أفكار وآراء

زيارة بنس للشرق الأوسط .. وأمل السلام !!

24 يناير 2018
24 يناير 2018

عبد العزيز محمود -

طبقا لما تمخضت عنه من نتائج، يمكن القول بأن زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس للشرق الأوسط لم تكن ناجحة، بالقدر المأمول، على الاقل أمريكيا، اذ إنها لم تستطع احتواء كل التداعيات السلبية لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولا إقناع الفلسطينيين بالعودة إلي مائدة المفاوضات، كما انها لم تعزز أمل السلام بالنسبة للفلسطينيين برغم إشارة بنس الى استمرار التزام بلاده بحل الدولتين .

ويبدو أن توقيت الزيارة لم يكن مناسبا، حتى بعد تأجيلها لأكثر من شهر، فقد كانت مقررة في أوائل ديسمبر الماضي، ثم تأجلت لاحتواء ردود الفعل الغاضبة تجاه قرار الاعتراف بالقدس، لكن عملية الاحتواء لم تتم علي النحو الذي كان متوقعا.

كما أن التعاطي الأمريكي مع تداعيات قرار القدس، لم يكن مقبولا بدرجات متفاوتة من معظم الأطراف، باستثناء إسرائيل بالطبع ، مما ألحق ضررا بالغا بخطة ترامب المعروفة بصفقة القرن لإنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.

وهكذا جاءت زيارة بنس للمنطقة وسط تصعيد متبادل بين الإدارة الأمريكية والفلسطينيين، على خلفية اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، والذي اعتبره الفلسطينيون أشبه بوعد بلفور، الصادر عام 1917، وتعهدت بموجبه الحكومة البريطانية بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين.

فالسلطة الفلسطينية قررت وقف كافة الاتصالات مع الإدارة الأمريكية وإسرائيل، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى تجميد 65 مليون دولار مساعدات أمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين.

وهو تجميد لم يستهدف فقط الضغط على الفلسطينيين لإجبارهم علي العودة إلى مائدة المفاوضات، وإنما استهدف أيضا تطبيق خطة أمريكية طويلة الأمد، هدفها التخلص تدريجيا من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، بهدف إعادة توطين اللاجئين خارج إسرائيل.

وعقب تجميد المساعدات قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عدم الاجتماع مع نائب الرئيس الأمريكي خلال زيارته للمنطقة، رغم أن اللقاء كان مقررا سلفا، وفيما يبدو فإن الرئيس الفلسطيني اعتبر بنس المسؤول الأمريكي الأكثر ارتباطا بقرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وفي ظل هذه الأجواء الملتهبة استهل نائب الرئيس الأمريكي جولته في المنطقة بزيارة مصر والأردن، وهما دولتان صديقتان للولايات المتحدة، لحثهما على إقناع الفلسطينيين بالعودة إلى مائدة المفاوضات.

وفي القاهرة كان الموقف المصري واضحا بضرورة التمسك بحل الدولتين، فيما شكل امتدادا لموقف سابق بتأييد قرار الأمم المتحدة بإدانة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي عَمان كان الموقف الأردني صريحا كذلك ، بضرورة أن تحاول واشنطن إعادة بناء الثقة، التي اهتزت كثيرا بسبب توجهات الإدارة الأمريكية.

وخلال الزيارة حاول بنس فتح ملف المسيحيين والأقليات في الشرق الأوسط، بحجة حمايتهم من العنف والتمييز، فيما بدا أنه محاولة هادفة لممارسة نوع ما من الضغط، وهو ما لم يسهم في تخفيف التوتر في الأجواء المتوترة أصلا.

وهو ما دفع بابا الأقباط الأرثوذكس في القاهرة لرفض لقائه، كما رفض لقائه شيخ الأزهر، وفي بيت لحم رفضت قيادات الكنيسة لقاء نائب الرئيس الأمريكي، بعد قرار كنسي سابق بإلغاء احتفالات عيد الميلاد، احتجاجا علي اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وهكذا توجه بنس إلى إسرائيل التي استقبلته باعتباره مؤيدا لها بشدة ، حيث دارت محادثاته مع المسئولين الإسرائيليين حول قضايا عدة ، وفي القدس زار الحائط الغربي (حائط البراق أو حائط المبكي كما يسميه الاسرائيليون ) ،وزار نصب ضحايا المحرقة النازية، وألقى خطابا أمام الكنيست أكد فيه اعتزام الإدارة الأمريكية نقل السفارة الأمريكية إلي القدس قبل نهاية عام 2019.

وكان هذا الإعلان بمثابة استفزاز جديد للفلسطينيين، مما دفعهم إلى تنظيم إضراب عام في الضفة الغربية تأكيدا لرفضهم خطة ترامب للسلام ، ومن جانبه لم يغامر بنس بالتوجه إلي رام الله لإدراكه أن أحدا من مسؤولي السلطة لن يلتقيه ، حسبما اعلنه الفلسطينيون من قبل .

بالطبع كان يمكن لبنس خلال الزيارة تخفيف الأجواء الملتهبة بإعلانه استعداد واشنطن للاعتراف بدولة فلسطينية مستقبلا، حتى يفتح أمام الفلسطينيين باب الأمل، لكن هذا لم يحدث،و كان يمكن لإسرائيل خلال الزيارة، أن تقدم بعض التنازلات، بنقل احياء في القدس الشرقية للسلطة الفلسطينية، لدعم خطة ترامب مثلا ، وهو مالم يحدث ايضا ، بل على العكس أعد اليمين الإسرائيلي تشريعا يحظر علي أي حكومة إسرائيلية المساس مستقبلا بحدود بلدية القدس.

وفي ختام الزيارة بدا واضحا أن الخطة التي يطرحها ترامب لتسوية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين تواجه تحديات ليس فقط من جانب الفلسطينيين، وإنما أيضا من جانب إسرائيل التي لا تبدي حماسا لتغيير الوضع القائم.

وطبقا لما تم تسريبه ، وفقا لما ذكرته مصادر مختلفة ، فإن الخطة تستهدف في مرحلتها الأولى إعادة تصميم جزء صغير من الضفة الغربية ليكون أشبه بدويلة فلسطينية، عاصمتها خارج القدس الشرقية، مقابل ضم إسرائيل لنحو 10٪ من أراضي الضفة، وإعطائها المسؤولية الأمنية في كل الأراضي الفلسطينية بما في ذلك السيطرة علي الحدود مع مصر والأردن.

وهو تصور اعتبره الفلسطينيون تعزيزا للحكم الذاتي القائم، ولا يحقق طموحاتهم في إقامة دولة ذات سيادة علي حدود ما قبل عام 1967، مما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه أمام المجلس المركزي الفلسطيني لإعلان رفض الفلسطينيين لمشروع ترامب.

وهكذا اختتم بنس زيارته للمنطقة، دون أن يحصل من أي قيادة عربية علي دعم علني لتوجهات الإدارة الأمريكية، التي رفضتها السلطة الفلسطينية في رام الله، وحماس في غزة، بينما لم تقدم الحكومة الإسرائيلية أي توقع إيجابي تجاه خطة ترامب. وبدا واضحا أنه لا يوجد مشروع حقيقي للسلام وأن كل ما يستهدفه ترامب هو الحصول علي دعم اليمين الإسرائيلي والإنجيليين الأمريكيين، للاستمرار في ولايته الحالية، والفوز بولاية جديدة عام 2021.

ولم يكن في هذا جديدا، فترامب لم يؤيد على الإطلاق إقامة دولة فلسطينية، ونأي بنفسه عن حل الدولتين، الذي يتبناه المجتمع الدولي منذ توقيع إسرائيل والفلسطينيين علي اتفاق أوسلو في عام 1990 ، كما أنه لم يعترض شخصيا علي الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بل أن فريقه للشرق الأوسط من مؤيدي حركة الاستيطان الاسرائيلية ، وهم لا يخفون ذلك .

ومع اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعتزامه نقل السفارة الأمريكية إليها، فإنه يجري اكبر حركة تغيير لقواعد اللعبة، بهدف إقناع الجميع وفي مقدمتهم الطرف الفلسطيني أن يتصرفوا وفق المعطيات الجديدة.

وطبقا لما تمخضت عنه زيارة ما يك بنس نائب الرئيس الأمريكي للمنطقة من نتائج، فمن الواضح أن كل ما يريده ترامب هو إعادة تشكيل الشرق الأوسط على النحو الذي يخدم سياساته المعلنة ، سواء تم السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أو لم يتم.