1240088
1240088
تقارير

السلطنة ومصر.. علاقات ضاربة في القدم

03 فبراير 2018
03 فبراير 2018

تعاون مشترك فـي كافة المجالات وتنسيق فـي القضايا الإقليمية -

تمـــيز العلاقة بالروابط السياسية والاستراتيجية والثقافـــية ومراعاة كافة أشكال التواصل -

تقرير : عماد البليك -

تشير الأبحاث التاريخية إلى أن العلاقات العمانية المصرية تعود إلى التاريخ القديم، بقرابة 3500 سنة، الأمر الذي نتجت عنه علاقات تجارية واقتصادية واسعة منذ تلك الأزمنة، وفي عصر ملوك مصر القديمة كانت القوافل تحمل اللبان العماني من أرض ظفار إلى مصر. وقد تعززت هذه العلاقات في العصور الحديثة بطريقة منظمة وفاعلة، لاسيما الاعتماد على دور مصر المحوري في المنطقة العربية وبوصفها مركز الثقافة والفكر في العالم العربي. وقد تميزت هذه العلاقة في العصر الحديث بالروابط السياسية والاستراتيجية والثقافية بمراعاة كافة أشكال التواصل، وكان لمصر دورها في المساهمة في النهضة العمانية عبر جيل من المعلمين والكوادر في مختلف المجالات، كذلك فإن البلدين عملا على صياغة تنسيق مشترك في السياسة والأمن والاقتصاد.

في 22 أبريل من العام الماضي استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، حيث نقل ابن علوي تحيات جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - إلى الرئيس السيسي، مؤكدا على العلاقات الوثيقة التي تجمع بين السلطنة ومصر، في حين أشاد السيسي بمواقف جلالة السلطان الداعمة لمصر وإرادة شعبها.

وقد أكد البلدان على تطوير تعاون ثنائي مستمر منذ عقود طويلة، وتعزيز مستوى التنسيق والتشاور، في الوقت الذي أكد فيه الرئيس المصري بحسب تقارير صحفية مصرية، على «أهمية الإعداد الجيد للجولة القادمة للجنة المشتركة العُمانية المصرية المُقرر عقدها في مسقط خلال العام الجاري، معرباً عن التطلع لأن تساهم نتائج أعمال اللجنة في تفعيل مختلف أوجه العلاقات الثنائية وتحقيق تقدم ملحوظ في التعاون الثنائي بشتى المجالات».

وقد عبر الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العماني عن اعتزاز السلطنة بما يربطها بمصر من علاقات تاريخية وطيدة، وحرص بلاده على التشاور والتنسيق الدوري مع مصر بشأن مختلف التطورات الإقليمية، مشيداً بدور مصر المحوري بالعالم العربي وحرصها على تعزيز العمل العربي المشترك.

كامب ديفيد 1978

ودائما ما يشير المؤرخون للفكر السياسي الحديث، إلى التوافق الذي أبدته حكومة السلطنة من مواقف مع مصر إثر اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، ففي الوقت الذي اتجهت فيه الدول إلى المقاطعة كان موقف جلالة السلطان متضامنا مع الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، في واحدة من أكثر القضايا تعقيدا في المنطقة، وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي. وقد عملت حكومة السلطنة على دعم المواقف المصرية في مراحل تلك الأزمة وعلى مدى عقود، حيث قادت مصر العديد من المبادرات لحل القضية الفلسطينية والمصالحة الداخلية بين أطراف الموضوع الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.

وكانت كما هو معلوم أن سلطنة عمان هي الدولة العربية الوحيدة التي وقفت مع الرئيس السادات في أعقاب زيارته للقدس في عام 1977 وما ترتب على ذلك من توقيع اتفاقية معاهدة كامب ديفيد، التي نجمت عنها المقاطعة.

وتتشارك السلطنة مع مصر المواقف العربية والقومية في النظر إلى قضايا التعاون العربي المشترك، والمسارات الكبيرة كالقضية الفلسطينية والأمن العربي الإقليمي، وقضايا الجامعة العربية وغيرها من المواقف.

وقد ظل طابع العلاقات بين البلدين يقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد الثاني، والنظر بتقدير كبير للتاريخ المشترك والأرضية الثقافية العميقة، وفي الإطار السياسي كان الإيمان بالحوار والسلام الدوليين وعلى المستوى الإقليمي في حل القضايا وتحقيق الاستقرار، واتباع أسلوب التفاهم في تقريب المسافات بين الأطراف في أي أزمة أو خلاف.

العلاقات السياسية

لا تتطلب العلاقات العمانية المصريةتدليلا من حيث ما تتمتع به من إطار قوي من الاحترام والثقة بين الطرفين، ومن حيث اتباع التشاور والتنسيق المستمر بين البلدين في القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وحيث تقدير كل طرف للآخر من حيث الرأي، وثمة تنسيق على مستويات عديدة في قضايا وموضوعات بخلاف القضايا الكبيرة والملموسة، كما في مكافحة القرصنة البحرية ورئاسة الناتو وغيرهما.

وعقب الثورة المصرية، ما بعد ما عرف بالربيع العربي، والاتجاه نحو الاستقرار في مصر، فقد وقفت السلطنة بكافة سبل الدعم الممكنة لمؤازرة خيار الشعب المصري في تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي، حيث ان استقرار مصر لا يتجزأ بل هو مركزي في السلام الإقليمي وفي البلدان العربية.

ودائما ما تشيد المؤسسات المصرية والإعلام المصري بالسياسة العمانية وتقدر الجهود التي تبذلها السلطنة والإسهامات النبيلة لها في تعزيز كل ما هو إنساني ويصب في صالح السلام الإقليمي والدولي، وقد أشادت كثيرا بدور السلطنة في اتباعها السياسة الهادئة والعقلانية والمحايدة للوساطة في حل القضايا العربية.

وفي الـ14 من نوفمبر الماضي كانت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى مسقط، حيث عقد مباحثات مع نظيره يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، وهذه التشاورات مستمرة عبر الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين، أو اللقاءات التي تتم في المناسبات الرسمية المختلفة التي يشارك فيها الطرفان.

وفي هذا العام على سبيل المثال، نجد بالإضافة لزيارة شكري الأخيرة، فقد قام شكري أيضا بزيارة للسلطنة في 10 يناير الماضي، كذلك قام ابن علوي بزيارة لمصر في 24 يوليو الماضي، بالإضافة إلى زيارته في أبريل التي التقى فيها الرئيس السيسي. في حين أن أول زيارة لشكري إلى مسقط كانت في 7 ديسمبر 2014.

وفي 27 مارس 2015 كان سمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان، قد قام بزيارة مصر حيث حضر القمة العربية والتقى خلالها بالسيسي، وفي 13 مارس من العام نفسه كان معالي الدكتور رئيس مجلس الدولة يحيى بن محفوظ المنذري، قد زار مصر لحضور مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري.

وفي 10 يونيو 2014 استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقصر الاتحادية بمصر الجديدة صاحب السمو السيد أسعد بن طارق، الذي نقل تحيات وتهاني جلالة السلطان قابوس إلى السيسي بمناسبة انتخابه رئيسا لجمهورية مصر العربية، وتمنيات جلالة السلطان قابوس له بالتوفيق والسداد لقيادة مصر والشعب المصري بالمزيد من التقدم والرقي، وتم خلال المقابلة بحث أوجه التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات ودعمه بما يخدم مصالح الشعبين العماني والمصري، إضافة الى استعراض الأوضاع على الساحتين العربية والدولية.

العلاقات الاقتصادية

في 17 مايو من العام الجاري انعقدت في القاهرة أعمال اللقاءات الثنائية بين الشركات العمانية والمصرية بهدف تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، وضم اللقاء 25 شركة مصدرة من كبرى الشركات التجارية بالسلطنة و95 شركة مصرية مستوردة من كبرى الشركات الحكومية والخاصة. وقد نظم اللقاء من قبل الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات العمانية (إثراء) بالتعاون مع سفارة السلطنة بالقاهرة وشركة أيبيس المصرية المتخصصة في مجال إدارة الأعمال الدولية وخدمات الاستثمار، وقد تنوعت الشركات العمانية المشاركة في هذه اللقاءات بين شركات متخصصة في أسماك السردين التونة والبسكويت وشركات المكرونة وشركات المنظفات والعصائر ومعجون الطماطم والرخام والأخشاب والموبيليا وخراطيم البلاستيك والمراتب والأدوية ومنتجات الألبان وغيرها.

وهذا اللقاء وعشرات اللقاءات السابقة تجسد رغبة البلدين حكومة وشعبا في استثمار العلاقات المتميزة في تنشيط الجانب الاقتصادي، باعتبار أن السوق المصري من الأسواق الواعدة والكبيرة، كذلك باعتبار أن السلطنة تشكل بلدا جاذبا للاستثمارات التجارية والسياحية من حيث الحوافز التي توفرها في هذا الإطار.

وتشير آخر الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن بلوغ مجموع صادرات السلطنة إلى مصر أكثر من 16.834 مليون ريالٍ عُماني في حين بلغت وارداتها من الجمهورية المصرية نحو 48.015 مليون ريالٍ عُماني خلال عام 2016.

ويسعى البلدان إلى تفعيل العلاقات التجارية ودفعها نحو المزيد من الفاعلية وتحقيق الفائدة المشتركة، انطلاقا من اتفاقية التجارة العربية الكبرى والتعاون الثنائي الوطيد في كافة ما يخدم التعاون التجاري والعمالة وغيرها من الأمور، وفي هذا الباب فقد وقعت السلطنة ومصر في 24 فبراير 2017 على 3 اتفاقيات للتعاون الثنائي بين وزارتي القوى العاملة في البلدين.

العلاقات الثقافية

تكاد تكون العلاقات الثقافية بين البلدين هي الأوضح على مدى عصور ضاربة في القدم، باعتبار أن الثقافة هي العنصر والرابط الأكبر بين الشعبين، من حيث المشتركات في القيم والتاريخ والكثير من التصورات للحياة والعالم، وعلى مدى التاريخ كان للثقافة انعكاسها في تقريب المسافات وتحريك دفة التعاون على الأطر الأخرى كالتجارية والاقتصادية.

ويأتي التعليم كأحد الملامح الأكثر بروزا في الموضوع الثقافي، حيث ان أثر مصر واضح في هذا الإطار بالإضافة إلى أثرها المعرفي العام على كافة البلدان العربية، وهناك التعاون الإعلامي وفي مجالات الجامعات والتراث والمهرجانات الفنية المتنوعة، وغيرها من الروابط المشتركة، وفي 15 مايو 2014 وقع البلدان على مذكرة تفاهم للتعاون الإعلامي بين حكومة السلطنة وتمثلها وزارة الإعلام العمانية، والحكومة المصرية، وتمثلها الهيئة العامة للاستعلامات، التي تعد تفعيلا للاتفاق الثقافي المبرم في عام 1974 وبروتوكول التعاون الإعلامي الموقع في سنة 1983، وتتضمن المذكرة توثيق أواصر التعاون الإعلامي وتبادل الخبرات للارتقاء بمهارات الكوادر البشرية والاتفاق على تطوير التعاون عبر عدة قنوات اتصال في مقدمتها: القيام بتبادل منتظم للأنباء والأخبار المصورة عن الأحداث الجارية في البلدين وإعطائها الأفضلية في وسائل النشر والإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وكذلك المواقع الإلكترونية، إضافة إلى تبادل الدراسات والمعلومات.

كما تنص المذكرة على دعم الإنتاج المشترك للإصدارات المطبوعة والإلكترونية التي تلقي الضوء على العلاقات العمانية-المصرية في مختلف جوانبها سواء التاريخية أو المعاصرة، كما اتفق الجانبان على تقديم التسهيلات اللازمة للباحثين والمتخصصين للحصول على الخبرات والمهارات الإعلامية ويجوز للطرفين إضافة مجالات أخرى من خلال القنوات الدبلوماسية، بالإضافة لذلك هناك التعاون الثقافي في القطاع الديني، حيث التعاون بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية في السلطنة.