أعمدة

نوافـذ :بطاقة المناسبات.. دعوة لصناعة خبر

26 يناير 2018
26 يناير 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يحرص الأكاديميون في مجال الصحافة على تكريس الفهم بتعريف الخبر على أنه قائم على ستة أسئلة جوهرية (من؟ متى؟ ماذا؟ كيف؟ أين؟ لماذا؟) وان أي خبر لا يجيب عن هذه الأسئلة الستة أو على الأقل الثلاثة منها؛ وهو الحد الأدنى؛ لا يعد خبرا مكتمل الأركان، وإن تم التغاضي في بعض الأحيان عن أن لا ضرورة أن تكون الإجابات حاضرة عن هذه الأسئلة الستة موجود في الخبر الواحد، والمحرر الصحفي مطالب لأن يطرح أسئلة أخرى كي تكون قصته الخبرية أكثر شمولية وتقصيا، وتشويقا للقارئ.

أقارب هذا الفهم هنا وأنا أتصفح بطاقات الدعوة التي تصلني بين فترة وأخرى لمناسبات مختلفة، من الأخوة الأعزاء والأصدقاء الكرماء، لمشاركتهم أفراحهم ومسراتهم الاجتماعية المختلفة، كما تصلكم أيضا ذات البطاقات من إخوانكم وأصدقائكم، ومن تجمعكم بهم معرفة ما؛ كل هذه البطاقات على اختلاف عناوينها، وأشكالها، وموضوعاتها، وما تحمله بين دفتيها من عبارات المودة، والرجاء، والتودد، وما يزينها من تصاميم، ومن أشكال فنية وزخرفية، ومما تعبر عنه من جهد مقدمها؛ لو دققنا فيها نجد أنها تجتمع على هذه الأسئلة الستة في أغلبها، من حيث من: الداعي، أو المدعو الى المناسبة، وأين: مكان المناسبة، ومتى: زمن المناسبة، وكيف: ما سوف يكون في هذه المناسبة، وماذا: عنوان المناسبة، ولماذا: الهدف من هذه المناسبة، وبالتالي فهي تقيّم على أنها خبر مكتمل الأركان، وكأن من يصوغ عبارات هذه البطاقات هو أحد العاملين في المجال الصحفي، أو أحد المتخصصين في ذات المجال، أو المتعاطين فيه بصورة أو بأخرى، ولأنه كذلك - أي أنه أصبحت هذه المناسبة خبرا - فإنه أصبح من الأهمية بمكان أن تكون الدعوة ملزمة الإجابة من طرف المدعو، تقديرا وإجلالا لصاحب الدعوة، أليس الهدف من الخبر هو لزيادة المعرفة والوقوف على حقائق لم تكن موجودة من قبل؟ هنا الإجابة تستلزم المدعو لأن يكون في موقع الحدث، حيث يعيش تفاصيله الدقيقة، ويكون أحد صانعيه بامتياز، ويعزز من الشعور المتبادل بينه وبين صاحب المناسبة، فالخبر عبارة عن حدث في موقع ما، وزمن ما، ومجموعة فاعلين له، وتكون المحصلة مجموعة من النتائج المبشرة بالخير كحالة المناسبات التي يقيمها أبناء المجتمع، وهي المناسبات التي ترفرف بإعلامها هذه الدعوات المباركة التي يتبادلها أبناء المجتمع فيما بينهم، معززين من خلالها وجودهم كأمة متحابة متناصرة، وكأنسنة تتوغل بين ثناياهم مجالات الود.

وما يلفت النظر في هذه الدعوات؛ وهو جانب آخر لمفهومها؛ هو المبالغة أحيانا فيها من حيث التصميم ومجموعة الاشتغالات التي فيها، والتي تنقلها من ورقة عادية الى ورقة لها قيمتها المعنوية والاجتماعية على حد سواء، حيث يبذل فيها صانعها الشيء الكثير لكي تعبر عن من هو، وما مكانته في المجتمع، وما هي امكانياته المادية، لأن بعض البطاقات التي تصل أرى أنها غير عادية، ولا شك أنها مكلفة ماديا الشيء الكثير، وهذا كله معبر عن شخصية مقدم الدعوة من حيث وده للآخر، وتقديره له، ومثمنا مقدار العناء الذي سوف يتجشمه، خاصة أولئك الذين يقطعون المسافات الطويلة التي تقدر بمئات الكيلو مترات لأن يحضروا مناسبة من دعاهم، وأكبر فيهم الاخوة والصداقة والود الجميل.

في لحظتنا هذه بدأت هذه المسألة تقل كلفة؛ كما أتابع؛ حيث يكفي أن تصمم بطاقات الدعوة عبر جهاز الحاسب الآلي، ومن ثم تحمل على تطبيق الـ«واتس أب» وتوزع في المجموعات، أو عبر الحسابات الخاصة، حيث تصل الى المئات من المدعوين في غمضة عين، وهناك من ينشرها عبر موقع الـ«فيسبوك» بين كل فترة وأخرى مذكرا مجموعة من دعاهم الى حضور مناسبته الكريمة، وبالتالي ينتقل مفهوم صناعة الخبر من حدث يسمع الناس عنه، ويحدث فيهم الدهشة، الى سعي الناس الى صناعته، ومعايشة تفاصيله الدقيقة، ومن ثم يتحدثون عنه عبر وسائلهم المتاحة، ومن حملهم على ذلك كله، هي بطاقات الدعوة هذه التي سافرت اليهم منطلقة من نفس صاحبها الذي استحضرهم في لحظة صفاء وود ونقاء لميلاد خبر، أرادهم أن يكونون هم من يصنعون أحداثه الرائعة.