صحافة

الأيام:عن الاشتباك الفلسطيني - الأمريكي

02 فبراير 2018
02 فبراير 2018

في زاوية آراء كتب عريب الرنتاوي مقالا بعنوان: عن الاشتباك الفلسطيني - الأمريكي، جاء فيه: في إدارتها لملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، تسجل إدارة الرئيس دونالد ترامب «نقلة نوعية» جديدة تميزها عمّا سبقها من إدارات ديمقراطية وجمهورية متعاقبة... واشنطن تنتقل من دور «الوسيط غير النزيه» إلى سياسة «فرض الإملاءات»... والرئيس ترامب أخذ على عاتقه شخصياً، مهمة الضغط على الفلسطينيين، سلطة ورئاسة وشعباً، للرضوخ لهذه الإملاءات... في «دافوس» بلغ السيل الزبى، وخرج ترامب مهدداً متوعداً الفلسطينيين والرئيس عباس بالويل والثبور وعظائم الأمور: لا مكان للقدس على جدول أعمال مفاوضات الحل النهائي.

إذا أضفنا إلى ذلك «تسريبات صائب عريقات» التي تشير كافة الدلائل إلى أنها «صائبة»، فإن الخطوة التالية التي بدأت إرهاصاتها بقرار تقليص الدعم للأونروا، ستتمثل في سحب ملف اللاجئين من مفاوضات الحل النهائي، لا عودة ولا تعويض كما قلنا في مقال سابق، لتبقى قضية تبادل الأراضي محكومة بالشهية التوسعية لبنيامين نتانياهو واليمين الإسرائيلي، لتقرر «نسبها المئوية» في ختام مفاوضات غير شاقة بين تل أبيب وواشنطن، وليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

الاشتباك الآن، ينتقل من كونه فلسطينياً - إسرائيلياً، إلى كونه فلسطينياً - أمريكياً... الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يتعرض لضغوط قد لا يكون واجه مثلها من قبل في حياته السياسية... وسط موقف عربي وإقليمي، يراوح ما بين «الفرجة» و«التخلي» و«التواطؤ»... بعض العرب ينخرط بنشاط في الترويج لمشروع ترامب، وهو لا يدخر جهداً في ممارسة شتى صنوف الترغيب والترهيب على القيادة الفلسطينية... الرئيس عباس يسعى جاهداً في الإفلات من قبضة هؤلاء، وإن كنا لا نعرف إلى متى سيستطيع الوقوف في وجه «تسونامي» .

البعض الآخر، قرر على ما يبدو، رسم حدود للاشتباك مع هذه الإدارة، لم يغير موقفه من قضية القدس، بل يعيد التأكيد على ثوابتها، ولكنه لن يجعل منها سبباً لتعكير صفو علاقاته ومصالحه مع الولايات المتحدة، ورأينا مؤخراً محاولات لتنشيط خطوط العلاقة والتحالف مع واشنطن في ملفات إقليمية أخرى، مثل سوريا وإيران، مقابل تفهم واشنطن لمعادلة «اتفقنا على ألا نتفق» في موضوع القدس... لكن هذه الدول، ومن بينها الأردن، ستكون قريباً على خط تماس جديد مع إدارة ترامب، حين يتعلق الأمر بقضية اللاجئين، والأردن أكبر دولة مستضيفة للاجئين، الذين يشكلون في أقل حساب، نصف سكانه.

البعض الثالث، ارتأى أن يقف على مقاعد المتفرجين، يكتفي بالبيانات الرسمية التي تصدرها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، يصوت إلى جانب فلسطين في المنتديات الدولية، ويعبر عن تعاطفه بين فينة وأخرى، يسمح بتظاهرة هنا واجتماع تضامني هناك، وهذا أقصى ما يمكن أن يكون إسهامه في نصرة الفلسطينيين ودعم نضالهم من أجل القدس وبقية حقوقهم الوطنية المشروعة والمعرفة دولياً.

لم تعد فكرة «المفاوضات» فكرة جذابة لواشنطن على ما يبدو، فالرئيس ترامب، يريد حفلاً للمصادقة على أفكاره ورؤيته للحل النهائي، وكلما تعذر عليه التوفيق بين مطالب ومصالح الفريقين ، يقرر بخفة، تبني المطالب الإسرائيلية، وإخراج القضية موضع البحث، من أجندة المفاوضات، باعتبارها قضية منتهية من جانب واحد.

قد يتفهم الفلسطينيون عجز بعض العرب وتقصيرهم وضعفهم في مواجهة إدارة جامحة، ورئيس يعتقد كثيرون من العقلاء في العالم، أنه بات خطراً على السلم العالمي، دع عنك الولايات المتحدة ذاتها، ولكن الفلسطينيين، لن يتفهموا أبداً ولن يغفروا يوماً، محاولات الأشقاء الانضمام إلى واشنطن في مسعاها لفرض إملاءاتها على الفلسطينيين... لن يفهموا ولن يغفروا الضغوط المسماة زوراً وتضليلاً «نصائح» من الأشقاء العرب، للانحناء لـ«تسونامي» ترامب، لأن ذلك يعني ببساطة، دعوتهم للتوقيع على صك «تصفية» قضيتهم الوطنية، وهذا ليس خياراً أبداً، ولن يقبل به فلسطيني واحد.

لا أحد من الفلسطينيين ينتظر الجيوش العربية على أبواب القدس أو أريحا أو غزة... هذه حقبة تبدو غابرة في التاريخ العربي، وحتى عندما احتشدت الجيوش في حربي 48 و67، لم تكن النتيجة سوى ضياع فلسطين التاريخية، وفوقها مساحات واسعة من الأراضي العربية... لكن الفلسطينيين ينتظرون أن يقف الأشقاء على مقاعد النظارة والمتفرجين، وألا ينزلوا للحلبة، لأنهم إن فعلوا، فسيلعبون مع الفريق الآخر.

والفلسطينيون لا يريدون من إيران وحلفائها سوى التزام الهدوء والصمت حيال قضيتهم، فلا حشد شعبياً يمكن أن ينشأ على الأرض الفلسطينية، ولا رام الله قادرة على «تخزين» مائة ألف صاروخ متعدد المديات... الفلسطينيون تحت الحصار، ولا يريدون لحصارهم أن يستتبع بالحصار المضروب من حول دول «المقاومة والممانعة» وأطرافها... دعوا الفلسطينيين يتدبرون شؤونهم، ومن يريد تقديم الدعم لهم، عليه أن يستشيرهم بداية حول أي نوع من الدعم يريدون، وما الذي يحتاجونه فهم أهل مكة، الأدرى بشعابها.

لقد أظهرت السلطة الفلسطينية الهشة، التي لا سلطة لها، أنها قادرة على قول «لا» مدوية لسيد البيت الأبيض، وهي «لا» في محلها تماماً، طالما أن البيت الأبيض قرر الانخراط إلى جانب حكومة اليمين في السطو على حقوق الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم، وليس لدي ما يدفعني للاعتقاد بأنها ستتراجع عن هذه الـ«لا» إن لم ينضم العرب إلى قائمة الضاغطين والمحاصرين للسلطة وشعبها... دعوا الموقف الفلسطيني يتفاعل ويتطور بمعزل عن ضغوطكم، فلا أحد يراهن على «العمل العربي المشترك»، ولا أحد سيحملكم وزر القرارات والخيارات الفلسطينية.