1236212
1236212
المنوعات

مخطوطة.. معدن الأسرار في علم البحار

29 يناير 2018
29 يناير 2018

«العمانية»: تعد مخطوطة ( معدن الأسرار في علم البحار) لناصر بن علي بن ناصر بن مسعود الخضوري (1870 – 1962) من أهم المخطوطات العالمية في علم البحار ومن أهم المرشدات البحرية والتي تم اعتمادها في نوفمبر من العام الماضي في برنامج «سجل ذاكرة العالم» لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة

(اليونسكو). وقد كتب المخطوطة ــ التي تعد أول تراث وثائقي تنجح السلطنة ممثلة في وزارة التراث والثقافة في تسجيله في سجل ذاكرة العالم ــ النوخذة الخضوري وهو من مواليد مدينة صور بمحافظة جنوب الشرقية، وكان قبطانا ممارسا للإبحار ومشهورا على مستوى عمان واليمن والهند والسند والملبار وشرقي إفريقيا وجزر القمر وجزر سيشل ودول الخليج العربي وبلاد فارس والعراق وغيرها.

وقد كتب الخضوري المخطوطة عن ممارسة وخبرة بحرية ودراسة علمية في علوم الجغرافيا والرياضيات، والفلك، والملاحة البحرية، والأرصاد الجوية والبحرية وحركة الرياح، والعلم بآلات الرصد والقياس كالبوصلة والمربع والأسطرلاب وآلة السدس وآلة قياس مشي السفينة (الباطلي) ويعتبر من ربابنة البحر وأساتذته المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والدراية بعلوم البحار.

وقال الدكتور عبدالله بن سيف الغافري رئيس الفريق الوطني المكلف بمتابعة برنامج سجل ذاكرة العالم ومدير وحدة بحوث الأفلاج بجامعة نزوى إن «الملف المعني بتسجيل المخطوطة تم تقديمه للتسجيل العام 2016 ومن حق الدول أن تقدم كل سنتين ملفين كحد أقصى، مشيرا الى أن المميز في المخطوطة التي تم اعتمادها في سجل الذاكرة العالمية عام 2017 البعد العالمي لمضمونها والأصالة حيث إن المخطوطة أصيله وكتبت بخط يد المؤلف وهو الذي وثق المعلومات فيها بطريقة علمية وبدقة شديدة جدا ووصف الموانئ وطرق الإبحار وتتبع مسارات عديدة ومشاهداته. واليونسكو أخذت بهذه العوامل وستكون المخطوطة من خلال وجودها في سجل ذاكرة العالم متاحة للأجيال القادمة والباحثين». وأضاف لوكالة الأنباء العمانية إن «شروط الإدراج في سجل ذاكرة العالم صعبة ودقيقة ومن الدول التي تمكنت من ذلك مصر (4) وثائق، لبنان وثيقتان، الأردن والسعودية وتونس والمغرب والسلطنة كل منها بوثيقة واحدة»، مشيرا إلى أن التراث الوثائقي في سجل ذاكرة العالم يشمل النقوش الأثرية، والمخطوطات، والمكتبات، والمتاحف، والأرشيفات الوطنية، والأقراص السمعية والبصرية، والأفلام السينمائية والصور الفوتوغرافية، والعملات الورقية التي تضم كتابات معينة مهمة وقديمة.

وأعرب الغافري عن أمله في أن يتم خلال العام الجاري 2018 تقديم وثيقتين لاعتمادهما في السجل العالمي.

وتضم المخطوطة التي أصدرت طبعتها الأولى وزارة التراث القومي والثقافة في كتاب عام 1994، وصدرت الطبعة الثانية عام 2015 تفصيلات وشروحاً تتناول قواعد العلوم البحرية في فترة تأليفها وقيادة السفن باستخدام الآلات البحرية وحساباتها الدقيقة، ووصفَ البوصلةِ وأجزائِها وكيفية استخراج مساج السفينة وخطوط الطول والعرض وجداول الميل، ومطالع النجوم ورسم السفن وكيفية أخذ القياسات والموانئ حسبما رأى المؤلف بعينه.

ويقول حسن صالح شهاب الذي قام بشرح وتحقيق المخطوطة إن ( معدن الأسرار في علم البحار ) «واحدة من المخطوطات البحرية المحفوظة بدار المخطوطات البحرية التابعة لوزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان وهي من الرحمانيات او المرشدات البحرية الحديثة التي عرفت لدى البحارة العرب في القرن التاسع عشر الميلادي والنصف الأول من القرن العشرين، وتوجد منها في دار المخطوطات ثلاث نسخ كتبها جميعا بخط نسخي واضح ناصر بن علي بن ناصر بن مسعود الخضوري من أهالي مدينة صور العمانية فرغ من نسخ الأولى في سنة 1360هـ والثانية في سنة 1364هـ أما الثالثة فقد شرع في نسخها سنة 1369هـ وهي غير مكتملة لكنها افضل من النسختين السابقتين في الخط والترتيب». وأضاف إن المخطوطة « لا تختلف في محتوياتها عن مخطوطات الإرشادات الملاحية عند البحارة المتأخرين فكل واحدة منها لا تخلو من جداول (الميل الأعظم) أي بعد الشمس عن خط الاستواء أثناء سيرها في فلك البروج، وجداول عروض وأطوال المراسي والمعالم البحرية، وجداول العرض والطول في المساج، أي فيما تقطعه السفينة من مسافة، ووصف المجاري، او الطرق البحرية، ووصْفِ استعمال آلة السدس (الكمال).

ووصْفِ استعمال آلة قياس مشي السفينة (الباطلي)، ووصف بيت الإبرة (الديرة) أي (

البوصلة) وأجزائها.

وقواعد حساب استخراج مساج السفينة والعرض والطول فيه، وناكت المجرى أي الجزء او النجم الذي جرت فيه السفينة من دائرة بيت الإبرة (الديرة)، ورسوم للمركب في أوضاع مختلفة بالنسبة لموقع كل من الشمس وخط الاستواء ورسوم لأهم المعالم البحرية وتعرف عند البحارة بالمناتخ». وأشار حسن صالح شهاب الى انه اختار في وضع الكتاب الذي حققه من النسخ الثلاث لـ (

معدن الأسرار في علم البحار) للخضوري «ما كان خطه واضحا وترتيبه جيدا، فمن النسخة الثالثة التي نسخها سنة 1369هـ اخترنا الجزء الأول وهو جدول الميل الأعظم والجزء الثاني وهو جداول (المساج)، أما الجزء الثالث وهو جداول (قياسات الأماكن البحرية) فغير مكتمل في هذه النسخة فأخذنا بدلا عنها جداول النسخة الأولى فهي مكتملة فيها، كما اخترنا من النسخة الأولى أيضا الجزء الرابع وهو في وصف (الطرق البحرية)

وكذلك الجزء الخامس وهو في وصف (الكمال) وطريقة استخراج عرض الكواكب، والجزء السادس وهو في وصف دائرة بيت الإبرة (الديرة) وأجزائها وفي قواعد الحساب البحري.

ويؤكد الدكتور حميد بن سيف النوفلي مدير مساعد بقطاع دائرة الثقافة باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم عضو الفريق الوطني لمتابعة أعمال ذاكرة عمان: إن «

مخطوطة ( معدن الأسرار في علم البحار) من المخطوطات النادرة في موضوعها واتصفت بالدقة وأوضحت مجاري السفن والطرق التي سلكها ربابنة السفن والبحارة العمانيون في البحار والمحيطات»، مشيرا الى أن «كتابة الخضوري للمخطوطة في ثلاث نسخ يؤكد أن المخطوطة لها مكانة خاصة عند المؤلف فمن حيث المضمون تحتوي على قياسات للمسالك البحرية ووصف دقيق للمجاري والجزر والخلجان ورصدت الموانئ التي كانت موجودة في زمن المؤلف ومنها من لم تعد موجودة الآن، وتحدث المؤلف كثيرا عن جهاز الباطلي لقياس سرعة السفينة لأهداف من بينها أن نوخذة السفينة ربما يرغب في معرفة السرعة لتقدير زمن وصوله لغايات منها انه يسعى للحاق بموسم معين في بلد الوصول او سوق قائمة في موسم معين ويحقق أهدافه التي رسمها خاصة في مجال التجارة». وأضاف إن «المخطوطة تأتي تكملة لمؤلفات احمد بن ماجد في علوم البحار من حيث المعرفة وكمية المعلومات التي أدت إلى تطور المعارف البحرية وعلم الملاحة». وأوضخ انه تتم مناقشة الملفات التي تتقدم بها الدول مع اللجنة الاستشارية الدولية التي يستعان بها لتحكيم هذه الملفات وتضم مختصين في مختلف العلوم وترفع توصياتها ورأيها العلمي والفني لبرنامج سجل ذاكرة العالم لاتخاذ القرار، حيث تصبح المخطوطة بعد اعتمادها تراثا مشتركا للإنسانية تشترك فيه اليونسكو والدولة صاحبة التراث حيث تعمل المنظمة كجهة داعمة لعمليات الصون وتقدم الحلول للفريق الذي يحمل هم المحافظة على ذلك التراث.

وحول وضع برنامج لصون التراث الوثائقي أشار النوفلي الى ان الفريق يعقد في نهاية كل عام ملتقى او يوما للمناقشة يخرج في ختامه بتوصيات مهمة يرفعها لعدة جهات من بينها وزارة التربية والتعليم لإدراجها في المناهج الدراسية او الإشارة إليها كتراث وثائقي للسلطنة.

وأعلن عن انعقاد ندوة وطنية حول المخطوطة خلال الفترة القادمة ستتاح الفرصة فيها لأسرة المؤلف الخضوري للحديث حول سيرته الذاتية، ووزارة التراث والثقافة للحديث حول الجوانب الفنية للمخطوط، واللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم لاستعراض الآليات التي تمت في رفع الملف الى اليونسكو.

واكد في ختام حديثه لوكالة الأنباء العمانية إن «التراث الوثائقي العماني غني جدا حيث تسعى السلطنة الى وضع بصمة في العالم لتراثها الوثائقي كما وضعته لتراثها المادي او غير المادي وإبرازه.

وهذا التسجيل هو إنجاز حيث يتاح للتراث المسجل في ذاكرة العالم للباحثين في كافة أنحاء العالم ويوضع كذلك اسم المؤلف بما امتلكه من أدوات بسيطة ولكنه أفاد العالم في ذلك الوقت والوقت الحالي أيضا». وكانت وزارة التراث والثقافة قد شكلت فريقا وطنيا لمتابعة أعمال سجل ذاكرة العالم برئاسة الدكتور عبدالله الغافري من جامعة نزوى وعضوية كل من الدكتور حميد النوفلي وعفاف الهلالي من اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، والدكتور إبراهيم البلوشي، وأحمد الشحي من وزارة التراث والثقافة، والأستاذ منذر المنذري من دار الأوبرا السلطانية والأستاذ عبدالعزيز المحذوري من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وذلك بهدف العمل على ترشيح الأعمال المناسبة حسب المعايير الفنية والتاريخية المعمول بها بمنظمة اليونسكو.

الجدير بالذكر أن سجل ذاكرة العالم هو برنامج أنشأته منظمة اليونسكو في عام 1992م بهدف صون وحماية التراث الوثائقي من التدهور والضياع نتيجة لبعض الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار الأمني والنهب والتجارة غير المشروعة وغيرها، أو نتيجة لبعض العوامل الطبيعية كالحرارة والرطوبة التي يتعرض لها هذا التراث مع مرور الزمن.