الملف السياسي

سراب المفاوضات ولحظة الحسم الأمريكية

05 فبراير 2018
05 فبراير 2018

ماجد كيالي -

بالنسبة للمعارضة فهي ضعيفة ومشتتة ومرتهنة، أي أنها خاضعة للأطراف الإقليمية والدولية «الصديقة»، مما يؤثر على وضعها، بخاصة مع تغيير مواقع هذه الدولة أو تلك، وخاصة مع عدم حسم الإدارة الأمريكية لموقفها من الصراع السوري بشكل تام .

انتهت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، بين النظام والمعارضة السوريين ، الشهر الماضي، من دون التوصل إلى أي شيء، وحتى من دون إجراء أية مفاوضات، أو حوارات، ثنائية على أي قضية كانت. بل يمكن الجزم بأن عودة المتفاوضين إلى الجولة التاسعة بعد أسابيع، لن يفضي إلى أي نتيجة تذكر، أو تؤثر، في مصير الصراع السوري.

هكذا، وعلى مر السنوات الماضية شهدنا أن ثمة مفاوضون كثر، لاسيما في وفد المعارضة، ولكن لا وجود لمفاوضات، وثمة كثير من الإعلام والخطابات من الطرفين، ولكن لا وجود للسياسة. أيضاً، ثمة فوق هذين أوهام ومساومات، كما ثمة ادعاءات ومطالبات، لكنها كلها لزوم تسخين أجواء المفاوضات السورية ـ السورية، وإثارة الجدل من حولها، لا أكثر.

وفي الحقيقة ، نحن في هذا الأمر إزاء «طبخة بحص» سواء تعلق ذلك بالجولات التفاوضية الثماني في جنيف، أو بالجولات التفاوضية الست في آستانا، بل إن ذلك يتعلق، أيضاً، بالمؤتمر الذي عقدته روسيا في سوتشي، بعد أن تم تخفيض الطموحات الروسية التي بنيت عليه، وتحولها إلى عقده لمرة واحدة، بعد أن فشلت في تسويقه لدى حليفيها في مسار «آستانا» (إيران وتركيا) لأسباب تخصّ كل واحد منهما. والأهم أنها أخفقت في تسويقه لدى الإدارة الأمريكية، التي سارعت بدورها إلى الخروج من دائرة الصمت، أو اللامبالاة، إلى التأكيد على مسار المفاوضات في جنيف، باعتباره بالنسبة لها المسار الوحيد لحل الصراع السوري، مع تأكيدها على بقاء قواتها في سوريا إلى حين حصول التسوية في هذا البلد، ناهيك عن محاولاتها اللافتة لاستعادة تركيا إلى دائرتها السياسية في الصراع السوري.

المقصد هنا لفت الانتباه إلى عدة مسائل، أولها، أن كل تلك المسارات والجولات التفاوضية كانت بمثابة تمرين سياسي، أو ساحة اختبار، لتجاذبات القوى، بين الأطراف المتصارعة على سوريا، ولاسيما الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، وباقي الأطراف، الدولتية أو اللادولتية، المحسوبة على كل واحدة منها.

ثانياً، أن الحقيقة الغائبة، أو التي يجري التشويش عليها، أو طمسها، تفيد بأنه ولا مرة جرت مفاوضات فعلية بين وفدي الجانبين المعنيين، أي النظام والمعارضة، في كل هذه الجولات، في جنيف وفي آستانا، وأن عملية المفاوضات كانت مجرد عملية صورية، وتعبير عن إرادة دولية، وهذا ينطبق على مسار جنيف التفاوضي، في حين أن العملية التفاوضية في مسار آستانا كانت محصورة بالدول الثلاث فقط، أي روسيا وإيران وتركيا. ثالثا، يستنتج من ذلك أن السوريين هم الطرف الغائب في هذه المفاوضات، نظاماً ومعارضة، وأن قدرة أي منهما على انفاذ موقفه، أو املاءاته، إزاء الطرف الآخر باتت محدودة أو مقيدة. فالنظام، مثلاً، بات فاقد القوة، وأضحى طرف ينسق مواقفه ، حيناً من روسيا، وحينا من إيران، الأمر الذي قد يحوّل هذين الطرفين من إطار التنافس إلى إطار التخاصم أو التصارع مستقبلاً. أما بالنسبة للمعارضة فهي ضعيفة ومشتتة ومرتهنة، أي أنها خاضعة للأطراف الإقليمية والدولية «الصديقة»، مما يؤثر على وضعها، بخاصة مع تغيير مواقع هذه الدولة أو تلك، وخاصة مع عدم حسم الإدارة الأمريكية لموقفها من الصراع السوري بشكل تام .

رابعاً، يتضح من كل ما تقدم أن المفاوضات ستظل مرهونة بمدى، وباتجاه، تطور الموقف الأمريكي، مع وجود إشارات على غاية في الأهمية، صدرت مؤخّراً، أولاها محاولة التركيز على تحجيم إيران، بزعم خطرها ً على الأمن الدولي والإقليمي. وثانيها، تأكيد وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيين على اعتبار مسار المفاوضات في جنيف بمثابة المنبر الوحيد الذي يمكن من خلاله حل الصراع السوري، في تهميش واضح للمسارات الأخرى، أو اعتبارها مجرد تابعة لمسار جنيف.

وثالثها، محاولة استعادة الولايات المتحدة لعلاقاتها مع تركيا، وربما أن هذا الوضع هو الذي حجم الطموح الروسي، أو الجمه، بخصوص فتح مسار تفاوضي جديد في «سوشي»، إذ أن تركيا تلقفت، على الأرجح، الإشارة الأمريكية وعملت على الاستثمار بها في وضعها شروط على مؤتمر سوتشي، خففت من حماس روسيا له بشكل أو بآخر .

هكذا مضت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، والجولة التي تلتها من مفاوضات آستانا، و مؤتمر سوتشي، لكن كل شيء سيبقى رهنا، ليس بإرادة السوريين، ولا رهنا بصراعاتهم الدامية والمدمرة على الأرض، وإنما رهنا بتموضعات القوى الدولية والإقليمية في هذا الصراع.

ومثلاً، فإلى أين ستذهب من هنا روسيا، سيما بعد حديثها عن تخفيض قوتها العسكرية في سوريا؟ وبعد حال التجاذب الروسي ـ الإيراني؟ ثم ماذا بالنسبة لروسيا وإيران بعد التحول التركي نحو الولايات المتحدة؟ وماذا بالنسبة لكل هذه الأطراف بعد اقتراب لحظة الحسم الأمريكية؟