1230793
1230793
إشراقات

خطبة الجمعة تحذر من عاقبة الإسراف والمسرفين في الولائم والأعراس

25 يناير 2018
25 يناير 2018

دعوة النّاس إليها بنيّة الحصول على الثّواب أمر مندوب شرعا -

تتناول خطبة الجمعة لهذا الأسبوع ظاهرة الإسراف والتبذير في مناسبات الولائم والأعراس وتدعو إلى التوسط والاعتدال في ذلك، موضحة أن المسلم يعـلم بأنّ جميع ما بيده نعمة من الله تعالى، فيحرص على وضع كلّ شيء في موضعه، حتّى لا يقع فيمن يبدّل نعمة الله؛ وانه موقن بأنّه مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنـفقه، وأنّه متى ما أخذ المال من حلّه فوضعه في محلّه بارك الله تعالى له في ماله فنما ماله وكثر، وأنّه متى تعامل مع المال بخلاف ذلك فقد خسر، وترشد إلى أن أولى بالمال الّذي يذهب في الإسراف والتّبذير أن يكون في جوف مسـكين أو فقير أو في عمل خيّر مفيد.. وهنا نص الخطبة كاملا:

اعلموا ـ عباد الله - أنّ ديننا الحنيف جاء بما يقوّي العلاقات بين النّاس في كافّة شؤونهم وأحوالهم، فعدّ إطعام النّاس الطّعام من مكارم الأخلاق الّتي حثّ الإسلام عليها، بل إنّ إقامة وليمة، ودعوة النّاس إليها بنيّة الحصول على الثّواب أمر مندوب شرعا، وتجمل وتقع عند الله تعالى بمكان تلك الولائم عندما يتوخّى فيها المسـلم إطعام المحـتاجين، ويدعو إليها الفقراء كما يدعو إليها معارفه الموسرين، وفي الحديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا أيّها النّاس، أفشوا السّلام، وأطعموا الطّعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا باللّيـل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام».

ولقد كانت العرب قبـل الإسلام تفتخر بإقامة الولائم ودعوة النّاس إليها، ولا سيّما حال الجدب ووقوع المجاعات، ويمـتدحون من كانت وليمته عامّة، ليست خاصّة، ولربّما قدّم الواحد منهم جميع ما يمـلك من خفّ وحافر، حرصا على الذّكر الحسن لدى النّاس وابتغاء للمحمدة، وجاء الإسلام وأزال ما علق بها من علائق الجاهليّة، وجمّـلها بسنن هادية، وإرشادات مرضيّة، وضوابط حسنة؛ فمن ذلك حثّه على التّصدّق لوجه الله تعالى، لا لطلب ثناء النّاس ورفعة الذّكر عندهم، يقول تعالى - مبيّنا صفة الأتـقى: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى)، ومن ذلك؛ نهي الإسلام عن إضاعة المال وحثّ على البذل من غير إسراف ولا تقتير، يقول الحقّ تعالى واصفا عباد الرّحمن: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، وفي الحديث النّبويّ الشّريف: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة» أي: ما يشبع الواحد فهو قوت الاثنين، وما يشبع الاثنين فهو قوت الأربعة، ومن ذلك أن تكون الوليمة من المال الحلال الطّيّب لا الخبيث، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)، وفي الحديث الشّريف: «إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيّبا».

وممّا يؤسف له أن تصرف بعض الأسر لدى إقامة ولائم الأعراس الأموال الطّائلة، وتبذل لها ما هو زائد عن الحاجة. وتشترط بعض الأسر على الزّوج شروطا مجحفة؛ مثل إقامة وليمة العرس في أرقى الفنادق أو القاعات الفخمة، ولا تسـل عن أنواع الأطعمة والأشربة الّتي يتمّ التّخلّص منها في أماكن القمامة، ويتمّ تراسل صور البذخ الزّائد والسّرف غير المسبوق، لموائد الأعراس والحفلات، عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّة، ليتبع ذلك تألّم قلوب البسطاء والـفقراء، وتوالي الحسرات والزّفرات. فيا عباد الله: أهكذا نتعامل مع النّعمة؟ أما قرع مسامعنا قول الحقّ تعالى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)؟ فهل نفرح بأن نكون من إخوان الشّياطين؟ أم يتمّ فرحنا بأن نتعامل مع نعمة الله تعالى تعامل الشّاكرين. فالمسلم يعـلم بأنّ جميع ما بيده نعمة من الله تعالى، فيحرص على وضع كلّ شيء في موضعه، حتّى لا يقع فيمن يبدّل نعمة الله؛ (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، والمسلم موقن بأنّه مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنـفقه، وأنّه متى ما أخذ المال من حلّه فوضعه في محلّه بارك الله تعالى له في ماله فنما ماله وكثر، وأنّه متى تعامل مع المال بخلاف ذلك فقد خسر، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ). فأولى بالمال الّذي يذهب في الإسراف والتّبذير أن يكون في جوف مسـكين أو فقير أو في عمل خيّر مفيد – فيا عباد الله – لم التّبذير على الزّائدات الّتي تتعدّى الكماليّات؟ كالإسراف في الاستعداد للأفراح؟ فلتعجب أخي من ملابس اليوم الواحد الباهظة الثّمن، الّتي تظلّ بعد ذلك في الأدراج حتّى ترمى! ولتعجب من التّبـذير على التّزيّن المتصنّع والمتكلّف، ربمّا بما لا يمـكن معه الوضوء! فتترك لأجـل ذلك المكتوبات من الصّلوات! وليتساءل المرء لم ذلك الحرص على إعداد الطّعام الزّائد، وتنويع الموائد، الّتي لا يأكل المدعوّون في النّهاية المعـشار منها؟ ومثل هذه الأعمال لا تعود إلاّ بإثقال كاهل الزّوج بالنّفقات الباهظة، ولربّما استدان لأجـلها، فيبدأ مشروع زواجه بالدّيون، فتكون عليه همّا باللّيـل وذلاّ بالنّهار. وإنّ أحوال التّرف الزّائد هذا في الولائم والموائد ممّا يسبّب إحجام الشّباب عن الإقبال على الزّواج، لما يشاهدونه من صور البذخ الزّائد فوق الحاجة، الّذي يتباهى بعض النّاس بفعـله مع تكاليفه المرهقة، وهو دليل عدم الوعي بمآلات مثل هذه التّصرّفات الخارجة عن الوسطيّة والاعتدال.

فاتّقوا الله ـ أيّها النّاس -، وكونوا كعباد الرّحمن وسطا في البذل والإنفاق، وإيّاكم والإسراف في الحفلات والمناسبات، فإنّ الهدف منها ليس في التّفاخر والمباهاة، بل فيما يحبّه المولى ويرضاه.

ولا يخفى عليـكم عاقبة الإسراف ونهاية المسرفين، والتّاريخ يطوي في صفحاته عبرا كثيرة لأقوام رضخوا لشهوة السّرف فكانت عاقبتهم التّلف، (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)، وكم من أناس أصـبحوا بعد النّعمة الّتي كانوا يتقلّبون في أعطافها يسـتجدون النّاس لقمة العيش، والأيّام دول، ودوام الحال من المحال، والشّكر قيد النّعم، يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ)، ونسـتعرض ها هنا ـ يا عباد الله - بعض الحلول الّتي قد تساعد في الحدّ من تفشّي ظاهرة الإسراف في المناسبات؛ فمن ذلك أن ينشأ الأبـناء منذ نعومة أظـفارهم على الادّخار والبعد عن الإسراف، مع تحـبيب التّصدّق على الفقراء إلى نفوسهم، ومن ذلك أن يولي القائمون على إعداد المناهج الدّراسيّة موضوع مقاومة ظاهرة الإسراف عنايتهم فيما يعدّ ضمن مناهج الدّراسة، وكذلك الشّأن مع الخطباء والموجّهين والوعّاظ والمرشدين، ومن ذلك أن تربّى الأسر على إتقان توزيع الطّعام داخل المنزل، فلا يعدّ الطّعام زائدا فوق الحاجة، وإن وقع فائض كانت طرق توزيعه متوافرة بحيث يصل إلى ذوي الأكباد الرّطبة، ولا يرمى في حاويات القمامة، يقول النّبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنّ لكم في كلّ كبد رطبة أجرا»، ونشيد هنا بفرق تطوّعيّة جعلت على نفسها جمع الفائض من أطعمة المناسبات لأجـل إيصالها إلى المحـتاجين، فللّه درّهم، وكثّر الله من أمـثالهم. وممّا يندرج ضمن الحلول الّتي تخفّف عبء ظاهرة الإسراف في المناسبات حثّ الشّباب على إدراج أسمائهم ضمن قوائم الأعراس الجماعيّة، الّتي ظهرت بركتها في تخـفيف عبء المبالغ الطّائلة الّتي تصرف على ولائم الأعراس. فاتّقوا الله - عباد الله -، واسعوا نحو التّوازن في الإنفاق، وضبط الأمور في المناسبات، تعاونوا على ما فيه الخير والبركة، واهتدوا بهدي خير العباد الّذي دعا إلى البعد عن مظاهر الإسراف، (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).