أفكار وآراء

مستقبل الاستثمار العقاري في السلطنة

03 فبراير 2018
03 فبراير 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

تحت عدة عناوين صحفية نقلت وكالات الأنباء العالمية والصحف العربية والأجنبية مؤخرا خبرا يتعلق بقرار الجهات المعنية بفتح باب الاستثمار العقاري للوافدين المقيمين على أرض السلطنة، في الوقت الذي حملت وسائل التواصل الاجتماعي محليا آراء مختلفة للشباب العماني بين ما هو مؤيد ورافض لهذا القرار من وجهة نظرهم. فقبل شهرين أعلنت الحكومة ممثلة في الهيئة العامة لسوق المال العمانية عن فتحها باب الاستثمار العقاري للوافدين المقيمين على أرض السلطنة، حيث أصدرت الهيئة قرارا إداريا رقم (2/‏‏2018) باعتماد اللائحة التنفيذية لصناديق الاستثمار العقاري، والتي ستسمح للسكان سواء المواطنين أو الوافدين المقيمين في السلطنة بشراء جزء من مشاريع التطوير العقاري في سوق مسقط للأوراق المالية، على غرار شراء الأسهم في سوق الأسهم. ووفق بيان الهيئة، فإن صناديق الاستثمار العقاري ستكون مرخصة في السلطنة وستكون أدواتها متداولة كغيرها من الأدوات الاستثمارية في السوق، وأنها ستدار من قبل جهات متخصصة. ووفقا لذلك فإن هذه الصناديق ستخضع للرقابة والإشراف من جانب الهيئة وستكون خاضعة لأنظمة السوق ومتطلبات الإفصاح عن بياناتها المالية الدورية ومعلوماتها الجوهرية بما يوفر العدالة والحماية للمستثمرين ووفق طبيعة او نوع الصندوق. كما أن الضوابط الاستثمارية في هذا الشأن توجه إدارة الصناديق للاستثمار في العقارات القائمة والمدرة للدخل وعدم شراء أرض فضاء، وتكون الاستثمارات في العقارات الاستثمارية ذات الطبيعة التجارية والتي قد تكون سكنية تجارية أو صناعية أو سياحية.

وفي السياق ذاته فقد سبق لوزارة الإسكان في إصدارها قرارا وزاريا رقم (95/‏‏2017) في شهر نوفمبر من العام الماضي يتعلق بضوابط تملك صناديق الاستثمار العقاري للعقارات بالسلطنة، حيث أجاز القرار تملك العقارات عن طريق الشراء ما عدا في مناطق الحظر المعتمدة من وزارة الإسكان، موضحا القرار ضوابط تملك صناديق الاستثمار العقاري وهي أن يكون العقار قائما، و أن يقتصر التملك للعقارات على الأراضي التجارية والسكنية التجارية والصناعية والسياحية، كما أجاز القرار تملك المجمعات السكنية القائمة والتي لا تقل مساحتها عن 10 آلاف متر ولا يجوز تملك العقارات الزراعية والأراضي الفضاء.

ومما لا شك فيه، فإن صدور اللائحة التنظيمية لصناديق الاستثمار العقارية تمثل خطوة إيجابية ستساهم في تفعيل أداة تمويلية مهمة تفتح المجال لشريحة كبيرة من أفراد المجتمع للمساهمة والاستفادة من النشاط العقاري في السلطنة، وستكون هذه الصناديق متاحة للجمهور على أساس أنه سيتم طرح جزء من رأس مال الصندوق للاكتتاب العام أو الخاص حسب ما تتضمنه اللائحة، الأمر الذي ستساهم ببنودها التفصيلية إلى استقطاب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية وتوظيفها بما يعود بالنفع والفائدة في تنشيط القطاع العقاري.

ولقد تم وضع الاشتراطات لتفعيل أعمال هذه الصناديق منها أن الحد الأدنى لرأس مال أي صندوق الاستثمار العقاري هو ألا يقل عن 10 ملايين ريال عُماني وذلك لطبيعة الاستثمار في النشاط العقاري، والذي يحتاج في العادة إلى مبالغ مالية كبيرة، كما أن الصندوق الذي يطرح للاكتتاب العام وشركة الغرض الخاص المملوكة له يجب أن توزع ما لا يقل عن 90% من صافي الربح السنوي على حملة وحداته الاستثمارية، وستكون الصناديق معفاة من دفع الضرائب استنادا إلى قانون ضريبة الدخل. وقد أتاحت الضوابط استثمار الجزء الأكبر من أموال الصندوق داخل السلطنة بنسبة 75% من إجمالي قيمة أصوله، ويحق لمؤسسي الصندوق استثمار ما لا يزيد عن 25% من إجمالي قيمة أصوله خارج السلطنة. والكل يأمل بأن تساهم هذه الصناديق في استقطاب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية وتوظيفها بما يعود بالنفع والفائدة في تنشيط القطاع العقاري في إطار الخطوات التي تتخذها السلطنة لتنويع مصادر الدخل القومي.

وتعود فكرة إنشاء صناديق الاستثمار إلى عقود مضت، وقد مرت بالعديد من التطورات والتغيرات التي طرأت على عالم الاقتصاد، كانت بداية تنفيذ فكرة هذه الصناديق على مستوى العالم في أوروبا وتحديداً في هولندا التي ظهر فيها أول صندوق استثماري عام 1822، تلتها إنجلترا في عام 1870. غير أن البداية الحقيقية للصناديق الاستثمارية بالمفاهيم القائمة حالياً تحققت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1924 حينما أنشئ أول صندوق استثماري في بوسطن على أيدي أساتذة في جامعة هارفارد الأمريكية. واستمرت الصناديق الاستثمارية بعدها في التوسع والتنوع داخل الولايات المتحدة وخارجها ولا سيما بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الصعيد العربي، كانت السعودية السباقة في خوض هذه التجربة، عام 1993، فيما بقيت تجربة بقية الدول العربية متفاونة في إصدار قرارات إنشاء الصناديق الاستثمارية في المنطقة وخارجها.

واليوم هناك عدة أنواع من الصناديق الاستثمارية العقارية، فصندوق الاستثمار العقاري هو صندوق يقوم بشراء العقارات والرهونات العقارية، حيث تقدم مثل هذه الصناديق للأفراد المستثمرين الفرصة للاستثمار في العقارات بدون الاضطرار إلى امتلاك الممتلكات الفردية. وقد سبقت عدة دول في العالم والمنطقة السلطنة في تأسيس الصناديق الاستثمارية العقارية بالرغم من النشاط الكبير للعقار في البلاد سنويا. وكما هو معروف عنه، فإن صندوق الاستثمار العقاري هو صندوق يقوم بشراء العقارات والرهونات العقارية، حيث تقدم هذه الصناديق للافراد المستثمرين الفرصة للاستثمار في العقارات بدون الاضطرار إلى امتلاك الممتلكات الفردية. وهناك عدة أنواع لصناديق الاستثمار العقاري منها صناديق الاستثمار العقاري لحقوق الملكية، وهو الصندوق الذي يقوم بشراء العقارات مثل الفنادق والمباني المكتبية والشقق ومراكز التسوق مع إدارتها وبيعها، وهي من أكثر أنواع صناديق الاستثمار العقاري كانت شعبية حتى وقت قريب، حيث تفوقت بأدائها التراكمي والمتمثل ببلوغ نسبة إجمالي العوائد منها 55% في بعض دول المنطقة منذ نهاية عام 1999 وحتى 2002 على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ، ليتراجع المؤشر لاحقا بسبب تراجع أسعار العقار في العالم، والتي انخفضت بنسبة 35% خلال تلك الفترة. أما النوع الثاني فهو صناديق الاستثمار العقاري للرهونات، وهو الصندوق الذي يقوم بتوفير قروض الانشاء والرهونات، حيث يحتفظ بالرهونات التي تتحرك أسعارها بالاتجاه المضاد لمعدلات الفائدة، ومن هنا فإنها أكثر حساسية من صناديق الاستثمار العقاري لحقوق الملكية، كما يتم دفع الفوائد إلى حاملي الأسهم عند دفع الرهونات. والنوع الثالث يتمثل في صناديق الاستثمار العقاري المختلطة، وهو خليط من صناديق الاستثمار العقاري لحقوق الملكية الرهانات، حيث يقوم بشراء العقارات وتطويرها وإدارتها وتوفير التمويل من خلال قروض الرهونات، وتميل معظم صناديق الاستثمار العقاري إما لحقوق ملكية أو رهونات.

وهناك صناديق عديدة أخرى في هذا الشأن، ولكن لكل نوع من تلك الصناديق الاستثمارية العقارية مخاطرها عن النوع الآخر، الأمر الذي ينبغي ضرورة التقييم الجيد لكل نوع منها وبعناية شديدة قبل بدء الاستثمار فيه، باعتبار أن صناديق الاستثمار العقاري تنطوي لحقوق الملكية بصفة عامة على قدر من المضاربة أقل من صناديق الاستثمار العقاري للرهونات. وهنا فإن مستوى الخطورة يعتمد على تكوين الأصول بالصندوق حيث تقوم صناديق الاستثمار العقاري للرهونات بإقراض المطورين وهنا تكمن الخطورة، وفي هذه الحالة تكون أسهم صناديق الاستثمار العقاري للرهونات متقلبة أكثر من أسهم صناديق الاستثمار العقاري لحقوق الملكية وبالأخص في فترة الكساد.إن صدور قرار الهيئة العامة لسوق المال باعتماد اللائحة التنفيذية لصناديق الاستثمار العقاري في السلطنة جاء كإحدى المبادرات التي خرج بها قطاع بيئة الأعمال والمالية ضمن مخرجات البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي “ تنفيذ” والتي تدعم متابعته وتنفيذ مشاريعه ومبادراته وحدة دعم التنفيذ والمتابعة. وتمثل هذه الخطوة الإيجابية قناة لدعم التوجهات الاستثمارية في البلاد، وتمكين المواطنين والمقيمين في استثمار أموالهم في مشاريع عقارية معينة، بحيث يمكن للوافدين امتلاك ما نسبته 40% من الوحدات في أي من الوحدات العقارية الكبيرة المسموح لها بالإنشاء، الأمر الذي سوف يساعد على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وكذلك استثمار أموال الوافدين في البلاد، وبالتالي خفض قيمة التحويلات المالية السنوية إلى الخارج.

[email protected]