أفكار وآراء

الشرعية في مواجهة الأمر الواقع

04 فبراير 2018
04 فبراير 2018

طارق الحريرى -

,, يعكس القانون توحش السياسة الإسرائيلية تجاه الحقوق الفلسطينية ومحاولة الإجهاز عليها رغم كل قرارات الشرعية الدولية وهنا يجب التنبه الى أن هذا القانون الخطير ليس وليد اللحظة ولا رد فعل استغل الانحياز الأمريكي الكامل ,,

عانت القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة من انسداد في أفق الحل الذي لاح بعد اتفاق أوسلو الذي تم توقيعه في واشنطن في الثالث عشر من سبتمبر 1993 بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والذي تم توصيفه كإعلان مبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وكان مفترض بعد التوقيع بثلاثة أعوام أن تبدأ مفاوضات الوضع الدائم التي يتم من خلالها التوصل لتسوية نهائية وتشمل هذه المفاوضات القضايا الشائكة وهي:

• القدس وتتضمن تحديد من يسيطر على القدس الشرقية والغربية والأماكن المقدسة وساكنيها..الخ.

• اللاجئون ما بين حق العودة وحق التعويض ..الخ.

• المستوطنات في الضفة الغربية والقطاع هل يتم تفكيكها، وجهة خضوعها للسلطة الفلسطينية أم الجيش الإسرائيلي . .

• الترتيبات الأمنية حجم القوات والأسلحة المسموح بها داخل أراضي الحكم الذاتي ، والتعاون والتنسيق بين شرطة السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي.

من بين كل هذه القضايا العالقة كانت القدس هي حجر العثرة الذي تضعه إسرائيل أمام تقدم عربة التفاوض فبينما كانت نقاط الخلاف الشائكة تجد مساحات ممكنة للانفراج كانت القدس تلقى تعنتا إسرائيليا يعطل إمكانية الحل لتأكد تل أبيب من أن الفلسطينين لايمكن أن يفرطوا في حقهم في القدس القديمة أو القدس الشرقية بلغة الدبلوماسية. وبعيدا عن الخوض في الأبعاد التاريخية لملف القدس فإنه من اللافت أن الإسرائيليين يدّعون حقا في المدينة وهم في ذلك يستندون على تراث أسطوري عبارة عن تهويمات في ثنايا التاريخ حتى أن سيجموند فرويد (الطبيب النفسي النمساوي) ومن المعروف أنه يهودي الديانة كشف عن هذا البعد في مقدمة كتابه موسى والتوحيد، وفي المقابل فإن الفلسطينيين يستندون في حقهم في المدينة على الموروث التاريخي الثابت والموثق اعتمادا على الأثر والوثيقة والوقائع عبر قرون طويلة من الوجود فوق الأرض في المدينة، وحولها وبعد احتلال القدس في عام 1967 بدأت إسرائيل على الفور عمليات حفر وتنقيب في المدينة وتحت المسجد الأقصى ، لكنها فشلت فشلا ذريعا حتى الآن في أن تجد أثرا على الإطلاق يؤكد مزاعمها التي لا تستند سوى على الأساطير. الذي لاشك فيه أن القضية الفلسطينية برمتها قد أخذت منعطفا جديدا بعد قرار الإدارة الأمريكية باعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها وهو القرار الذي صدق عليه الرئيس دونالد ترامب المثير للجدل في قراراته داخليا وخارجيا والمنحاز انحيازا كاملا لإسرائيل فاق به كل الرؤساء السابقين وبالطبع فإن القرار الأمريكي سوف يجعل إسرائيل تتغول في عدوانها على حقوق الشعب الفلسطيني وهو ماظهر في الأيام القليلة الماضية في قانون الكنيست الأخير في الثاني من يناير مطلع العام الجديد 2018 بعد مصادقة الكنيست على القراءتين الثانية والثالثة لقانون «القدس الموحدة» الذي يحظر على الحكومات الإسرائيلية اتخاذ أي قرار بشأن تقسيم القدس إلا بموافقة ثلثي أعضاء الكنيست وجاء هذا التعديل الذي ظل مطروحا في الكنيست لفترة طويلة بعد أقل من شهر على إعلان الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. وعلق الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة على المعنى الحقيقي الذي يتضمنه هذا القانون واصفا تصويت الكنيست الإسرائيلي على قانون القدس الموحدة بأنه يمثل إعلان حرب على الشعب الفلسطيني وهويته السياسية والدينية وأن نتيجة هذا التصويت هي بمثابة إعلان رسمي من قبل إسرائيل لنهاية ما يسمى بالعملية السياسية. وقال المعارض الإسرائيلي إسحاق هرتزوج إن ائتلاف البيت اليهودي الذي تقدم بالقانون يقود إسرائيل صوب كارثة مروعة.

تتبع إسرائيل استراتيجية الخطوة خطوة لنسف حقوق الشعب الفلسطينى ، وقرار الرئيس الأمريكى الذي ساعد على الإسراع بإصدار قانون القدس الذي يضع العراقيل والعقبات الكؤود أمام أي محاولة مستقبلية للقيام بمفاوضات لإنجاز عملية سلام حقيقية وجدية ، يتحقق من خلالها الانسحاب من القدس المحتلة .

فالحقيقة المؤكدة أن قانون القدس عاصمة إسرائيل الموحدة لن يغير الحقيقة الدامغة بأن القدس مدينة عربية فلسطينية محتلة.

يعكس القانون توحش السياسة الإسرائيلية تجاه الحقوق الفلسطينية ومحاولة الإجهاز عليها رغم كل قرارات الشرعية الدولية ، وهنا يجب التنبه الى أن هذا القانون الخطير ليس وليد اللحظة واعتباره رد فعل استغل التأييد الانحياز الأمريكي الكامل، فقد قامت وزيرة القضاء الإسرائيلى أييلت شاكيد بإعداد قانون آخر بالغ الخطورة يمهد لابتلاع القدس والضفة الغربية كاملة في شهر مايو من العام الفائت ، بالتعاون مع وزير السياحة ، ياريف ليفين ، وجاءت تصريحاتهما في هذا الشأن بأنه من غير المقبول السماح بوضع لا يطبق فيه القانون الإسرائيلي على 430 ألف مستوطن في الضفة الغربية لأن هذه المستوطنات ليست الساحة الخلفية لإسرائيل وأن الاستيطان هو أمر واقع ومستديم ، وأنه آن الأوان لأن تقوم دولة إسرائيل بالتعامل مع جميع مواطنيها بمساواة وتفرض ذات القانون على الجميع . لذلك فإنه من وجهة نظر الاحتلال هذه المبادرة ستضع حدا للتمييز الواضح بسبب تغيب القانون الإسرائيلي عمن يستوطنون الضفة الغربية.

وبالفعل في اليوم الأخير من العام 2017 وافق حزب الليكود بالأغلبية الساحقة على ضم مستوطنات الضفة الغربية لإسرائيل حيث يقضي مشروع هذا القرار بفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلة وضمها إلى إسرائيل والتوسع الهائل في بناء المستوطنات ( بنص التصريح الرسمى للحزب). ولم تتوان الحكومة الإسرائيلية عن التنفيذ الفوري عندما حث أفيجدور ليبرمان لجنة البناء والتخطيط العليا الإسرائيلية بعقد اجتماعا عاجلا للموافقة التي تمت في التو على البناء الفوري لألف ومائتين وخمس وثمانين وحدة استيطانية جديدة في مناطق بالضفة الغربية منها غور الأردن ومستوطنات الطوق التي تحيط بالقدس وفي الحي الاستيطاني داخل مدينة الخليل.

لقد صرح وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بأنه يلزم أن تكون القدس في نهاية المطاف العاصمة المشتركة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية ، واستطرد منوها لنظيره الفلسطيني رياض المالكي ، «أؤكد مجددا التزام المملكة المتحدة بدعم الشعب الفلسطيني وحل الدولتين والحاجة الماسة إلى تجديد مفاوضات السلام ». وأضاف « ينبغي أن تحدد مسألة القدس من خلال تسوية تفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويجب أن تكون القدس في نهاية المطاف عاصمة مشتركة بين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية» . التصريحات الرسمية جاءت من بريطانيا المنحازة بدرجة كبيرة لإسرائيل إلى حد الاحتفال في نوفمبر الماضي بمرور مائة عام على وعد بلفور ، برغم اعتراض الدول العربية والفلسطينيين على هذا الموقف وما أعلنه وزير الخارجية البريطاني، رغم ألتماهي في المواقف السياسية بين واشنطن ولندن ، دليل دامغ على توحد الموقف الدولي ، فقد أظهرت المواقف الرسمية للدول الكبرى شرقا وغربا عدم موافقتها على القرار الأمريكي بشأن القدس وتبنيها سابقا لما أعادت تأكيده مفردات الموقف البريطاني الأخير ، بل لقد عبر كثير من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات بصورة شخصية عن عدم القبول بالقرار الأمريكي وإعادة التأكيد على المواقف الدولية للحقوق الفلسطينية التي تبنتها واعترفت بها دول العالم والمنظمات الأممية قاطبة.

هنا يجب أن يتنبه الفلسطينيون إلى أن لا مواقف الدول ولا قرارات الشرعية الدولية كانت رادعا لإسرائيل التي تسعى من خلال استراتيجية خبيثة تستخدم القدس الآن كرمز وطني وتاريخي وديني للفلسطينيين بفرض سياسة الأمر الواقع فيها مستغلة زخم الدعم الأمريكي (الذي تمادى بإيقاف تمويل الأنروا) لإحداث هدم معنوي في بنية القرار الفلسطيني وزرع انشقاق مدمر بين أصحاب القضية إذا رضخت القيادة بالتخلي عن القدس مع تواصل المخطط الأبدي منذ نشأة الدولة العبرية في اللعب على الوقت لفرض أمر واقع على الأرض يصعب الفكاك منه.