أفكار وآراء

الحزب الاشتراكي الألماني هل يتجه نحو الأفول ؟!

09 فبراير 2018
09 فبراير 2018

سمير عواد -

يُعتبر الحزب الاشتراكي الألماني أقدم حزب تأسس في ألمانيا وكان يتبنى إيديولوجية كارل ماركس، وكان ذلك في مايو عام 1863. وعندما جاء أدولف هتلر إلى السلطة في برلين عام 1933، حظر الحزب الاشتراكي رسمياً وزج بقادته في السجون، وفر آخرون إلى المنفى، منهم فيلي برانت الذي لجأ إلى النرويج ، وعادوا إلى ألمانيا بعد انهيار نظام هتلر في عام 1945، واستبدلوا إيديولوجية ماركس بسياسة اقتصاد السوق في ألمانيا الغربية التي كانت في تلك المرحلة تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، بينما كانت ألمانيا الشرقية تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي السابق، وكانوا قد تحالفوا جميعا ضد هتلر.

لكن الحزب الذي كان في الماضي يحظى بتأييد واسع من قبل الطبقة العاملة في ألمانيا، لكون إيديولوجيته تقوم على تبني قضايا ومصالح العمال، فقدَ منذ سنوات ثقة الطبقة الوسطى في ألمانيا، والتي لم تعد تدفع به لاستلام السلطة.

وتجدر الإشارة إلى أن الحزب الاشتراكي، شارك في السلطة لأول مرة في عام 1966 في حكومة المستشار المسيحي الديمقراطي كورت كيسينجر. وفي عام 1969 شكل الاشتراكيون الألمان بقيادة المستشار فيلي برانت حكومة مع الليبراليين حتى عام 1974 ، حين استقال برانت من منصبه ، بعد عودته من زيارة مصر، على أثر الكشف عن جاسوس من معاونيه المقربين كان يعمل لحساب استخبارات ألمانيا الشرقية.

وخلف هيلموت شميت، برانت ، وتمكن بفضل شخصيته القوية أن يُبقي السلطة بأيدي التحالف الاشتراكي الليبرالي حتى أكتوبر 1982، عندما انقلب الليبراليون على شميت، واتفقوا مع المسيحيين الديمقراطيين على تشكيل ائتلاف تحت قيادة هيلموت كول استمر 16 سنة، حتى عام 1998 حين نجح الاشتراكي جيرهارد شرودر ، في إنهاء العهد الطويل للائتلاف المسيحي الليبرالي، وشكل حكومة ائتلافية مع حزب الخضر.

ودامت فترة حكم المستشار شرودر سبعة أعوام، انتهت في عام 2005 عندما دعا إلى انتخابات مبكرة بعد الجدل حول سياسته الداخلية، وخسر الانتخابات أمام أنجيلا ميركل ، التي أصبحت في العام المذكور أول امرأة تشغل منصب المستشار ، وأول مواطنة تنحدر من ألمانيا الشرقية في هذا المنصب. وكانت أول حكومة شكلتها بالتحالف مع الحزب الاشتراكي.

منذ فقدان شرودر السلطة في عام 2005 ، لم يفلح الاشتراكيون الألمان باستعادة السلطة من المسيحيين الديمقراطيين، المتحالفين مع المسيحيين الاجتماعيين في ولاية بافاريا، وأصبح الحزب الاشتراكي، الذي كان يوماً أكبر حزب في ألمانيا، شريكا في السلطة وليس الذي يديرها. فقد خذل الناخبون هذا الحزب في الانتخابات الأربعة الأخيرة التي جرت أعوام 2005 و2009 و2013 و 2017.

وعاد مارتن شولتس، الرئيس الحالي للحزب الاشتراكي، والرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، عن قراره الذي أعلنه مساء24 سبتمبر الماضي، بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة وخسارته المنافسة أمام ميركل، حين قال إن حزبه يرفض المشاركة في حكومة ائتلافية تتزعمها ميركل. وقال حينها إن الاشتراكيين يريدون تقوية المعارضة وعدم ترك حزب «بديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، يستغل المعارضة في البرلمان الألماني «بوندستاج» ليعزز شعبيته في ألمانيا . ويبدو أن ميركل على وشك تشكيل حكومتها الائتلافية الثالثة مع الاشتراكيين والرابعة منذ فوزها بمنصبها، بعدما فشلت المفاوضات بين المسيحيين وحزبي الخضر والليبرالي في تشكيل الحكومة الألمانية الجديدة.

وواجه الحزب الاشتراكي معارضة واسعة ، من قبل مؤيديه ، بعد تراجعه عن موقفه بعدم إنقاذ ميركل التي تحتاج إلى شريك لتشكيل حكومتها الرابعة، ولتتجنب إجراء انتخابات جديدة، تخشى الأحزاب التقليدية أن تُسفر عن ازدياد شعبية الشعبويين الألمان. فقد دعا شباب الحزب الاشتراكي إلى معارضة مشاركة الحزب في حكومة تتزعمها ميركل ، وطالبوا ببقاء الحزب في المعارضة، حتى يحين موعد الانتخابات الجديدة. وأيد مؤتمر للحزب بأغلبية ضئيلة الدخول في مفاوضات مع الاتحاد المسيحي. غير أن رغبة قادته في المشاركة في السلطة ولو كان ذلك تحت قيادة ميركل، أصبح يهدد شعبية الحزب من وجهة نظر كثيرين .

واستنادا لعملية استقراء تمت لحساب القناة الأولى للتلفزيون الألماني ard، يواجه الحزب الاشتراكي خطر التحول إلى حزب ضعيف ، بعدما تراجع عدد أعضائه إلى النصف. وبحسب عملية الاستقراء تراجعت شعبيته إلى 18% ، وهذه أسوأ نتيجة له منذ تأسيسه. فقبل عشرين عاماً كانت نسبة تأييده بين الناخبين الألمان تبلغ 40%. وعندما جرت الانتخابات العامة عام 1998 أيده 20 مليون ناخب، وأيده في الانتخابات الأخيرة عام 2017 ما لا يزيد عن 10 ملايين ناخب. وكان عدد أعضائه يبلغ 950 ألف عضو في عام 1990وأكثر من مليون في عقد السبعينات، حين كانت ألمانيا مقسمة إلى شطر غربي وآخر شرقي. وبلغ عدد أعضاءه 743 ألف عضو في عام 2000 ثم أقل من 450 ألف عضو في نهاية العام الماضي.

وبرأي مانفرد شميت، الخبير السياسي الألماني المختص في شؤون الأحزاب، انه لم يعد يجوز وصف الحزب الاشتراكي بالحزب الشعبي، لأن عدد ناخبيه أصبح أقل من 30%. وكتب الصحفي الألماني باتريك جينسينج يقول: «يتهدد الحزب الاشتراكي ، الذي كان يوماً أكبر حزب في ألمانيا، خطر التحول إلى حزب شعبي بدون شعب».

وبحسب هانز هربرت فون أرنيم، القاضي السابق في محكمة الدستور العليا، أكبر مرجع قضائي في ألمانيا ، فإن الحزب الاشتراكي وسائر الأحزاب الألمانية ، التي فقدت الكثير من مؤيديها في السنوات الماضية، من صنعها ونتيجة فقدانها الصلة مع مؤيديها وتجاهل مشكلاتهم. وفي الانتخابات الأخيرة صدم حزب «بديل من أجل ألمانيا» ، كافة الأحزاب التقليدية عندما حصل على 12,6% بينما حصل الحزب الاشتراكي على 20%. وأظهرت النتائج الأخيرة حصول الاتحاد المسيحي على 33%، يليه الحزب الاشتراكي على 18%، وحزب «بديل من أجل ألمانيا» على 14%، مما يدعو الاشتراكيين إلى قرع ناقوس الخطر واحتمال أن يتجاوزهم الحزب اليميني المتطرف بعد أن تجاوز الحزب الليبرالي وحزب الخضر.