1239029
1239029
الاقتصادية

بنوك البذور تساهم في استثمار الموارد النباتية وتضمن بقاءها للأجيال المستقبلية

04 فبراير 2018
04 فبراير 2018

إنشاء بنك للجينات والبذور في السلطنة بالتعاون مع جامعة نزوى -

كتبت: رحمة الكلبانية -

توجه السلطنة ودول العالم أنظارها اليوم إلى سبل تأمين الغذاء للأجيال القادمة، إلا أن صعوبة تحقيق هذه المهمة تكمن في زيادة وتيرة تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم وتعرض الكثير من المحاصيل الزراعية لخطر الانقراض بالإضافة إلى زيادة استهلاك الأغذية المترافق مع زيادة عدد سكان العالم والذي من المتوقع أن يصل إلى 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050.

وقد احتلت السلطنة المرتبة 37 ضمن القراءة الأخيرة لمؤشر المخاطر المناخية العالمي (غلوبال كلايمت ريسك اندكس) الذي يحلل مدى تأثر البلدان بالأحداث المناخية المضرة كالعواصف والفيضانات وموجات الحر مما يشكل مصدر قلق كبير. وبالنظر إلى ندرة الموارد المائية والأراضي، برزت الحاجة إلى التركيز على المحاصيل المحلية الأصلية وحمايتها وإعطائها الأولوية في ضوء إمكانية زراعتها بشكل مستدام ودون تهديد الموارد المائية الشحيحة في عمان.

وذكرت آخر الإحصائيات الصادرة عن مركز عمان للموارد الوراثية والنباتية بأن السلطنة تحتوي على أكثر من 1200 نوع من النباتات، وقدرت خسارتها في الإنتاج الغذائي المترتبة من شح المياه ونقص الأراضي الخصبة وتأثير التغير المناخي إلى 30% من إجمالي الإنتاج الزراعي في السلطنة.

وتشكل النباتات العمانية المقاومة للجفاف والآفات مصدرا هامًا للأمن الغذائي العالمي ولها دور هام وعالمي في ظل تغير المناخ الذي قد يؤدي لعدم توفرها في العديد من الدول.

بنوك البذور و الجينات

تعتبر بنوك الجينات والبذور إحدى الطرق المتبعة عالميا لتخزين الموارد الوراثية النباتية والحيوانية واستدامة المحاصيل الزراعية المهددة بالانقراض من خلال حفظها في ظروف مناسبة وتحت درجات حرارة منخفضة. وقد تبنت السلطنة ممثلة بوزارة الزراعة ومركز عمان للموارد الوراثية والنباتية هذه الخطوة من خلال إنشاء بنوك للحقول وبنوك للجينات والبذور.

تقول نادية السعدية، المديرة التنفيذية لمركز عمان للموارد الوراثية والنباتية بأنه تم إنشاء بنك للجينات والبذور في السلطنة قبل ستة أشهر بالتعاون مع جامعة نزوى، حيث يقوم البنك بجمع البذور من مختلف مناطق السلطنة ويعمل على تخزينها وإكثارها، كما يحوي جينات لبعض أنواع الفطريات والحيوانات والكائنات البحرية.

و أضاف د. حميد جلوب، خبير مصادر وراثية وسياسات وتحليل بيانات بالمركز أن بنك البذور وجد لخدمة المزارعين والمجتمع العماني وليس لحفظها لسنوات طويلة قادمة وبأن هناك عمليات بحثية وتعديلية مستمرة تقام على الأصناف الموجودة.

ويعمل المركز على تحديد أنواع المحاصيل المهملة أو غير المستخدمة وتطويرها خصوصا المقاومة منها لارتفاع درجة الحرارة والملوحة بالإضافة إلى أنظمة المحاصيل التي بإمكانها تحمل فترات جفاف طويلة وفيضانات ومستويات مختلفة من الرطوبة ومن شأنها أن تلعب دورا حاسما في إدارة الأمن الغذائي في عمان.

بنوك البذور عبر التاريخ

ولا يمكن اعتبار بنوك البذور مفهومًا حديثًا، فالمزارعون منذ قديم الأزل كانوا يقومون بحفظ البذور في أماكن وظروف محيطة خاصة لإعادة زرعها والاستفادة منها لاحقا. يقول د. حميد جلوب بأن البابليين والمصريين القدامى كانوا من أوائل الشعوب التي أقدمت على حفظ البذور وتخزينها، وقد أشار القرآن الكريم لعملية حفظ المحاصيل النباتية في الآية 47 من سورة يوسف، في قوله تعالى ( فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ) حيث أثبتت الدراسات بأن إبقاء البذور في سنابلها تحميها من هجمات الحشرات وتحافظ عليها لمدة طويلة من الزمن تصل إلى 7 و 15 عامًا.

وأشارت المهندسة صفاء الفارسية، رئيسة قسم بحوث البذور والمصادر الوراثية النباتية بالمديرية العامة للبحوث الزراعية بوزارة الزراعة والثروة السمكية إلى أن العمانيين كانت لهم إسهاماتهم وطرقهم الخاصة في حفظ البذور منذ القدم باستخدام الأدوات الفخارية والتي أثبتت فعاليتها في الحفاظ عليها لسنوات عديدة.

البنوك الحقلية في عُمان

بدأت السلطنة منذ الثمانينات ممثلة بوزارة الزراعة والثروة السمكية بالبحث والجمع المستمر والدائم للمحاصيل النباتية المحلية في سبيل إكثارها والمحافظة عليها وركزت في ذلك على البنوك الحقلية ومن أهمها البنك الحقلي لنخيل التمر بقريات والذي يضم حوالي 186صنفا والبنك الحقلي لفاكهة المانجو في صحار والذي يحتوي على أكثر من 100 صنف من الأصناف المحلية والمستوردة التي أدخلت للبيئة العمانية منذ القدم وتأقلمت معها، بالإضافة إلى بنك للحمضيات بصحار وغيرها من البنوك الحقلية التي تتم من خلالها عمليات جمع وتقييم وتصنيف واستخدام هذه الأصناف وتبادلها بين المؤسسات والمراكز المهتمة.

وقالت المهندسة صفاء الفارسية بأن الوزارة تعتزم البدء بمشاريع مستقبلية لتطوير أصناف القمح المحلية لجعلها مقاومة للأمراض والإكثار من إنتاجيتها، إلى جانب عدد من الاستراتيجيات لتنمية محاصيل زراعية أخرى موجودة في السلطنة مثل الثوم والقت وإيجاد أصناف غزيرة الإنتاج. وفي سبيل تحسين الإنتاج النباتي المحلي أضافت الفارسية بأن الوزارة كانت قد بدأت بإدخال أصناف جديدة من النباتات في خط الباطنة أكثر تحملا للظروف المناخية الحالية ومستويات الملوحة المرتفعة بتلك المناطق.

واقع الأمن الغذائي في السلطنة

تغطي عمان اليوم حوالي 60% من حاجاتها الغذائية من الأسواق العالمية، وبلغ معدل الاكتفاء الذاتي الغذائي لها 41.3% عام 2014، حيث يغطي الإنتاج العماني ما نسبته 68% من احتياجات السلطنة من الفاكهة والخضار و 2% من المنتجات الزراعية، بحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن مركز عمان للموارد الوراثية والنباتية.

إن اعتماد السلطنة على المنتجات الغذائية المستوردة يجعلها عرضة لانقطاع التوريدات الغذائية ولتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية. وقد اتضح ذلك في أزمة أسعار الغذاء العالمية في 2007 – 2008 حين ارتفعت أسعار الحبوب عالميا وفرض عدد من كبار البلدان الزراعية المنتجة في العالم منها روسيا وأوكرانيا والهند وباكستان ومصر وكازاخستان قيودا على تصدير القمح والشعير والأرز والذرة لضمان أمنها الغذائي وقد شهدت السلطنة عقب ذلك ارتفاعا في معدلات التضخم.

وتقدرّ منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أنه يجب أن تبلغ نسبة ازدياد الإنتاج العالمي للغذاء أكثر من 75% في الأعوام الثلاثة والثلاثين القادمة لتلبية الطلب الغذائي لحوالي 9.6 مليار نسمة في عام 2050 بالمقارنة مع 7.5 مليار نسمة في الوقت الحالي

وقال د. حميد جلوب في هذا الصدد، بأنه لا توجد دولة على كوكب الأرض لا تعاني من مشكلات في أمنها الغذائي، وبأن جميع الدول لديها نقص في أنواع معينة من المحاصيل والمواد الغذائية الأمر الذي يستوجب عليها استيرادها من الخارج.

مخاطر وتوقعات مستقبلية

ولخص المركز أهم المخاطر التي تهدد الموارد الوراثية العمانية في العوامل البيئية والإنسانية العديدة كالتوسع العمراني والتغير المناخي والأوبئة والنقص في مبادرات الحفاظ على الثروة الوراثية المحلية في عمان خوفا من الإفراط في الاستهلاك وشح المياه والاستخدام العشوائي للمياه الجوفية.

وأشارت آخر الإحصائيات الصادرة عنه بأنه من المتوقع أن تشهد مناطق شمال السلطنة انخفاضا في معدل هطول الأمطار في العقود المقبلة. ففي منطقة الساحل الشمالي حيث يتراوح مستوى الأمطار من 50 و 100 ملم، من المتوقع أن يؤدي التغيير المناخي إلى انخفاض هذا المعدل بحوالي 20-40 ملم بحلول عام 2040. ويعادل ذلك انخفاضا بنسبة 40% في معدل الأمطار السنوية مما سيؤثر بشدة على الأمن الغذائي في عمان. إذ يتوقع أن يقضي التغير المناخي على الأرجح على زراعات النباتات ثلاثية الكربون في عمان كالقمح والشعير والبطاطس ومعظم الأشجار غير القادرة على تحمل درجات الحرارة المرتفعة والجفاف وبالتالي على محاصيلها.