أفكار وآراء

أصحاب المصلحة «ستيكهولدرز» وضوابط الحوكمة

24 يناير 2018
24 يناير 2018

د. عبد القادر ورسمه غالب -

[email protected] -

تقوم العديد من الحكومات والمنظمات الاقتصادية الكبيرة بالمناداة بكل شدة بضرورة انتهاج وتحديد وتنفيذ المبادئ المنظمة لحوكمة الشركات. وهذا يشكل اقتناعا بأهمية موضوع الحوكمة والدور المؤثر الذي يمكن أن تلعبه في العمل المؤسسي السليم لصالح الشركة وملاكها وكذلك جميع الأطراف الأخرى ذات العلاقة وأصحاب المصلحة بل وكافة قطاعات المجتمع.

واضح من الدراسات التي قامت بها العديد من بيوت الخبرة والمنظمات المختصة - ومن واقع الممارسات التي تمت - أن من العناصر الرئيسية لتحسين الكفاءة الاقتصادية في كل مكان هو توفر ووجود أسلوب حوكمة الشركات خاصة وأنها تتضمن العديد من الخطوات المؤثرة لتنظيم العلاقة بين كل الأطراف الرئيسية في الشركة، وهم الإدارة التنفيذية للشركة ومجلس الإدارة والمساهمون من جهة، وغيرهم من الأطراف المعنية من “أصحاب المصلحة” وفق علاقتهم المختلفة مع الشركة من الجهة الأخرى.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح “أصحاب المصلحة” (ستيكهولدرز) عندما تتم الإشارة له في هذا الخصوص فإنه يشمل كل أصحاب العلاقة المباشرة، وغير المباشرة مع الشركة بمن فيهم العاملون والدائنون والموردون والزبائن وأنصار البيئة بل وكل المجتمع الذي تعمل فيه وتتعامل معه الشركة. والاهتمام بهذه الشرائح المهمة ذات العلاقة والمصلحة بالشركة يعمل على تحسين سمعة الشركة وجذب الأعمال والاستثمارات إضافة الى أنه يعطيها ميزة تنافسية ودفعة قوية لا تتوفر لدى الشركات الأخرى التي لا تراعي تطبيق مبادئ حوكمة الشركات وبالتالي لا تهتم بأصحاب المصلحة.

ومن الواضح تمامًا أن الشركات تعتمد على “أصحاب المصلحة” لتوفير سلسلة من الأعمال بصفة روتينية منتظمة ومستمرة، وإذا راعينا مثلاً اهتمام الشركة بالعاملين فيها ورعايتهم بصفتهم من أصول الشركة المهمة والأساسية فهذا قطعا سيؤدي إلى المزيد من الإنتاج والعمل المخلص والولاء التام، وفي النهاية تتحقق الفائدة المادية والأرباح للشركة. ومن هذا يتضح بجلاء، التداخل المثمر في ما بين الشركة من جهة وأصحاب العلاقة أو أصحاب المصلحة من الجهة الأخرى، وكلها تشكل دائرة تدور في مصلحة الشركة والمجتمع الذي تعمل فيه.. وما جزاء الاحسان الا الاحسان.

وعندما تقوم الشركة بترقية الأكفاء في العمل، أو تقديم التدريب المطلوب للعاملين فإن الفائدة مزدوجة وتعود للجميع. وهذا ينطبق أيضًا على دائني الشركة ومراعاة حقوقهم دون نقيصة أو مقدمي الخدمات للشركة والتعامل معهم باحترام ومهنية ووفق الضوابط القانونية السليمة، وكذلك دور الشركة في مساعدة المجتمع عبر المشاركة والمساهمة المجتمعية في العديد من المجالات التي يحتاج لها المجتمع الذي أتت من بطنه الشركة، وأيضا العمل على حماية البيئة لتصبح بيئة المجتمع نظيفة سليمة ومليئة بالخضرة… وغير هذا من الأمثلة العديدة التي توضح الترابط القوي بين الشركات مع كل “أصحاب المصلحة” صغيرهم وكبيرهم، وهذا الترابط الذي تنادي به مبادئ الحوكمة وتدعمه هو في نهاية المطاف سيقود إلى تحقيق نتائج مفيدة لكل العمل المؤسسي السليم.

ولمراعاة هذه العلاقات الخصوصية بين كل هذه الأطراف وتنظيم سياجها خاصة مع أصحاب العلاقة أو أصحاب المصلحة (ستيكهولدرز) فإن ضوابط مبادئ حوكمة الشركات يجب أن تتضمن بصورة واضحة ما يفيد صراحة الاعتراف بحقوق “أصحاب المصلحة” كما تنص عليها القوانين ذات الصلة. وكذلك يجب أن تتضمن مبادئ حوكمة الشركات كل ما يعمل بصورة جلية واضحة على تشجيع التعاون التام في ما بين الشركات من جهة وبين أصحاب المصلحة في الجهة الأخرى خاصة في مجالات خلق الأعمال لتحقيق الأرباح وتوفير فرص العمل بهدف تحقيق الاستدامة للمشروعات القائمة في الشركة وكذلك المستقبلية على أسس مالية سليمة تحفظ حقوق كل الأطراف.

ولضمان تحقيق هذه الأهداف بصورة فاعلة وعادلة فلا بد أن تتضمن مبادئ حوكمة الشركات ما ينص علي تأكيد احترام كل حقوق أصحاب المصلحة التي يحميها القانون. وأهمية هذه النقطة تنبع من أن النص على احترام كل حقوق أصحاب المصلحة تعني أن القانون يحمي وبصراحة تامة حقوق أصحاب المصلحة، ومن هذا الواقع القانوني يحب أن تتاح لهم فرصة الحصول على التعويضات المناسبة إذا تعرضوا لأضرار أو تم انتهاك حقوقهم بأي شكل من الأشكال. كما يجب أن تتضمن مبادئ حوكمة الشركات توفر آليات محددة من أجل تحقيق المشاركة الفاعلة لأصحاب المصلحة مع ضمان أن تكفل هذه الآليات ما يعمل بصورة واضحة على تحسين مستويات الأداء.

وفي هذا الإطار، وحتى لا نحرث في البحر، كلما سمحنا بأن يشارك أصحاب المصلحة في عملية تطبيق حوكمة الشركة، فلا بد بل يجب أن نكفل لهم فرصة الحصول على المعلومات المتصلة بذلك بالدرجة التي تمكنهم من القيام بدورهم على الوجه الأكمل وبما يعود بالمصلحة على الشركة وكل أصحاب المصلحة بما فيهم المجتمع بكل مكوناته.

إن القواعد الدولية المنظمة لحوكمة الشركات أوضحت ضرورة أن يتم إقرار الإطار الخاص بالقواعد المنظمة لحقوق أصحاب المصالح كما هي محددة في القانون، ويتم تشجيع التعاون الفعال بين الشركات وأصحاب المصالح بالشركة لخلق الوظائف وتوفير الاستمرارية للشركات السليمة ماليا. إضافة لما ذكرناه أعلاه يجب السماح لأصحاب المصلحة بمن فيهم العاملون من الأفراد والجهات التي تمثلهم بالاتصال بحرية بمجلس الإدارة للتعبير عن مخاوفهم تجاه التصرفات غير القانونية والمنافية لأخلاقيات المهنة بما لا يؤدي إلى المساس بحقوقهم أو الانتقاص منها إذا ما مارسوا أيا من هذه الاجراءات بما فيها حق “اطلاق الصافرة” وفق المتطلبات السليمة. كما يجب أن يزود إطار القواعد المنظمة لحوكمة الشركات بهيكل كفء للحماية من الإعسار وللتطبيق الفعال لحقوق الدائنين وغيرهم. كل هذه المبادئ تصب في مصلحة الشركة لأنها وفرت كل الضمانات المطلوبة لكل “أصحاب المصلحة” وفي هذا تحقيق لعدة أهداف أهمها فتح كل المجالات وفتح كل الأبواب لكل من له علاقة أو مصلحة بالشركة للاستفادة من حقوقه بالصورة المثلى المنبثقة من مبادئ حوكمة الشركات التي توفر معايير ثابتة يستفيد منها الجميع.