أفكار وآراء

حان وقت تفكيك الفوضى في سوريا- كيف؟

10 فبراير 2018
10 فبراير 2018

ديفيد اجنيشس- واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

يوم الأربعاء (7 فبراير) كان غريبا ومخيفا في سوريا، حتى بمقاييس الشرق الأوسط. ففي وقت مبكر عقب انتصاف النهار كان القادة العسكريون الأمريكيون الموشكون على الانتصار على داعش يقفون في نقطة مراقبة عند قمة تل في منبج. شكا هؤلاء القادة من نيران «مضايقة» تطلقها قوة من المعارضة تساندها تركيا حليفتنا في الناتو على شركائهم الأكراد السوريين، ثم بعد ساعات قليلة لاحقا وعلى مبعدة حوالي 100ميل إلى الجنوب الشرقي قصفت قوات برية يساندها النظام السوري مركز قيادة للمقاتلين الأكراد السوريين وشركائهم من قوات العمليات الخاصة الأمريكية ويبعد بخمسة أميال شرق الفرات وربما قرب حقول النفط السورية. وقد رد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على القصف بضربات جوية. ولم تقدم القوات الأمريكية أية تفاصيل. لكن من المعلوم أن القوات الروسية تدعم النظام السوري في منطقة دير الزور. استمر القتال حتى المساء. ومن الممكن أن يشكل تصعيدا كبيرا للحرب في منبج. الدرس المستفاد على كلا الجبهتين أن ميدان القتال هذا شديد الاكتظاظ وأنه ينزلق على نحو خطر نحو صراع أوسع نطاقا. لقد ظلت امريكا وتركيا كلتاهما تتجهان على مهل نحو صدامهما وذلك منذ أن قررت الولايات المتحدة تدمير داعش قبل ثلاثة أعوام ونصف. لقد كان الشريك السوري الوحيد القادر على القيام بالمهمة هو الأكراد الذين أسموا أنفسهم قوات سوريا الديمقراطية. غضبت تركيا من ذلك بدعوى أن الجماعة الكردية «إرهابية»، لكن أنقرة لم يكن بمقدورها أبدا تقديم بديل يتسم بالصدقية لدحر داعش. لذلك مضت الولايات المتحدة في تنفيذ خطتها. وحين دخل الروس المعمعة في عام 2015 حاولت الولايات المتحدة إنشاء خطوط (تنسيق) واضحة لتجنب الصدام (غير المقصود) مع القوات الروسية. لكن اتضح أن ذلك العمل دقيق وغير مضمون. لكن مثل هذا التنسيق أكثر ضرورة الآن قياسا بأي وقت مضى. كيف يمكن للولايات المتحدة تفكيك هذه الفوضى كي تستكمل المهمة ضد داعش؟ تحتاج أمريكا إلى «حوار» وإلى «التراجع عن التصعيد» مع تركيا، حسبما أوضح الفريق بول فنك، قائد القوات الأمريكية في سوريا والعراق. لقد حذر من أن « الحملة العسكرية ضد داعش تتباطأ» وأن الهدوء قد « يمكن هؤلاء الناس من الفرار إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا. كان «فنك» يتحدث إلى المراسلين في منبج عند نقطة مراقبة تحرسها قوات سوريا الديمقراطية. وعلى مبعدة ميل ونصف يمكنك أن ترى الساتر الترابي المحدد للموضع الأمامي للثوار الذين تدعمهم تركيا. وعند حوالي 40 ميلا إلى الغرب من هناك توجد منطقة كردية اسمها عفرين ظلت الطائرات والمدفعية التركية تقصفها منذ أواخر الشهر الماضي. لقد فعلت القوات الخاصة الأمريكية العجائب هنا؛ فقد تعاونت مع قوات سوريا الديمقراطية وقضت على سيطرة داعش على شرقي سوريا. لكننا نقترب من نهاية ما يمكن أن تفعله القوة العسكرية (ماهو في مقدورها)، والخطوة التالية تتطلب الدبلوماسية. الأمر المشجع أن مستشار الأمن القومي الأمريكي «مكماستر»، سيتوجه إلى أنقرة هذا الأسبوع. ومن الحصافة أن يعتبر الأزمة مع تركيا فرصة مواتية، ويشرع في محادثات هادئة، يمكن أن تقود إلى مصالحة نهائية بين المصالح التركية والأمريكية. ومن جهة أخرى تقدم منبج بيانا عمليا على كيفية تغيير مسار المعركة ضد داعش بواسطة الولايات المتحدة وشركائها في قوات سوريا الديمقراطية وأيضا كيف سيبدو التعافي في مرحلة ما بعد داعش. كانت ممرات المشاة في شارع الجلاء في قلب بلدة منبج مزدحمة بالمتسوقين يوم الأربعاء الماضي، مما جعل السير وسط الشارع أسهل منه في جانبيه. وفي متجر صغير يبيع عطور الكولونيا الرجالية يتذكر فواز غانم أن ما يفضله مقاتلو داعش كان عطرا من المسك، وتكتظ المتاجر بالمتسوقين داخل السوق المسقوفة التي كانت داعش في الماضي تجهز داخلها السيارات المفخخة. تشتري النساء من هذه المتاجر فساتين ملونة تلمع بالترتر البراق وسراويل الجينز الممزق. وربما أن البقعة الأكثر إشراقا في هذه البلدة المحررة هي مدرسة البنات التي عادت إليها طالباتها بعد سنوات من الاختباء من داعش. طالبات المرحلة الثانوية تحدثن أثناء درس اللغة الفرنسية بحميمية عن خططهن للمستقبل. كن يضعن مساحيق على وجوههن ويرتدين فساتين بهيجة. ومن بينهن فتاة اسمها عائشة كانت ترتدي حجابا ورديا. لا يوجد شيء في الشرق الأوسط هو بالضبط مثلما يبدو عليه في الظاهر. فكل انتصار يفتح الباب على مشكلة جديدة. لكن ليست هنالك عقبة لا يمكن اجتيازها، كما توحي بذلك اللغة الميالة للقتال. فيوم الأربعاء حين كانت القوات التي تدعمها تركيا تطلق النار على نقطة المراقبة التابعة لقوات سوريا الديمقراطية ، انتظمت عشرات الشاحنات في صف طويل للعبور من منبج إلى المنطقة التي تسيطر عليها تركيا. كما سمح النظام السوري لمتظاهرين أكراد بعبور منطقة تابعة له للوصول إلى عفرين. ولاحقا في نفس اليوم ، كانت القوات المناصرة للنظام تهاجم الأكراد في أماكن أخرى. وفي الأثناء وفيما كان الساسة الأتراك يزمجرون في وجه أمريكا،وكان العسكريون الأتراك والأمريكيون يواصلون اتصالاتهم المعتادة. لقد كانت القوات السورية الكردية شريكا شجاعا لأمريكا لكن أيضا كان شريكا غير مريح. وسيكون التخلي عنها غلطة فادحة. لكن سيكون من الخطأ أيضا ترك هذا الصراع المتعدد الرؤوس ( المعقد) يواصل احتدامه. لقد أوفت القوات الأمريكية بمهمتها في سوريا. وحان الآن وقت الدبلوماسية الحاذقة والسديدة.