أفكار وآراء

استراتيجية ترامب النووية وسباق التسلح

07 فبراير 2018
07 فبراير 2018

عبد العزيز محمود -

بانتهاء الحرب الباردة عام ١٩٩٢ وقعت الولايات المتحدة وروسيا عدة اتفاقيات للحد من التسلح وتعليق التجارب النووية والحد من الأسلحة الاستراتيجية، واعتبارا من عام ٢٠١٧ أصبحت الدولتان تمتلكان أرقاما متماثلة من الرؤوس الحربية النووية يقدر بنحو ٦٨٠٠ رأس لكل منهما، لكن سباق التسلح لم يتوقف.

لم يكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستئناف التجارب النووية التي توقفت في عام ١٩٩٢ إلا إعلانا عن استراتيجية نووية جديدة، هدفها تحديث الترسانة النووية الأمريكية بالكامل في عملية تستغرق ثلاثة عقود وتتكلف 1.5 تريليون دولار.

الاستراتيجية الجديدة سوف تشعل دون شك سباق تسلح، ربما يكون الأخطر منذ نهاية الحرب الباردة، خاصة وأنها تشكل مخالفة لاتفاقيات الحد من التسلح وتعليق التجارب النووية والحد من الأسلحة الاستراتيجية الموقعة بين الولايات المتحدة وروسيا والتي تقضي بعدم تصميم أسلحة نووية جديدة وتقليص المخزون من السلاح النووي، على الأقل من وجهة النظر الروسية .

ومن الواضح أن الإعلان عن الاستراتيجية الجديدة يأتي بمثابة رسالة إلى العالم، وتحديدا لكل من روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، بأن الولايات المتحدة في طريقها لإنتاج جيل جديد من الأسلحة النووية، تمكنها من شن حرب نووية محدودة، إذا جاز التعبير.

وبدلا من استخدام قنابل نووية استراتيجية تدك المدن، وتتسبب في سقوط ملايين الضحايا من المدنيين، سوف يكون بمقدور الجيش الأمريكي تحميل رؤوس نووية صغيرة، أو تكتيكية، على صواريخ متوسطة المدى، وإطلاقها من غواصات، للتصدي لهجمات استراتيجية غير نووية، من بينها هجمات إلكترونية على مركز القيادة النووية أو مراكز التحكم أو البنية التحتية المدنية.

وطبقا لما أعلنته الإدارة الأمريكية، فإن الاستراتيجية الجديدة تأتي ردا على قيام روسيا بتطوير ترسانتها النووية، وإنتاج جيل جديد من الغواصات والقاذفات الثقيلة والصواريخ الباليستية، التي يمكنها الوصول إلى أهدافها، قبل ان يعرف الخصم بوقت كاف يسمح له بالرد، فيما يشكل انتهاكا لاتفاقيات الحد من التسلح بين البلدين، من وجهة النظر الأمريكية .

وهكذا تبنت واشنطن مشروعا مماثلا لإنتاج منظومة جديدة من الصواريخ المضادة للصواريخ، وإجراء تدريبات على إطلاق صواريخ محملة برؤوس نووية من البر والبحر والجو، وذلك في إطار استراتيجية نووية جديدة، ترى أن استئناف التجارب النووية وتحديث القدرات النووية، هو الطريق الأمثل لردع أي عدوان نووي أو غير نووي محتمل، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية.

بالطبع الاستراتيجية الجديدة لا تتفق مع بنود معاهدة حظر الانتشار النووي التي وقعتها الدول الخمس النووية (أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين) عام ١٩٦٨ لمنع انتشار السلاح النووي ووقف سباق التسلح وخفض مخزونها النووي وهي معاهدة دخلت حيز التنفيذ عام ١٩٧٠ وانضمت لها ١٩١ دولة.

كما لا تتفق مع معاهدة ستارت الجديدة التي وقعها الرئيسان الأمريكي أوباما والروسي ميدفيديف عام ٢٠١٠ للحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية، والتي ساهمت في الحد من نشر الرؤوس النووية الاستراتيجية إلى ١٥٥٠ رأسا، وخفض نشر الغواصات والقاذفات الثقيلة.

لكن إدارة الرئيس ترامب تعتبر الاستراتيجية الجديدة بمثابة ضمان حقيقي للأمن الأمريكي، وهكذا شكك الرئيس ترامب في اتفاق لوزان النووي الموقع بين إيران والدول الست (الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) في عام ٢٠١٥، والذي يقضي بتعليق ايران لبرنامجها النووي مقابل رفع العقوبات، وهدد بانسحاب بلاده من الاتفاق في مايو المقبل ما لم يتم تعديله، وهو ما ترفضه إيران.

كما قرر الرئيس الأمريكي تقويض مباحثات أجراها وزير خارجيته ريكس تيلرسون في جنوب شرق آسيا لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، عبر تصريحات أطلقها ضد الرئيس الكوري الشمالي تتضمن امتلاكه زرا نوويا هو الأكبر والأقوى، بهدف دفع الكوريين لاتخاذ مواقف متصلبة.

ومن الواضح أن للرئيس ترامب تحفظات على الاستراتيجية النووية التي اتبعتها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، على الرغم من أنها حافظت على مكانتها باعتبارها القوة النووية الأولى عالميا، وساهمت في الحد من انتشار السلاح النووي، بدليل انخفاض عدد الأسلحة النووية في العالم من ٧٠٣٠٠ رأس نووي في عام ١٩٨٦ إلى ١٤٥٥٠ رأسا نوويا في عام ٢٠١٧.

فهو يرى أن هذه الاستراتيجية تعرض أمن الولايات المتحدة للخطر، فضلا عن أنها تمنع دولا أخرى من حيازة السلاح النووي، مما يستوجب تبني استراتيجية جديدة تضمن تحديث الترسانة النووية الأمريكية، والتصدي لأية دولة تحاول انتهاك اتفاقية حظر الانتشار النووي.

وهو في ذلك يستند إلى عدة حقائق أهمها أن الولايات المتحدة هي القوة النووية الأولى عالميا من بين خمس دول معترف بها دوليا وهي روسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين، بالإضافة إلى أربع دول أخرى تمتلك أسلحة نووية، وهي الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل.

وقد بدأت الولايات المتحدة برنامجها النووي في أكتوبر١٩٣٩، واستخدمت السلاح النووي في عام ١٩٤٥، وأجرت ١٠٥٤ اختبارا نوويا بين عامي ١٩٤٥ و١٩٩٢، وانتجت ٧٠ ألف رأس نووي، وخلال حقبة الحرب الباردة تبنت الولايات المتحدة استراتيجية الدمار المؤكد المتبادل، والتي تعني أن أي هجوم نووي سوف يترتب عليه وعلى الفور التعرض لهجوم مماثل.

وبانتهاء الحرب الباردة عام ١٩٩٢ وقعت الولايات المتحدة وروسيا عدة اتفاقيات للحد من التسلح وتعليق التجارب النووية والحد من الأسلحة الاستراتيجية، واعتبارا من عام ٢٠١٧ أصبحت الدولتان تمتلكان أرقاما متماثلة من الرؤوس الحربية النووية يقدر بنحو ٦٨٠٠ رأس لكل منهما، لكن سباق التسلح لم يتوقف، بينما تمكنت دول أخرى من حيازة السلاح النووي.

وهكذا قررت إدارة الرئيس ترامب تبني استراتيجية جديدة، أثارت قلق الدول النووية الأخرى، فقد اعتبرتها الصينبمثابة عودة إلى حقبة الحرب الباردة، بينما وصفتها روسيا بأنها انتهاك لمعاهدة حظر الانتشار النووي، وبدا واضحا من رد فعل الدولتين اعتزامهما المضي قدما في تطوير ترسانتهما النووية.

وهو ما يتوقع أن تقوم به كل الدول النووية، وفي مقدمتها الصين والهند وباكستان، بينما تواصل كوريا الشمالية تطوير برنامجها النووي، بعد إجراء 16 اختبارا صاروخيا، منذ تولي ترامب السلطة، بالإضافة إلى اختبار 6 رؤوس نووية، فضلا عن قيامها بتصغير رأس حربي نووي يمكن تحميله على صاروخ يمكنه الوصول إلى أهداف في العمق الأمريكي وهو ما يجعل العالم اكثر عرضة للخطر بالتأكيد .