إشراقات

الأمانة

25 يناير 2018
25 يناير 2018

القاهرة -‏ أماني أحمد -

الأمانة هي المحافظة على الحقوق وأداؤها، وقد أمرنا الله بالأمانة، قال :{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} سورة النساء الآية58. يقول الأستاذ أحمد حسن عرابي في كتاب قصص الأخلاق للأطفال والناشئين»: للأمانة أنواع منها: أمانة العبادة، حيث يجب أن يؤدي المسلم التكاليف من صلاة وصيام وغيرها كما أمرنا الله تعالى. وهناك أمانة الجوارح، حيث يجب على المسلم أن يحافظ على جوارحه وأعضائه، فلا يستعملها إلا فيما أمر الله تعالى . وهناك أمانة الودائع، حيث يجب على المسلم أن يحافظ على ودائع الآخرين لديه ويقوم بأدائها لهم متى طلبوها . وهناك أمانة الحديث، حيث ينبغي على المسلم أن يحافظ على أسرار الآخرين وألا يبوح بها، وهناك أمانة البيع والشراء، فالمسلم لا يغش أحدا.

ولخلق الأمانة فضل عظيم، حيث يؤدي هذا الخلق إلى انتشار الحب بين أفراد المجتمع، كما يفوز صاحب الخلق برضا الله تعالى. وفى مقابل الأمانة هناك خلق الخيانة، وهو خلق مذموم نهى الله تعالى عنه، فقال :{ إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما } سورة النساء الآية107.

واشتهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمانة حتى عرف بالصادق الأمين، وكانت أمانته صلى الله عليه وسلم سببا في زواجه بالسيدة خديجة رضي الله عنها،لأنه صلى الله عليه وسلم لما عاد إلى مكة وقص عليها ميسرة أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم قررت الزواج به.

ومن جهة أخرى يقول الأستاذ حامد أحمد الطاهر في كتابه «من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم للأطفال» : مر النبي صلى الله عليه وسلم على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال : «ما هذا يا صاحب الطعام؟» . فقال : أصابته السماء يا رسول الله . فقال : «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا» رواه مسلم. يروي لنا هذا الحديث قصة حدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وضع يده في وعاء عرض فيه صاحبه طعاما للبيع قمح أو شعير، فلما وجد النبي صلى الله عليه وسلم التاجر قد وضع الطعام المبلل أسفل الوعاء، ووضع الجاف أعلاه عرف أنه يغش الناس. فقال : «من غشنا فليس منا» فهذا هو الغش بعينه لمن أراد أن يشتري منه الطعام، يظنه جيدا، فإذا عاد إلى بيته وجده مبللا لا يصلح للطعام أو الطهي.

ويحكى أنه في ذات ليلة خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يطمئن على سكان المدينة، وأثناء سيره سمع صوت امرأة تأمر ابنتها بخلط اللبن بالماء، فقالت لها الابنة : إن أمير المؤمنين نهى عن خلط اللبن بالماء. فقالت الأم : أين أمير المؤمنين الآن .. إنه لا يرانا . فقالت الابنة : إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فإن الله تعالى يرانا . ففرح أمير المؤمنين بأمانة الفتاة، وزوجها ابنه عاصم.

والغش صفة للمنافقين، وليس من صفة المسلم، لأن الغش قريب من الكذب، والمسلم صادق لا يكذب. أما الكافر والمنافق فهو كاذب غشاش، والغش قريب من الشر والشر في النار، والصدق والأمانة قريبا من الخير، والخير في الجنة. فلابد على المسلم أن يكون صاحب صفة الأمانة بعدا عن الغش وهى صفة قبيحة لا تليق بالمسلم.

أما الأمانة فقد قال الله تعالى :{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} سورة النساء الآية58. فأمرنا الله تعالى بأداء الأمانة إلى أهلها، وعدم الغش والتزوير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله تعالى إلى الناس رسولا كان يسمى «الأمين» لكثرة أدائه الأمانة. حتى أنه لما هاجر إلى المدينة، أبقى سيدنا علي بن طالب ليرد الأمانات إلى أهلها .

يبين الأستاذ أحمد حسن عرابي إن الله تعالى أثنى على عباده المؤمنين بحفظهم للأمانة، فقال تعالى :{والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} سورة المعارج الآية32. يحكى أن أحد التجار الأمناء خرج في سفر له وترك أجيره ليبيع أثناء غيابه . فجاء يهودي واشترى ثوبا كان به عيب. فلما علم صاحب المتجر أن العامل باع الثوب ولم يعرف المشتري العيب غضب، ثم خرج ليبحث عن المشتري. فلما وجده بين له أن الثوب الذي اشتراه به عيب، وعرض عليه أن يعيد الثوب وأن يسترد ماله. فتعجب اليهودي من أمانة التاجر، واعترف له اليهودي أن المال الذي دفعه كان مزيفا. ثم أسلم اليهودي لله بفضل أمانة التاجر.

أمرنا الله بأداء الأمانات ولذلك يحكى أن عبد الله ابن عمر خرج ذات يوم مع أحد رفاقه في سفر، وفي الطريق مر بهما راعى غنم، فسأله عبد الله: هل أنت راع لهذه الأغنام؟ فقال الراعي: نعم. فقال عبد الله: بع لي شاة من أغنامك . فقال الراعي: الأغنام ليست ملكي، بل إني أرعاها لسيدي. فأراد عبد الله أن يختبر أمانته، فقال له : قل لسيدك قد أكلها الذئب. فقال الراعي: إن قلت ذلك لسيدي فماذا أقول لله؟! فاعجب عبد الله بما قال الراعي، وأسرع إلى سيد الغلام واشتراه منه وأعتقه.

إن المسؤولية أمانة، فكل إنسان مسؤول عن شيء يعتبر هذا الشيء أمانة في عنقه، يجب أن يؤديها كاملة. ولذلك يحكى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رجلا لكى يحضر زكاة المال من بعض القبائل، فلما عاد الرجل أعطى النبي صلى الله عليه وسلم بعض المال وأخذ بعضه. فلما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك قال إن هذا المال هدية أهديت إليه. فغضب النبي وبين له أنه من الأمانة ألا يأخذ المسؤول منفعة من وراء عمله المكلف به ، فهذا يعد من الخيانة للأمانة، لأنه يستغل منصبه في جمع المال الحرام.

عندما يلتزم الناس بالأمانة يتحقق لهم الخير، ويعمهم الحب. في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب انتصر المسلمون على الفرس وفتحوا بلاد فارس. وبعد انتهاء الحرب قسم سعد الغنائم، وأرسل إلى بيت المال نصيبا من الغنائم، وكان من بين الغنائم جواهر ثمينة، فلما رآها أمير المؤمنين عمر فرح وقال: «إن قوما أدوا هذه لأمناء». فقال له علي بن أبي طالب : «إنك عففت فعفت رعيتك».

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في الأمانة ويحث أصحابه عليها فقال لهم: « لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا صلاة له، وموضع الصلاة من الدين، كموضع الرأس من الجسد».

وعن عبد بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اضمنوا لي ستا من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتهم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم».