sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: أمينة المكتبة

07 فبراير 2018
07 فبراير 2018

شريفة بنت علي التوبية -

كتبت الكاتبة الأمريكية جانيت وينتر قصة للأطفال بعنوان (أمينة مكتبة البصرة) وفازت هذه القصة بالجائزة الأولى لقصص الأطفال في عام 2005 وقد ترجمت هذه القصة إلى عدد من اللغات، كما عُرضت مسرحيات وأعمال فنية تحكي حكاية أمينة مكتبة البصرة، فما حكاية هذه المرأة التي لم نعرفها لولا ما كتبه الغرب عنها.

إنها عالية محمد باقر، العراقية المسكونة بحب العراق والتي ارتوى قلبها عشقا نقيا بنقاء بماء دجلة والفرات، إنها العراقية التي عاشت بين الكتب فأحبتها وبادلتها حُبا بحب، لتقف وقفة المُحب الشجاع في سبيل إنقاذ من يحب، إنها العراقية الشجاعة عالية التي قضت عمرها بين أرفف الكتب، تتنفس عطر حبرها ورائحة أوراقها، تبدأ صباحها وهي تزيل عنها أي ذرة غبار من الممكن أن تعلق بها، وتنهي مساءها بالتأكّد من أن كل كتاب في مكانه الصحيح، تكاد تحفظ كل عناوين الكتب، تعلم مواقعها وفي أي رف هي دون أن ترجع إلى القائمة المسجلة بأسماء الكتب أوأرقامها، تنتظر بلهفة أُمّ، ميلاد كتاب جديد، لذلك لا ريب أن يكون لعالية قلب شجاع مغامر من أجل تراث عراقها الحبيب.

الحكاية حدثت في عام 2003، حينما نصبت القوات العسكرية العراقية مضادات للطائرات فوق سطح المكتبة، فأدركت عالية خطورة الأمر، فقامت بنقل الكتب والمخطوطات إلى بيتها ليلا بعد أن لفتّها بستائر النوافذ، فاستطاعت بذلك إنقاذ أكثر من 30 ألف كتاب ووثيقة قبل أن تتعرض المكتبة للنهب والاحتراق بالكامل، إنها البطولة التي يجب أن تُحكى وأن تُكتب، وقد لا يدرك حجم هذا العمل البطولي سوى من قرأ التاريخ جيدًا وعلم أن موت كتاب في الحرب يعني الهزيمة، وأن مقياس الهزيمة في أي أمة وفناءها مقرون بضياع تاريخها وعلومها، كما حدث حينما أحرق المغول مكتبة بيت الحكمة في بغداد ورموا ما يقارب 300 ألف كتاب في نهر دجلة، وحينما تم تحويل كتب مكتبة دار العلم التي أنشأها الخليفة العزيز بالله الفاطمي بالقاهرة إلى أحذية للجنود، وحينما دمر الدواعش قبل سقوطهم التماثيل وأحرقوا الكتب في المكتبات العراقية ولم يبقوا إلا على بعض الكتب الإسلامية، وحكايات أخرى مؤلمة تخبرنا بحجم الهزائم التي لحقت بنا وما زلنا نتجرع مرارتها.

فأي هزيمة أكبر من هزيمتنا، وأي مصيبة أعظم من مصيبتنا، فتحيّة لعالية ولكل أبطالنا الحقيقيين الذين لا يحملون سلاحا بأيديهم، ولكنهم يحملون حبا عظيما في قلوبهم يكفي لحماية ألف روح في كتاب.