أفكار وآراء

آفاق واعدة للسلطنة .. في قطاعي الموانئ والطاقة النظيفة

03 فبراير 2018
03 فبراير 2018

محمد حسن داود -

,, جاءت استضافة السلطنة في الأيام القليلة الماضية لمؤتمر الموانئ خطوة موفقة من حيث الزمان والمكان لما تحظى به الدولة العمانية من إمكانات ضخمة في هذا المجال تفتح أمامها آفاقا واسعة وواعدة ، وربما بلا حدود لتنمية صناعة الموانئ وما يرتبط بها من قطاعات أخرى وعلى رأسها النقل والطاقة المتجددة والنظيفة ,,

لقد كشفت الأرقام التي أعلن عنها خلال « مؤتمر عمان للموانئ » أن السلطنة تسير على الطريق الصحيح في تخطيطها الشامل لعملية التنمية في كافة القطاعات ومن بينها بالتأكيد الموانئ ، التي تحولت في العقود الأخيرة إلى صناعة متكاملة، بكل ما للكلمة من معنى مستفيدة في ذلك من إمكاناتها الطبيعية والإستراتيجية الهائلة التي تجعل من هذا القطاع فرصة كبيرة لتعظيم موارد وعائدات الدولة من القطاعات والصناعات غير النفطية، وهو هدف أصيل تسعى السلطنة لتحقيقه على أرض الواقع منذ سنوات ليست بالقليلة، ومؤشرات النجاح التي تحققت بالفعل نحو تحقيق هذا الهدف تساعد على مواصلة برامج التنمية الكفيلة بتحويل الاقتصاد العماني إلى اقتصاد متنوع لا يعتمد على قطاع واحد فحسب، ولكن على جميع القطاعات وعلى رأسها قطاعا الموانئ والطاقة النظيفة والمتجددة.

ورغم أن حقائق الجغرافيا تتسم غالبا بالثبات، إلا أن ذلك لا يحول دون تغير الأوضاع الاستراتيجية نتيجة حقائق وتطورات سياسية أو اقتصادية أو تجارية في ضوء الظروف الدولية المتغيرة، ولعل ذلك ما دفع محللين وخبراء إلى التأكيد على أن السلطنة تستطيع أن تحقق استفادة قصوى بما تمتلك من مقومات تساعدها على تنمية صناعتي الموانئ والطاقة النظيفة والمتجددة، مع الأخذ في الاعتبار أنه في حال استمرار النمو السكاني وتطور الآفاق النظرية للنمو الاقتصادي في الهند وشرق إفريقيا، يمكن للمحيط الهندي أن يصبح مركزا جيو- استراتيجيا أساسيا للمرحلة المقبلة، ما يدفع إلى التأكيد على أن المنطقة الاقتصادية الخاصة بـ «الدقم» على سبيل المثال ، في المرحلتين الحالية والمستقبلية والموانئ العمانية عموما هي العنوان الأبرز لتحقيق معدلات تنمية اقتصادية عالية.

وإذا كان الحديث يدور منذ فترة على الصعيد الدولي عن تحرك مركز الثقل العالمي في اتجاه الشرق الآسيوي ، وتحديدا نحو الصين والهند واليابان وكوريا، باعتبارها كتلة سكانية وبشرية رهيبة ومساحة أرضية هائلة ، من كوكبنا الأرضي، وقدرات إنتاجية متنوعة تستحوذ على حصة ضخمة من حجم الإنتاج العالمي، مع توقعات قوية لتجاوز الصين الولايات المتحدة ، من حيث القدرات الاقتصادية لتنفرد بالمركز الأول عالميا، في غضون سنوات قليلة، فإن عبقرية المكان للسلطنة وموانئها يمنحها أهمية استراتيجية فريدة من نوعها للاستفادة بهذا الموقف الناشئ ، نتيجة تغير الظروف الدولية مما يمنحها الفرصة لإحداث تنمية اقتصادية كبيرة، وأغلب الظن أن السلطنة تضع ذلك في اعتبارها جيدا حتى تتمكن من تقديم الدعم اللوجستي لحركة التجارة العالمية بين الشرق والغرب عبر المحيط الهندي وبحر العرب وصولا إلى قناة السويس فأوروبا وشمال إفريقيا أو شرق إفريقيا، خاصة مع بروز دورها المهم في دعم مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وتكمن أهمية تلك الحقائق كون عمان تطمح إلى أن تصبح موانئها الاقتصادية مركزا محوريا هاما للتجارة والصناعة والاستثمار في المنطقة التي تحظى بموقع استراتيجي مميز يجعل لها أهمية خاصة للقوى العالمية في ظل النظام العالمي الجديد المتجه نحو المحيط الهندي، وتعتبر موانئ السلطنة مفتاح تنمية الدولة بأكملها وربما محيطها أيضا، ويؤكد هذه الحقيقة النتائج المبهرة التي أعلنت خلال مؤتمر الموانئ وكشفت - وعلى حد تأكيد معالي الدكتور أحمد بن محمد الفطيسي وزير النقل والاتصالات - أن الموانئ العمانية أصبحت محط أنظار العالم حيث تشهد تحسنا ونموا ملحوظا وزيادة في عدد الخطوط الملاحية، فقد استطاعت خلال العام الماضي مناولة ما يقرب من 4.8 مليون حاوية نمطية بزيادة قدرها 21% مقارنة بعام 2016، وبلغ حجم مناولة البضائع العامة في الموانئ العمانية خلال عام 2017 نحو 18 مليون طن من البضائع بزيادة قدرها 25% عن عام 2016، وهذه المؤشرات تعكس الجهود المبذولة في سبيل تطوير الموانئ الرئيسية للسلطنة وهي تؤتي ثمارها.

ولاشك في أن المشروعات الطموحة، التي كشف عنها خلال المؤتمر لتطوير صناعة الموانئ واللوجستيات في السلطنة، من شأنها أن تفتح آفاقا واسعة وكبيرة ، امام الاستفادة القصوى من هذه الصناعة، وتعظيم قيمتها المضافة، وعلى رأس تلك المشروعات : تطبيق نظام التخليص المسبق للبضائع بشكل أوسع وشامل لموانئ السلطنة، وإنشاء منصة إلكترونية لمجتمع الموانئ بشكل عام لربط جميع الموانئ البحرية والجوية والبرية ممثلة في القطاعين الحكومي والخاص والموردين والمستوردين وغيرهم لتكون مكملة لنظام «بيان» التابع لشرطة عُمان السلطانية.

والبدء منذ شهر يناير الجاري في تطبيق مشروع المحطة الواحدة للتفتيش باستخدام نظام المخاطر والذي تم إنشاؤه بتوجيه من مجلس الوزراء الموقر لتسهيل التجارة وتطوير مجال التفتيش وإنشاء أنظمة البوابة الالكترونية في ميناء صحار ، مما كان له الأثر الكبير في تسهيل حركة مرور الشاحنات وإنشاء ممر جمركي يربط بين ميناء صلالة والمنطقة الحرة بالمزيونة، لتسهيل تنقل البضائع بين المنطقة والميناء ، واستقطاب خطوط ملاحية جديدة خلال العام الماضي.

ولا يختلف اهتمام السلطنة بقطاع الطاقة الجديدة والمتجددة عن اهتمامها بقطاع الموانئ كونهما عمادا أساسيا للتنمية الاقتصادية، والطاقة المتجددة كلمة جديدة تعبر عن واقع مختلف في عالم الطاقة، وهي أي نوع من أنواع الطاقة الموجودة في الطبيعة والتي بإمكان الإنسان تحويلها إلى شكل من أشكال الطاقة التي يريد استخدامها، بشرط أن تكون متجددة ، أي لا تنضب ولا تنفد بل تكون مستدامة، وتكون الطاقة المتحولة عادة طاقة كهربائية لسهولة استخدامها في شتى الأغراض ، وأهمية الاستفادة والاستثمار في الطاقة المتجددة - بدل الطاقة التقليدية - لها أغراض وفوائد عديدة من أهمها توفير عشرات الآلاف من فرص العمل الجديدة، وكونها نظيفة ، فإنها تسهم في تخفيض نسب التلوث بأنواعها، وهي الحل الأمثل لمشكلة الطاقة عموما، كونها مستدامة. والمؤكد ان الطاقة المتجددة متوفرة في كل مناطق العالم، وأشهر أنواعها تأتي من الشمس والمياه والرياح، وهي متوفرة بكميات هائلة ولكن لا يستخدم منها - حتى الآن - إلا نسبة قليلة فقط ، وذلك لعدم توفر التكنولوجيا ورؤوس الأموال الكافية.

وتتولى الهيئة العامة للكهرباء والمياه في السلطنة مهمة دراسة الاستخدام المحتمل لمصادر الطاقة الطبيعية المتجددة في إنتاج الكهرباء وبالتالي الحد من استخدام مصادر النفط التي تنفد بسرعة كبيرة، فقامت «هيئة تنظيم الكهرباء» في عام 2008 بالإشراف على دراسة شاملة لمستوى الطاقة المتجددة في السلطنة وذلك بالتعاون مع استشاري عالمي متخصص، وأشارت الدراسة إلى أن مستوى كثافة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في السلطنة تعتبر من بين أعلى المعدلات في العالم، ويتوقع بأن الطاقة المتجددة في السلطنة لديها القدرة على توفير جميع الاحتياجات المحلية من الكهرباء بالإضافة إلى تصدير الفائض منها، وقد أوصت هذه الدراسة بضرورة التنفيذ المبكر لمشاريع تجريبية للطاقة المتجددة بأحجام صغيرة مبدئيا في المناطق الريفية للتأكد من أداء وفعالية تقنيات الطاقة المتجددة في الأجواء المناخية المحلية، وقامت «الهيئة العامة للكهرباء والمياه» بالإشراف على مشاريع ودراسات تهدف إلى وضع قاعدة متينة ومدروسة وأن تكون مرجعا مهما وحيويا لوضع الإطار العام لسياسة مستدامة وشاملة للنهوض بمشاريع الطاقة المتجددة في السلطنة، بما يتماشى مع الخطط التنموية ويحقق استفادة مستدامة وبعيدة المدى من مصادر الطاقة المتجددة المتوفرة في السلطنة ، والتي تشهد حاليا بالفعل بعضا من أضخم المشروعات العالمية لتحويل حلم الطاقة المتجددة إلى حقيقة ميدانية على أرض الواقع.