أفكار وآراء

الخليجيون وعملة الـ «بتكوين»

10 فبراير 2018
10 فبراير 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

مع كل يوم جديد تخرج إلينا وسائل الإعلام بالتطورات السلبية الناجمة عن تعرض بعض المتاجرين والمقامرين في العملة الافتراضية المشفرة “بتكوين” (BitCoin)، والذين خسروا مؤخرا بلايين من الدولارات بسبب تراجع قيمة هذه العملة ألإلكترونية التي لا يعرف عن مصدر وجودها، ولا عن الجهة التي تقوم بإصدارها، ولا عن الجهة الرقابية التي تشرف عليها.

ففي الوقت الذي جنى فيه بعض الأشخاص الكثير من الأموال من وراء شراء وبيع هذه العملة الافتراضية التي بدأت بقيمة صغيرة، فهناك اليوم آلاف منهم يتحسرون على فقد أموالهم. لقد كانت قيمة هذه العملة تساوي سبعة أو ثمانية منها لشراء صحن صغير من “البتزا”، وإذا بسعرها يأخذ في التزايد مؤخرا بصورة صاروخية وخيالية لتصل قيمة عملة واحدة من “بتكوين” إلى أكثر من عشرين ألف دولار. ونتيجة لتهافت البعض لشراء هذه العملة، فقد خرجت من الدول الخليجية الملايين من الدولارت من حسابات بعض الزبائن للمتاجرة بهذه العملة الرقمية، في الوقت الذي باتت البنوك في المنطقة في حالة من الهلع، الأمر الذي أدى ببعضها إبلاغ السلطات المعنية عن خروج أموال بالملايين من حسابات مصرفية لعملائهم لحسابات بعض شركات غير معلومة عن أنشطتها في المنطقة وخارجها، وفي نفس الوقت دخول مئات من الملايين أيضا إلى حسابات عملاء آخرين، مما أثار الجدل بين الكثير من الفئات في المجتمعات الخليجية وغيرها.

لقد شهدت المنطقة الخليجية ومن قبل شركات تعمل في الخارج بنشر عشرات من الإعلانات باللغة العربية على مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي كانت تحث الناس على التعامل في العملة الافتراضية “بتكوين” وبعبارات مغرية جدا منها أن المضاربة في سعر البتكوين آمنة بنسبة 100٪ من السرقة، وأن توافر تداول هذه العملة يتم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وذلك في ظل ظروف السوق المرتفعة أو المنخفضة على حدٍ سواء، وأن تقديم خدمة ودعم الزبائن يتم عبر لغات متعددة على مدار الساعة، وأنه لا توجد عمولات على التداول ولا رسوم مصرفية على المعاملات، وأنه من خلال نقرة واحدة يتم شراء أو بيع هذه العملة على جميع المنصات، وأن الشخص المتاجر في هذه العملة يتيح له ميزة إصدار الأوامر وعمليات السحب الفائقة السرعة خلال 48 ساعة، وأن التعامل في أول عملية تداول يتم خلال 3 دقائق من تسجيل الحساب وغيرها من العبارات الترغيبية الأخرى.

ونتيجة للخسائر التي لحقت ببعض أبناء دول المنطقة، فقد بدأت الجهات المعنية في بعض المدن الخليجية رصد مظاهر الثراء الفاحش على بعض الناس من خلال امتلاكهم للسيارات الفارهة والفلل والقصور بشكل مبالغ فيه جداً خلال خلال الفترة الماضية، الأمر الذي يوحي بأن هناك أمورا وقعت بشكل غير طبيعي مع البعض، في الوقت الذي تعاني فيه أغلب الشعوب الخليجية منذ عدة سنوات من الظروف الاقتصادية المتردية نتيجة لتراجع أسعار النفط العالمية، وتعرضهم إلى عدة أنواع من الضرائب التي لم يعتادوا عليها خلال العقود الخمسة الماضية. فبعض البنوك الخليجية وبالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى رصدت أسماء أشخاص في مناطق معينة في المنطقة نتيجة لتضخم حساباتهم المصرفية بصوره كبيرة ومُبالغ فيها خلال الفترة التي مضت، منذ قيام هؤلاء بالتداول في العملة الافتراضية، الأمر الذي أثار عدة تساؤلات حول مصادر هذه المبالغ الخيالية التي دخلت وخرجت خلال تلك الفترة، وهذا ما أكدت عليه بعض المصادر السعودية والخليجية الأخرى عن تعرض مواطنيها لأرباح وخسائر خلال فترة قصيرة من الزمن، فيما أصبح هذا الموضوع اليوم مثار جدل في الكثير من الصحف الخليجية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما حدا بتلك الجهات للقيام بتحريات مالية والبحث عما يجري في هذا الشأن لمعرفة مصادر هذه الأموال، بعد أن تبين بأن بعض المتعاملين بهذه العملة في السعودية على سبيل المثال، قد تضخمت ثروتهم بالملايين ومنهم بعض صغار الموظفين بحيث لا تتجاوز رواتبهم الشهرية 2500 دولار شهريا، الأمر الذي أدى إلى استجواب بعضهم. وتبيّن لاحقا وبالأدلة والمستندات إثبات بأن هذه المبالغ تم تحقيقها من خلال ما يسمى بتداولهم بالعملة الافتراضية على الإنترنت، من خلال إحدى الشركات الجديدة التي تتخذ من مدينة دبي مقراً لها، والتي تستخدم أنظمة تقنية متقدمة جداً للتجارة بالعملات على الإنترنت. ومن خلال هذه المتابعة والإشراف والاستجواب ثبت لتلك الجهات بأن تقاضي تلك الأموال قد تم بصورة قانونية، ولا يوجد أي شبهة أوتلاعب، وأن هذه التجارة شرعية وقانونية ومتوافقة مع الدستور السعودي والشريعة الإسلامية.

إن هذه المعلومات تكشف بأن هناك الآلاف من الخليجيين وغيرهم ممن قاموا بإيداع الملايين من الدولارات للتجارة في هذه العملة الافتراضية، حيث حقق البعض الملايين منها، فيما خسر الآخرون خلال فترة معينة ملايين من تلك الدولارات أيضا. وهناك العديد من القصص التي تورد في هذا الشأن، منها تلك القصة التي تتحدث عن شخص بريطاني استثمر 1000 جنيه استرليني وربح ما يربو على 42 مليون جنية استرليني في ظرف عام واحد.

لقد نبّه بعض الخبراء في المنطقة خلال الفترة الماضية بضرورة متابعة نتائج التعامل مع هذه العملة الافتراضية، إلا ان الأموال كانت تضخ بصورة اعتيادية، باعتبار أنه لا يوجد أي سند قانوني يتيح للسلطات إيقافهم، في الوقت الذي تم فيه تأسيس شركات جديدة وبشكل قانوني في بعض المدن الخليجية وغيرها من المدن الأخرى في العالم للتعامل في هذا الموضوع وقيامها بنشر إعلانات تحدثت عن دفع عوائد خيالية وكشفت التحقيقات مع تلك الشركات بأنها تعمل بشكل قانوني تماماً، وأنها تلقت الملايين من الدولارات فى أقل من ستة أشهر، الأمر الذي يدفع بتلك السلطات أن تعكف على مراقبة هذه الشركات وسلطاتها لحماية أموال الناس من التلاعب في هذه العملة التي تراجعت قيمتها بشكل كبير خلال أقل من شهر.

ورغم أن الدخول والتعامل في هذه العملة يحتاج إلى إجراءات ومقابلات هاتفية طويلة المدى، ورفض أغلب المودعين في الحصول على فرصة التعامل معها بسبب الإقبال الكبير من الراغبين، إلا أن الخسائر التي لحقت ببعض الخليجيين ليست هينة، الأمر الذي يؤكد خروج العصابات التي كانت تضخم قيمة هذه العملة في الأسواق وبيعها للذين كانوا يتهافتون عليها. فهذا النوع من الاستثمار والتجارة في العملات قد يحمل الكثير من المخاطر، الأمر الذي يتطلب من الجميع أخذ الحيطة والحذر والتقصي في هذا الشأن قبل القدوم على شراء العملات وخاصة الرقمية منها.

إن انتشار هذه العملة الرقمية قد يضر بالاقتصادات على المدى الطويل، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضعف صرف قيمة العملات الوطنية مقابل العملات العالمية، كما أن المتاجرة بالعملة الرقمية لا تساعد على اقتصاد الدول، وإنما تزيد من ثروات بعض الأشخاص المنفردين، وتحقق لهم عوائد كبيرة، وفي نفس الوقت إلى سحوبات كبيرة الأمر الذي قد يؤدي في نهاية الأمر إلى إضعاف الاقتصادات الوطنية.

ومن هذا المنطلق بدأت بعض البنوك المركزية في المنطقة بحثّ ومطالبة جميع المصارف العاملة وبمختلف تسمياتها بضرورة عدم التعامل بأي شكل من الاشكال بعملة “البتكوين” أو تبديلها بأي عملة أخرى، أو فتح حسابات للتعامل بها، أو إرسال أو استقبال اي حوالات مالية بغرض شراء او بيع تلك العملة. وهذا ما أعلنه البنك المركزي القطري مؤخرا مشيرا إلى أن الجميع يلاحظ بنشاط البعض في هذه العملة الافتراضية في مختلف دول العالم، في حين أن “البيتكوين” تعتبر عملة غير قانونية لعدم وجود اي التزام من جانب أي بنك مركزي او حكومة في العالم لتبديل قيمتها مقابل نقود صادرة ومبرئة للذمة او مقابل سلع عالمية متداولة او مقابل الذهب. وأن التعامل في هذه العملة تكتنفه مخاطر عالية تتمثل في تذبذب قيمتها بشكل كبير وإمكانية استخدامها في الجرائم المالية والقرصنة الإلكترونية بالإضافة الى مخاطر خسارة قيمتها لعدم وجود أي جهات ضامنة لها او أصول مقابلها، مشددا البنك في تعميمه بتوقيع الجزاءات المقررة وفقا لأحكام القوانين التي تنظم هذه الأعمال المصرفية.

[email protected]