أفكار وآراء

هم يقولون: عملية السلام ماتت

30 يناير 2018
30 يناير 2018

عاطف الغمري -

الآن ، وبعد قرار الرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تبرز في هذا المشهد، شهادات لمراقبين أمريكيين، منهم من يقول إن عملية السلام قد ماتت، أو من يتساءل: وهل كانت توجد عملية سلام لكي يدمرها ترامب؟

الكاتب الأمريكي روجر كوهن طرح نفس السؤال حسب تحليله فإن عملية السلام Peace Process كانت مجرد ستار خادع يخفي وراءه خطط إسرائيل على الأرض، للتوسع المستمر في أعداد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية، والذي وصل إلى أكثر من 600 ألف مستوطن.

ومن قبل أن يعلن ترامب قراره بوقت قصير نشر تقرير أمريكي يقول إن عملية السلام ماتت في هدوء، بتخلي الولايات المتحدة عن محاولة إقناع نتانياهو، بالتوقف عن بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، وأن ما يدعو للحيرة، أن قليلين هم المهتمون بدفن الجثة. وأن أمريكا ليست راغبة في دفنها، لأن معنى ذلك إزاحة الستار عن سنوات من الجهود الفاشلة فيما أسموه بعملية سلام .

لقد ماتت عملية السلام، على أساس أنها عملية متبادلة للوصول إلى سلام عربي - إسرائيلي، لكن ما كان يحدث في مسار المفاوضات، هو مضيعة للوقت، لفرض أمر واقع، لسلام إسرائيلي الهوية، لا دخل للعرب في تحديد بنوده وشروطه.

والسؤال الآن - هل ما زالت عملية السلام على قيد الحياة؟.

إن العرب منذ دخلوا عملية السلام بانعقاد مؤتمر مدريد عام 1991، تصوروا أن عجلة السلام تحركت، وستواصل حركتها تلقائيا، وكل ما عليهم هو أن ينتظروا بلوغها محطتها النهائية.

أما إسرائيل فقد اعتبرتها نزالا حادا بين طرفين، حتى ولو كان نزالا من أجل السلام. وهذا يعني أن تضع لنفسها استراتيجية تدير بها هذه العملية. وأن تواصل خلق عقبات وعراقيل، تجر الطرف العربي في متاهات، وراء سراب يستهلك وقته وطاقته.

أى أنها جهزت نفسها، لما اعتبرته صراعا متصلا، أو حسب الوصف الذي استخدمه شيمون بيريز، في محاضرة بجامعة جورج واشنطن عام 1998، في تعريفه لعملية السلام بقوله: «نحن في حرب من أجل السلام». بينما كان العرب قد اعتبروها عملية منتهية، فدخلوها خلوا من أي أدوات أو فكر، ليديروا بها هذه العملية. وكان من الطبيعي أن يحدث اختلال كامل في إدارة عملية التفاوض برمتها، وأن ينقلب الميزان، وأن تغري النتيجة إسرائيل، لأن تتمادى في الجور على ما لدى الطرف الآخر، وأن تجرد العملية مما يبقى عليها كعملية سلام عربي - إسرائيلي.

فهل مازالت عملية السلام قائمة، بالصورة التي تصورها العرب؟. وهل مازال السلام الإسرائيلي - الفلسطيني خيارا إسرائيليا؟ أم أن قطار عملية السلام قد خرج عن القضبان؟.

في أمريكا.. يقول دانييل بايبس - أحد أبرز مفكري حركة المحافظين الجدد المعادي للحقوق العربية - في مناقشة جرت بمنتدى الشرق الأوسط في واشنطن، إن السلام ممكن فقط، في حالة إنزال إسرائيل الهزيمة، بالأماني الوطنية للفلسطينيين!!.

كل هذه الأفكار معروفة لدى الولايات المتحدة، ومعلنة فوق أراضيها، بينما ظلت تصف نفسها بالوسيط النزيه، دون أن تتخذ موقفا متوازنا بين العرب وإسرائيل. بل إن أجندة معظم رؤساء أمريكا، طوال مراحل إدارة المفاوضات، كانت توضع بالتنسيق مع إسرائيل.

ثم جاء ترامب ليتجاوز خطوط كل من سبقوه من الرؤساء، وأزاح الستار عن الادعاء بتوازن الموقف الأمريكي، وانحاز كلية لطرف من طرفي عملية السلام.

إن تجربة العرب مع عملية السلام خلال اكثر من 26 عاما، على الأقل منذ مؤتمر مدريد، والدوران في عجلة تحركها الولايات المتحدة، لتظل تدور لسنوات دون الوصول إلى حل فعلي، قد أخرج الوسيط من احتكار إدارة عملية السلام، وأصبح مفروضا على العرب أن يبحثوا لأنفسهم عن مسار يخصهم، ويحميهم، ويصون حقوقهم، لأن عجلة مفاوضات السلام، لم تكن قد انقلبت فقط، لكنها أخيرا دمرت بيد أمريكا.