المنوعات

قارئ يسرد تجربته .. محمد الحراصي: كتب الأدب تجعلنا نعيش في عوالم بديلة بعيدا عن رتابة الواقع

05 فبراير 2018
05 فبراير 2018

الكتاب الأجمل في مسيرتي القرائية ما زلت أبحث عنه -

حاوره: ماجد الندابي -

هذا حوار حول القراءة، يحكي لنا فيه محمد بن حمدان الحراصي قصة مسيرته القرائية، وكيف أن القراءة تروي ظمأه المعرفي، وكيف يختار رفاقه من الكتب أثناء سفره، وأن التساؤلات العقلية هي التي تحدد المجالات القرائية، وما هي الكتب التي ملأت عيونه بالدموع، وغيرها من العوالم القرائية التي سيكشفها هذا الحوار..

■ هل تذكر أول كتاب قرأته كاملا من الجلدة الى الجلدة؟ وما أثره عليك؟

ليست لدي ذاكرة دقيقة بخصوص أول كتاب قرأته كاملا و لكن الذاكرة ترجح أن يكون ذلك إحدى روايات نبيل فاروق التي أخذتها خلسة من بين كتب إخوتي الأكبر مني سنا حين كنت في العاشرة من العمر و من تلك اللحظة بدأت رحلتي مع الكتب فأقبلت بنهم شديد على قراءة كل ما يقع تحت يدي من كتب و مجلات حتى أنني لقلة المصادر المتاحة آنذاك قمت بقراءة الكتب الدراسية لإخواني الأكبر مني سنا بمختلف تخصصاتها ثم سرعان ما قمت بزيارتي الأولى إلى معرض الكتاب حيث خامرني إحساس بأنني وجدت المكان الذي أنتمي إليه وسط آلاف الكتب المعروضة ومن حينها بدأت أترقب دنو وقت المعرض بفارغ الصبر وأجمع لهذه اللحظة مصروفي اليومي طيلة سنة كاملة.

■ لماذا تقرأ؟ وماذا دفعك الى ذلك؟

السبب الذي يدفعني إلى القراءة هو ما أسميه (الظمأ المعرفي) إذ إن هنالك كثيرا مما يثير الفضول في نفسي ويدفعني دفعا إلى البحث والاطلاع والقراءة وهذا شيء مثير في الإنسان بصفة عامة فما إن يكتشف لذة القراءة حتى يصبح أسيرا لها وتصبح نفسه تواقة إليها، وتتقاذفه القراءة من كتاب إلى آخر بل إنه من الطبيعي أن يصبح المرء مدمنا على القراءة بكل سهولة ويسر خاصة حينما تحمل له الكتب تحديات معرفية و تعطيه شعورا بالنشوة الناتجة من ارتفاع مستوى الوعي والإدراك لما حولنا، إن هذا الشعور من الصعب وصفه و لا يمكن الإحساس به إلا عن طريق التجربة و لذلك فلم يعد أمرا غريبا علي أن أتوقف عن قراءة كتاب ما أتركه جانبا لأستبدله بآخر متى ما أحسست أنه لم يقم بإرواء الظمأ المعرفي بداخلي أو لأن محتواه لم يقدم لي جديدا يذكر أو لنقل باختصار لأنه لم يرق لمستوى التحدي المطلوب الذي أنتظره وأتوقعه في كل قراءة لكتاب جديد.

■ هل أحصيت الكتب التي قرأتها في العام الماضي 2017 وهل كانت وفق خطة وضعتها؟ وما أهدافك القرائية للعام الجديد؟

نعم لقد اعتدت في السنوات الثلاث الأخيرة أن أضع قائمة في مذكرتي الإلكترونية أسجل فيها كل كتاب أقوم بإنهائه و هذه إحدى الطرق المحفزة لي لمواصلة المشوار لكن لم أضع خطة معينة للقراءة عدا أنني ركزت على إنهاء أكبر عدد ممكن من الكتب في العام المنصرم ٢٠١٧ وهذا قد يكون هدفا في غير مصلحة القارئ أحيانا؛ فالتركيز على العدد قد يكون على حساب استيعاب و فهم محتوى الكتاب لذلك قررت أن أعدل استراتيجيتي لهذه السنة ليكون هدفي هو القراءة المتأنية ذات المنفعة الأكبر حتى ولو كان عدد الكتب قليلا ومع ذلك فإنني أنصح المبتدئين ومن يرغبون في أن يكونوا قارئين ذوي مستوى متقدم أن يضعوا لأنفسهم خطة شهرية وأخرى سنوية وأن يلتزموا بها وسوف يلاحظون بأنفسهم فرقا كبيرا في قدراتهم وزيادة في مدى استيعابهم وسرعة قراءتهم وتوسع مداركهم.

■ ما هي طريقتك في القراءة؟

ليست عندي طقوس معينة أو طريقة مميزة في القراءة فكل ما أفعله هو أن أمسك الكتاب على أي هيئة كانت وبأي وضعية كنت وأبدأ في القراءة -أو استأنفها- ولا أحب عادة تدوين الملاحظات والهوامش على أوراق الكتب حفاظا على مظهرها ورونقها ربما أذكر هنا نقطة مهمة وهي المعاناة التي ألاقيها عند الاستعداد لقراءة كتاب جديد إذ تستبد بي الحيرة في اختيار كتاب واحد من بين الكم الهائل من الكتب لدي والتي تنتظر دورها في القراءة خاصة وأن الفضول المعرفي يتجاذبني تارة إلى هذا وأخرى إلى ذاك.

■ أنت كما أعلمك كثير الترحال والسفر.. فهل يصحبك الكتاب في أسفارك.. وكيف تقتطع من وقتك للقراءة في السفر؟

نعم اعتدت أن اصطحب معي كتابا أو اثنين في أثناء السفر لأنني أعتبر الكتاب الرفيق الذي لا تمل صحبته ولا تخاف من تقلّب مزاجه والذي يحاورك بكل رقي واحترام لذلك فإنني أجد في السفر كثيرا من الأوقات التي تكون مثالية لتمضيتها في القراءة كأوقات انتظار الطائرة أو الحافلة أو القطار وفي أثناء الرحلة الجوية ولا تنس كذلك أن السفر أحيانا يكون بهدف الاسترخاء والاستجمام وهو ما يوفر الجو المناسب جدا للقراءة والاستمتاع بها في ظل الهدوء والسكينة وخلو النفس من الهموم.

■ هل تقرأ أكثر من كتاب في الوقت نفسه؟ وهل تعتبره أمرا صحيا؟

حين أقرأ كتابا ما فلا أميل لقراءة كتاب آخر معه ما لم أنته من الأول فذلك أدعى للتركيز والاستفادة بدل تشتيت الذهن والفكر في مواضيع شتى ولكن مؤخرا قمت باستحداث عادة جديدة وهي وضع كتاب خفيف المحتوى في السيارة لأقرأه في أوقات الانتظار حين ذهابي لمشاويري القصيرة بينما أحتفظ بكتاب القراءة الأساسي في البيت حيث أجد مزيدا من الوقت والتركيز والاسترخاء.

* هل تقرأ الكتب الإلكترونية؟ وهل هنالك مجالات محددة يتم قراءتها من خلال هذه الكتب؟

لم أعد اقرأ الكتب الإلكترونية كما كنت أفعل سابقا إذ إن الكتاب الورقي ما زال يحتفظ بمنزلته ورونقه عندي وربما كان ذلك نابعا كذلك من حب التملك إذ إن الكتاب الورقي يصبح ملكي للأبد فأستطيع أن أرجع إليه متى شئت وليس من السهل فقدانه كما هو الحال في الكتاب الإلكتروني أضف إلى ذلك سهولة ترتيب وتنسيق الكتب الورقية وتقسيمها وتبويبها بحسب المواضيع ولكن مع كل ذلك فما زلت حين أقرأ كتابا ما أقوم بتنزيله في جهازي الذكي بصيغته الإلكترونية حتى يمكنني مواصلة قراءته إذا ما دعت الضرورة لذلك وأنا بعيد عن الكتاب الورقي.

■ هل تضع ملخصات أو ملحوظات على ما تقرأ؟

قليلا ما أفعل ذلك أحيانا أسجل اقتباسات من الكتاب في مذكرة الهاتف وأحيانا أخرى أصور الاقتباس توفيرا للوقت ولكن قليلا ما أقوم بتلخيص موضوع الكتاب ربما السبب في عدم ميلي إلى التلخيص وتدوين الملاحظات هو رغبتي باستثمار كل ثانية في القراءة لا غير وعدم إضاعة الوقت في أشياء لا اقول أنها غير مهمة بل هي أقل أهمية بالنسبة لي.

■ ما اجمل كتاب قرأته في مسيرتك القرائية؟

من الصعب على القارئ المنصف أن يختار كتابا واحدا ليسبغ عليه لقب الكتاب الأجمل لديه وأنا شخصيا أظن أن الكتاب الأجمل في مسيرتي لم يأت بعد بل ما زلت أبحث عنه و لولا هذه القناعة لكنت قد تركت القراءة منذ زمن بعيد ما يحدث لك عند انغماسك وتعودك على القراءة هو أن ينمو لديك حس نقدي عال وهو متطلب جدا لا يقنعه أي شيء لذلك ترى نفسك وقد أصبحت ميالا إلى الكتب التي تتحدى فضولك و تثير فيك التساؤلات الكثيرة والتي تواصل قراءتها وأنت موقن بأنك على موعد مع الجديد من صنوف المعرفة المتعددة.

■ هل منهجيتك في القراءة تغيرت مع تغير مسيرتك الحياتية؟

منهجيتي القرائية شهدت كثيرا من التطورات كنتاج طبيعي لتطور الوعي والإدراك للفرد القارئ ففي البداية كنت أعشق الخيال وروايات الغموض خاصة روايات الخيال العلمي وهي ما قادتني إلى حب القراءة في العلوم والكون والطبيعة وكنت في نفس الوقت أحب القراءة في الأدب العربي القديم ثم مع دخولي الحياة الجامعية - وربما بسبب اصطدامي بصرامة العلم الذي كنا ندرسه بطريقة جافة - قلت قراءاتي العلمية وبدأت اقرأ في التاريخ ثم مسيرة العلم والفكر وفي المدارس والمذاهب الفكرية على مر التاريخ والحضارة البشريين ومع ذلك ظل الأدب دائما هو الظل الذي أستريح تحته من عناء القراءات الجادة والعميقة.

■ ما هي المجالات القرائية التي تستهويك هذه الفترة؟ وكيف يتم تحديد هذه المجالات؟

حاليا أحب أن أقرأ في مواضيع الفكر والفلسفة وأسباب النهضة وآلية صعود الحضارات ثم أفولها وتاريخ العلم ومسيرة الأفكار البشرية ونقد المذاهب والمدارس الدينية والفكرية المختلفة أما سبب حبي لهذه المجالات فقد نشأ وتطور من خلال تطوري القرائي إذ كلما أنهيت كتابا ما برزت في ذهني تساؤلات معينة فأقوم بالبحث عن الكتب التي تتناولها حتى انتهيت إلى الشغف بتاريخ الفكر البشري بشكل عام وكيف تطور والصراعات الفكرية التي نتجت جراء ذلك كما أن القراءة في آلية نشأة الحضارات وتشكل الثقافات المختلفة وصعود المجتمعات ثم أسباب تراجعها وتقهقرها هو مما يصيب العقل بالدهشة والتعجب ويثير الأفكار ويستحث العقول كذلك أقرأ بين حين وآخر في الأدب والروايات العربية والعالمية إذ إن الأدب مرآة للمجتمعات وبعض أنواعه تمثل انعكاسا للروح والمخيلة البشرية الخلاقة وتجعلنا نعيش في عوالم بديلة بعيدا عن رتابة الواقع والإيقاع الساكن للحياة الحياة اليومية.

* هل تستحوذ على قراءاتك المجالات المتعلقة بطبيعة عملك وتخصصك؟

لأكون صادقا معك فإن قراءاتي في مجال تخصصي أقل من المجالات الأخرى و لكنني أعمل على إعطاء نصيب أكبر للقراءات التخصصية في الفترة المقبلة لكي تساعدني في تطوير مهاراتي الوظيفية ولأجل تحسين ورفع خبرتي في نطاق تخصصي و هو أمر على قدر كبير من الأهمية لدرجة لا تدع مجالا لغض الطرف عنه.

* هل هنالك زمان محدد للقراءة في بعض المجالات مثل قراءة نوعية من الكتب في فصل الصيف والنوع الآخر في فصل الشتاء أو كتب الليل أو النهار؟ وهل ترى هنالك رابطا بين الكتاب وزمن قراءته؟

لا أربط نوعية الكتب بفصل أو زمن معين و مع ذلك فلا زلت أتذكر بتهكم ما أشعر به في كل مرة تهطل فيها الأمطار حيث تقفز إلى مخيلتي روايات الغموض والتشويق التي تجري أحداثها في وقت نزول المطر وأحس برغبة عارمة في تناول إحداها وقراءتها أما ما عدا ذلك فإن الأمر يعتمد عادة على ما تفرضه التساؤلات العقلية وهواجس الأسئلة الفكرية التي تحدد نوعية و مجالات القراءة و كثيرا ما يكون انتقاء كتاب ما بسبب كثرة الاستشهاد به كمرجع من قبل كتب أخرى وفي أحيان أخرى تفرض سمعة الكتاب نفسها وتدفعك إلى الرغبة في اقتنائه وتصفحه.

■ هل تذكر لنا لحظة أبكاك فيها الكتاب؟

عند القراءة في الأدب الواقعي كثيرا ما ينجح الكاتب، إن كان متمكنا، في استثارة عواطف القارئ وإدخاله في حالة من الاندماج مع المتخيل السردي قد تصل إلى حد ملء العيون بالدموع وممن أذكر عنه ذلك بشكل جلي المنفلوطي في كتاباته وترجماته المنتقاة و كذلك بعض روايات نجيب محفوظ.

■ رشح لنا خمسة كتب تنصح القراء بقراءتها؟

كل كتاب يستحق القراءة، ما عدا استثناءات هنا أو هناك، وترشيح الكتب يعتمد على المجال الذي يرغب القارئ بالقراءة فيه ففي مجال اهتماماتي مثلا أنصح بقراءة كتب أحمد أمين (فجر الإسلام) و(ضحى الإسلام) و(ظهر الإسلام) إذ إنها عرفتني على تاريخ الفكر والعلم في الإسلام و كذلك رواية (عالم صوفي) التي تستعرض تاريخ الفكر والفلسفة بشكل مبسط وسلس و أخيرا كتاب «المصمم الأعظم» للدكتور حسن اللواتي الذي يبهرك بعظيم صنع الخالق وقدرته ويرشدك إلى وسائل التفكير العقلي المنهجي في تناول الوجود بالدراسة والتحليل.