أفكار وآراء

يوم وطني للإذاعة العُمانية

11 فبراير 2018
11 فبراير 2018

أ.د. حسني نصر -

احتفل العالم أمس باليوم العالمي للإذاعة الذي يوافق الثالث عشر من فبراير من كل عام، وهو اليوم الذي شهد إنشاء إذاعة الأمم المتحدة في العام 1946. وقد خصصت منظمة اليونيسكو احتفال هذا العام لموضوع «الإذاعة والرياضة» ليتناسب مع تزايد الاهتمام العالمي بالرياضة، وتنظيم مسابقتين رياضيتين عالميتين مهمتين خلال هذا العام، الأولى هي دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الثالثة والعشرين التي انطلقت في مدينة بيونجتشانج بكوريا الجنوبية الخميس الماضي، وتستمر حتى الخامس والعشرين من هذا الشهر، بمشاركة مائة دولة تتنافس في سبع رياضات تمارس كلها إما على الثلج أو الجليد، والثانية هي بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها روسيا، وتنطلق في الرابع عشر من يونيو القادم.

ورغم خلو السلطنة والغالبية العظمى من الدول العربية، من أية فعاليات تتصل بهذا اليوم العالمي، كما توضح الخريطة التفاعلية التي نشرها موقع اليونيسكو لجميع الأحداث العالمية المرتبطة بهذه المناسبة، فإن غياب الإذاعات العُمانية عن هذه المناسبة، قد يعوضه إلى حد ما أن نحتفي عبر هذا المقال القصير مع الإذاعيين والقراء الأعزاء بالإذاعة، التي لعبت ولا تزال أدوارا مهمة طول تاريخها على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، منذ أن عرفها العالم في مطلع عشرينات القرن الماضي.

على المستوى الوطني كانت الإذاعة أول وسيلة اتصال جماهيري يتم استخدامها في سلطنة عمان في الأيام الأولى من بزوغ فجر النهضة المباركة، وبعد أسبوع واحد من تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في الثالث والعشرين من يوليو 1970. وقد ظلت الإذاعة هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة بالسلطنة، لنحو نصف عام تقريبا، إلى أن ظهرت صحيفة “الوطن“ في 28 يناير1971، ثم صحيفة عمان التي صدرت في العام التالي، والتي تحولت للإصدار اليومي في مطلع العام 1980، وتبعتها صحيفة الوطن للإصدار اليومي، وهو ما جعل الإذاعة تنفرد إلى حد كبير بمهمة تزويد المواطنين بالأخبار والمعلومات يوما بيوم.

وقد شهدت الإذاعة العمانية تطورات عديدة طوال سني النهضة على جميع المستويات التكنولوجية والبشرية والإنتاجية، واستطاعت أن تحافظ على مكانتها ضمن المنظومة الإعلامية العمانية رغم المنافسة الشديدة التي واجهتها من التلفزيون، والصحف والمجلات، ثم من وسائل الإعلام الجديدة القائمة على الإنترنت، بل إنها نجحت في تطويع هذه الوسائل الجديدة في توسيع نطاق عملها وضمان وصولها إلى جماهير جديدة عبر البث المباشر على الإنترنت وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي للوصول إلى الجمهور المستخدم لهذه الشبكات.

والواقع أن المتابع للإذاعة العمانية يلحظ التطور الكبير الذي شهدته في السنوات الأخيرة على مستوى التواصل المباشر مع المستمعين ومعالجة القضايا اليومية الحياتية للمواطنين والمقيمين عبر برامج البث المباشر التي تتنافس على تقديمها مختلف المحطات الإذاعية الحكومية والخاصة، بالإضافة إلى القيام بوظائفها المعروفة في الإعلام والتوجيه والإرشاد والتثقيف والتسويق والتسلية. ويشير المشهد الإذاعي الحالي في السلطنة إلى تنوع ملموس في المحطات الإذاعية بفضل ظهور المحطات الإذاعية الخاصة التي مثلت إضافة كمية ونوعية للساحة الإذاعية، وأثرت الواقع الإذاعي بما تقدمه من خدمات إذاعية ذات جودة. ويمكن القول إن الإذاعة في السلطنة ما زالت تحتفظ بمستوى عال من ولاء المستمعين لها، سواء للحصول على الأخبار والمعلومات أو الحصول على الترفيه الذي تقدمه محطات الإف ام. ورغم غياب دراسات أو إحصاءات خاصة بمعدلات الاستماع للإذاعة، فإن بعض البحوث العلمية التي تناولت تعرض واستخدام الجمهور العماني لوسائل الإعلام، تؤكد أن قطاعا كبيرا من سكان السلطنة من المواطنين والمقيمين ما زال يتعرض للإذاعة ويعتمد عليها كمصدر رئيس للحصول على الأخبار والمعلومات والتسلية، رغم طغيان التلفزيون ووسائل الإعلام الجديدة. وفي هذا الصدد تشير الدراسة المسحية الوطنية التي أجرتها وزارة الإعلام بالتعاون مع قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس، حول الاحتياجات المعرفية المستقبلية للجمهور العماني من برامج التوعية في المجال التنموي، إلى تفوق الإذاعة على الصحف والمجلات في مستوى التعرض لوسائل الإعلام، وتبرز في هذا المجال إذاعة القران الكريم التي احتلت المرتبة الأولى في استماع الجمهور العماني لها، وإذاعة الشباب التي جاءت في المرتبة الثانية، وإذاعة البرنامج العام التي احتلت المرتبة الثالثة، وكلها إذاعات حكومية استطاعت أن تحافظ على ولاء المستمع من خلال تطوير محتواها، وهو ما مكنها من التفوق على الإذاعات الخاصة مثل إذاعة الوصال التي جاءت في المرتبة الرابعة، وإذاعة هلا التي حلت في المرتبة الخامسة. أما على مستوى الاعتماد عليها كمصدر للأخبار والمعلومات عن القضايا المحلية فقد تفوقت الإذاعة على شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية والمجلات، وجاءت في المركز الرابع بعد التلفزيون والإنترنت والصحف. وتشير نتائج هذه الدراسة التي أجريت في العام 2014 إلى أن برنامج الشباب من إذاعة سلطنة عمان يحتل الترتيب الأول بين المحطات الإذاعية الوطنية من حيث اعتماد الجمهور عليها، متفوقا بذلك على البرنامج العام. وجاءت إذاعة الوصال الخاصة في الترتيب الثالث، ثم إذاعة هلا في الترتيب الرابع. وإجمالا فقد أكدت الدراسة أن اعتماد الجمهور العماني على الإذاعات الحكومية يفوق بكثير اعتماده على الإذاعات الخاصة. وكشف استطلاع ثقة المواطن العُماني في وسائل الإعلام الذي أجراه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في 2014 ونشرت نتائجه في مارس 2015 عن تفوق الإذاعة على التلفزيون في مؤشر الثقة بحصولها على المركز الثاني بـ 84 نقطة، وبفارق نقطة واحدة عن الصحف المطبوعة التي احتلت المركز الأول.

ولعل هذا الوضع المتميز للإذاعة في سلطنة عمان هو ما يدفعنا إلى التساؤل عن غياب الإذاعة عن الاحتفال العالمي باليوم العالمي للإذاعة، خاصة أن هذا الاحتفال يحمل شعارا كان يمكن للإذاعة العمانية الإبداع في الاحتفال به بعد أن ساهمت مع وسائل الإعلام العمانية الأخرى في تحقيق الحلم الرياضي الوطني بالفوز ببطولة كأس الخليج لكرة القدم التي أقيمت بدولة الكويت في ديسمبر الماضي، وكانت على رأس وسائل الإعلام التي كرمتها وزارة الإعلام، تقديرا لهذا الدور في ملتقى الأسرة الإعلامية الذي عقد نهاية يناير الماضي، والذي شهد أيضا تكريم عدد من الإذاعيين العُمانيين الذين فازوا بجوائز في مسابقات إقليمية عقدت في القاهرة وتونس العام الماضي.

إن الدور الذي لعبته الإذاعة ولا تزال تلعبه في مسيرة النهضة العمانية الحديثة يستحق تقديرا، يحفظ لهذه الوسيلة الإعلامية مكانتها، ويعزز وجودها على الساحة، ويشد على أيدي القائمين عليها في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، والإذاعات الخاصة، وأيدي أبنائها من مذيعين ومعدين ومخرجين وفنيين وغيرهم الذين ينقلون صوت عمان إلى كل ربوع الوطن، وإلى العالم بعد أن أصبح بثها متاحا عبر الإنترنت طول الوقت. هذا التقدير يجب ألا يقتصر فقط على تنظيم فعاليات لمشاركة العالم الاحتفال باليوم العالمي للإذاعة، بل يجب أن يكون عبر تخصيص يوم وطني للإذاعة العمانية، يوافق الثلاثين من يوليو من كل عام، وهو اليوم الذي انطلق فيه أول صوت عماني عبر الأثير يقول «هنا عمان».