولية الحكم والقيادة في البلاد ليغير معالمها تماما، بطموحاته الشابة نحو بناء دولة عصرية حديثة، وهو ما تحقق للسلطنة بالفعل خلال سنوات عصر النهضة التي عرفت بدايتها الحقيقية في ذلك التاريخ، لتجني البلاد حاليا ثمار تلك السياسات الناضجة في المجالات والميادين كافة، على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية والتنمية البشرية، وخاصة في مجالات التعليم والصحة، والمرافق والخدمات العامة، والإدارة الشاملة للدولة، وإنشاء المجالس والهيئات المتخصصة والأخذ بالأساليب والوسائل العلمية، ما ساعد على تخريج أجيال من المتعلمين القادرين على تحمل المسؤولية واستكمال المسيرة، أضف إلى ذلك السياسات الخارجية الحكيمة التي تعلي شأن السلام العالمي وتنبذ العنف والتطرف وترفض حل المنازعات بالقوة.

وعلى ضوء مواقف عديدة خلال عقود النهضة المباركة، فإن من الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية العمانية عدم الانضمام إلى أي محور أو تكتل، مع تعزيز التعاون بين كافة شعوب الكرة الأرضية وجميع الدول والانتصار لخيارات السلام والأمن الجماعي، ومن هذه المنطلقات فإنها تدعو دائما الى تبني سياسات تقوم على المصداقية والصراحة والعقلانية والمنطقية، وإحلال السلام وتفعيل سياسات حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لذلك تمكنت من القيام بأدوار بالغة الأهمية في مختلف القضايا الإقليمية ذات الأبعاد الدولية، كما قدمت دعما غير محدود لجميع قضايا الأمة العربية فيما يتعلق بالتحديات والقضايا المصيرية التي تواجهها، وأكسب ذلك السلطنة ثقة القادة والشعوب، ما مكنها من الإسهام بفاعلية في التوصل إلى حلول للكثير من الأزمات.

ومن هذا المنطلق - وعلى حد تأكيد هيئة الاستعلامات المصرية - تمثل العلاقات المصرية العمانية محور ارتكاز مهم على الساحة السياسية العربية، حيث يسعى البلدان دائما إلى سياسة حل كل الخلافات بالحوار والتفاوض، كما تدعو إلى إحلال السلام والاستقرار إقليميا ودوليا ولكن مع تحفظ مهم أساسه عدم التخلي عن أي من الحقوق العربية عامة والفلسطينية خاصة، لذلك فإن للدولتين رؤية واحدة تستهدف تقديم أقصى دعم ممكن لنضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة، فالعلاقات المصرية ـ العمانية تعكس قدرا غير مسبوق من التفاهم والتنسيق السياسي المشترك والتعاون إزاء مختلف القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وتستمد هذه العلاقات قوتها من تعدد جوانب التعاون بين البلدين الشقيقين وتشعبها وعدم اقتصارها على جانب واحد.

وحتى يمكن للعلاقات الثنائية بين مصر وسلطنة عمان بلوغ غاياتها المتمثلة في تعميق واستمرار الشراكة بين البلدين الشقيقين، فضلا عن التأسيس لإعادة بناء العمل العربي المشترك والتوصل إلى تسويات سلمية ناجزة للأزمات والصراعات التي تعصف بعدد من دول المنطقة، ترتكز تلك العلاقات على دعائم صلبة من الثقة والتقدير المتبادلين بين طرفيها، وهو ما يتوفر بالفعل، حيث تسجل مؤشرات العلاقات المصرية العمانية دائما تقدما ملحوظا نتيجة المواقف الثابتة والتوافق في السياسة الخارجية للبلدين، والتي تقوم على مبادئ مهمة في مقدمتها ‏الحرص على استقرار الدول وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ونبذ الخلافات العربية ‏العربية، وضرورة توحيد الصف العربي لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمة، كذلك تجمع كل من سلطنة عمان ومصر مواقف ثابتة واتفاقات على ضرورة تعزيز الجهود للتوصل إلى تسويات سياسية بما يحفظ وحدة أراضي دول المنطقة وسلامتها الإقليمية ويصون مؤسساتها الوطنية ومقدرات شعوبها.

وبينما تؤمن القاهرة بحكمة القيادة العمانية ورجاحة سياساتها على الصعيدين الإقليمي والدولي بما أهل السلطنة لأن تكون جسرا صلبا بين الدول المحيطة لتقريب وجهات النظر، يتملك الجانب العماني يقينا بأهمية الدور المصري في إعطاء دفعة قوية للعمل العربي المشترك، فلدى سلطنة عمان وقيادتها الحكيمة، يقين بشأن محورية الدور المصري وضرورته لأي عمل عربي مشترك يمكن أن يكلل بالنجاح على أي صعيد، ومن هذا المنطلق، لا تزال باقية أصداء كلمة جلالة السلطان قابوس المعظم، التي ألقاها بمناسبة العيد الوطني الرابع عشر للسلطنة سنة 1984، والتي قال فيها :«لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس في بناء الكيان والصف العربي، وهي لم تتوان يوما في التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وأنها لجديرة بكل تقدير» وأضاف: «انطلاقا من الحرص الأكيد الذي تمليه وتحتمه علينا المصلحة المشتركة، فإننا ندعو إخواننا القادة العرب إلى نبذ خلافاتهم جانبا، والعمل بجد وإخلاص على تحقيق أهداف التضامن العربي، التي أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، وإننا نتطلع إلى نهج يعيد للعرب وحدتهم ومجدهم بين الأمم». ولم ينقطع الحوار والتشاور بين الدولتين حول قضايا الأمن في منطقة الخليج ، منذ عقود طويلة، مرورا بأزمة الخليج الأولى، المتمثلة في الحرب العراقية الإيرانية، وأزمة الخليج الثانية، عندما غزا العراق دولة الكويت عام 1990، وما ترتب على ذلك من تدخل دولي لتحرير الكويت، ثم أزمة التدخل الأمريكي في العراق عام 2003، ثم الملف النووي الإيراني وما لحقه من تطورات في المنطقة، لا زالت تداعياتها مستمرة حتى الآن، وصولا إلى الأوضاع الراهنة في منطقة الخليج .

وفى السياق ذاته، جاءت تصريحات معالي يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، الذي اكد على الدور الإقليمي لمصر بالقول: إنّ «السلطنة تنظر إلى مصر على أنها عكاز الأمة العربية»، وهو توصيف يعبر عن أهمية وحيوية مصر بالنسبة للامة العربية، وأكد معاليه أن السلطنة ومصر تشتركان في فكر وفهم مشترك يتجلى في دعم الاستقرار وتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع، كما أن السلطنة ومصر على اتصال وتنسيق مستمرين بشأن ما يستجد على مختلف الساحات، مشيرا إلى أنه يتم البحث في منصة جديدة للتعامل مع بقايا المشكلات القائمة في المنطقة. وتراهن عمان ومصر على القمة العربية التي من المقرر أن تستضيفها المملكة العربية السعودية في مارس المقبل، من أجل توفير المناخ المناسب والبيئة الطيبة للقاء القادة العرب وتعزيز التضامن العربي المشترك، بما يساعد على تجاوز آثار ما يعرف بالربيع العربي.

هذه حقائق ثابتة وراسخة تمثل أساسا قويا للتحرك المشترك نحو بناء منظومة عربية متكاملة وصياغة مقاربات عملية في التعاطي بإيجابية مع مختلف القضايا العربية والصراعات والأزمات الملتهبة في ربوعها، ولعلها تمثل أساسا في كيفية نزع فتيل الأزمات والصراعات قبل اندلاعها واستفحالها.