aan
aan
أعمدة

أجندتنا في دافوس

06 فبراير 2018
06 فبراير 2018

آن بنت سعيد الكندي -

Twitter: @AnnAlkindi -

تخيل حضور عالمي سياسي اقتصادي استثماري علمي صحفي فني تحت مظلة غير ربحية في بلد الحياد السياسي (سويسرا) بعيدا عن منابر الأمم المتحدة أو التجمعات الإقليمية أو الدينية، أليست فرصة مثالية للترويج السياسي والاستثماري للدول وللشركات وللأفراد؟!. نجح كلاوس شواب في عقد هذا التجمع ليكمل هذا العام العدد الثامن والأربعين منذ تأسيس المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 1971. وبالرغم أنها منظمة غير ربحية إلا أن تكلفة حضور دافوس تبدأ من 50 ألفا وتصل الى نصف مليون دولار كراع استراتيجي للمنتدى، فلماذا ترسل الدول وفودها الى دافوس، والتي يصل تمثليها الى مستوى الرؤساء؟ ما الذي تجنيه الدول من حضور هذا المنتدى؟ هل هو تسجيل حضور فقط أم له أبعاد مثمرة أخرى؟

وبما أنه سنويا، فإن حضوره يتطلب استعدادا مسبقا، حيث تقوم مكاتب التنافسية الوطنية للدول بحكم تواصلها مع سكرتارية المنتدى بالإعداد لأجندة وفودها الوطنية فقد أسست الدول هذه المكاتب نتيجة للحضور القوي لتقرير التنافسية الذي يعد مرجعية أساس للمستثمر الأجنبي. وفي هذا الصدد فقد أعلنت اللجنة الوطنية للتنافسية إنشاء مكتب للتنافسية في المركز الوطني للإحصاء والمعلومات وذلك لتشجيع التنافسية بين مختلف القطاعات في السلطنة وتحسين بيئة الأعمال وتشجيع الاستثمار حسب البيان الصادر في يناير 2017.

لماذا تنشئ الدول مكاتب للتنافسية ؟ هل لمتابعة مؤشراتها التنافسية؟ بالطبع أن لمكاتب التنافسية دورا أكبر من ذلك إذ بالإضافة الى قدراتها التحليلية لمعرفة مواضع الخلل في القدرة التنافسية للبلد بشكل عام للاقتصاد أو التعليم أو كفاءة مؤسسات الدولة بشكل خاص تقوم بالعمل جنبا الى جنب مع الجهة المعنية بوضع مؤشرات الأداء الداخلية، للتأكد من أن مؤشرات الأداء الوطنية ستؤدي في نهاية المطاف إلى رفع مؤشرات الدولة في التقارير الدولية. وبحكم طبيعة عمل مكاتب التنافسية فلها ارتباط عالمي بمثيلاتها وتتعامل مباشر مع المؤسسات الدولية -غير دافوس- فهي تقدم الاستشارات حول الاستراتيجيات والمبادرات والإجراءات المعززة للقدرة التنافسية للدولة مستفيدة من اطلاعها على تجارب الدول الأخرى. أدوار كثيرة مرتقبة لمكتب التنافسية، وليس لمجرد العمل على رفع بعض المؤشرات التي لا تكفيها معالجة نقص المعلومات الإحصائية الحالية، وإنما حاجة ماسة الى تعديلات جذرية لبعض القطاعات.

وفي صلب موضوع منتدى دافوس، وما لمكاتب التنافسية من دور داخل المنتدى وخارجه، فإن السلطنة بعد جاهزية بنيتها التحتية كالمطارات والموانئ وشبكة الطرق بالإضافة الى مشاريع الدقم ،وفي ظل التوجه القائم نحو التنويع الاقتصادي، فإن الترويج يجب أن يتصدر أجنداتها العالمية وذلك نحو مزيد من الاستقطاب للاستثمار الأجنبي مما سيترك بصمة على الخارطة الدافوسية السنوية ، فهل هناك استراتيجية لترويج القدرة التنافسية للسلطنة ؟. إن التشتت صفة غالبة لكثير من الملفات، فالجهود المبذولة مهما كانت حثيثة إذا لم تصب في قالب واحد يبقى مفعولها بسيطا، فملف التنافسية جزء لا يتجزأ من الاستثمار أكثر من كونه ملفا احصائيا: لذا آن أوان اخراج مكتب التنافسية من طور الحضانة الى الاستقلالية. إن الحديث عن أهمية دافوس وعدم الاقتناع به هو حديث في الوقت الضائع لمنتدى اشترك فيه هذا العام 140 دولة، و70 رئيسا، وأكثر من 300 من كبار الساسة والمسؤولين في العالم، حيث فاق الحضور ثلاثة الآف شخص.

ورجوعا الى النتائج المحققة من حضور دافوس فقد أٌرخ للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مقولة: «نعرف منذ الإمبراطورية الرومانية ومنذ سور الصين العظيم أن الانغلاق على الذات لن يساعد على حماية حدودنا». لا يمكن للدول أن تكون بمنأى عن التيارات الفكرية العالمية والتأثيرات التي تُطرح وتناقش في هذا المنتدى العالمي، فقادة الفكر هم المؤثرون صانعوا التيار فعليك أن تقيس قوته حتى تجيد السباحة فيه. ففي هذا المنتدى الذي عقد تحت شعار «بناء مستقبل مشترك في عالم مفكك»، تطرح مواضيع الساعة المهمة جدا لفهم التوجهات العالمية عن قرب تلمسا لحلول لتحديات غير مسبوقة، والاستفادة من ما هو مطروح لضمان عملية تخطيطية مستشرفة للرؤى المستقبلية. كانت تلك مكونات أساسية لأجندة الدول الحاضرة في دافوس، نتمنى أن تكون الأجندة العمانية على المستوى نفسه من الاستعداد والتنوع للمشاركين في دافوس 2019 إذا لم يحالفنا الحظ في دافوس 2018.

ما هو جديد دافوس 2018 ؟ يتحدث العالم اليوم عن «اللامساوة» في جميع أشكالها، ولكن الرقم الأهم هو أن ١٪؜ من سكان العالم يستحوذون على أكثر من نصف؜ ثرواته. تأتي المساواة بين الجنسين أيضا في قمة الاهتمامات، حيث قال كلاوس شواب :«نحن ننتقل من عصر الرأسمالية إلى عصر المواهب، و تُحدد القدرة التنافسية للبلدان و الشركات بقدرتها الابتكارية، وسيكون النجاح حليف من يدركون أهمية دمج النساء كقوة مهمة ضمن مواهبهم». حيث بلغ حجم الفجوة بين الجنسين 40% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محققة أدنى ترتيب في مؤشر الفجوة بين الجنسين لعام 2017 . فجاءت رسالة دافوس للعالم واضحة جلية في ترأس سبع شخصيات نسائية عالمية لزعماء العالم ورؤساء الشركات من خلال رئاسة الاجتماعات وإدارة المناقشات واللجان لأول مرة في منتدى هذا العام، الأمر الذي شكل مناسبة مواتية لتستغلها بعض دول الخليج بذكاء من خلال ابراز شخصيات نسائية للنقاش في منتدى دافوس، وبالرغم من كون السلطنة سباقة بتمكين المرأة بفضل قيادة مؤمنة بتساوي الفرص بين الجنسين ،و ضربت أمثلة تاريخية سابقة لأوانها في الخليج العربي ،فقد كانت فرصة سانحة لنا لجني ثمار ما زرعناه قبل غيرنا في دافوس 2018. فليست المقومات الاقتصادية وحدها ما تروج له الدول، بل تحضرها وقيمها التي تؤمن بها.

وقبل ختام هذا المقال، وبما أن دافوس مطبخ من مطابخ المستقبل فقد كانت «أجندة مستقبل التوظيف» هاجسا كبيرا في دافوس، اذ عبر الحضور عن قلقهم إزاء فقدان الكثيرين لوظائفهم جراء الثورة التكنولوجية الرابعة، و هنا تأتي ضرورة إعادة هيكلة قطاع التعليم، بما أن تعليم اليوم يهيئ أطفالنا لوظائف لن تعد موجودة عند تخرجهم . ختاما تطرقت ميركل أيضا في خطابها عن مستقبل الاقتصاد الرقمي مشيرة إلى أن المعلومات ستكون المادة الخام لاقتصاد المستقبل، والسؤال الأهم هو: من سيملك هذه المعلومات ويتحكم بها؟. نعيش في عصر يحاسبنا فيه أطفال اليوم على عدم قدرتنا مواكبة معرفته الرقمية، فلم يعد التريث المتردد مقبولا.