yesra
yesra
أعمدة

ربما: العِشرة الإلكترونية

24 يناير 2018
24 يناير 2018

د. يسرية آل جميل -

[email protected] -

مدخل:

(يوم ما سيتركك الجميع، فعِشْ لأجلِكَ فقط)

• قد يبدو عنوان المقال مضحكاً في بداية الأمر، لكن إذا تأملنا قليلاً في هذا الموضوع ستجدون أني على حق، أخشى أن أبصم لكم بالعشرة (بفتح العين) أنه قد أصبح بيني وبين جوالي صلة رحم متينة، بل وطيدة، بل وكأنما بيننا حبل مشيمة، تجمعنا الأماكن والمواقع من لحظة الميلاد حتى هذا اليوم، فتنعتوني بالجنون على أقل تقدير.

صديقتي (شذى) أوحت لي بفكرة هذا المقال، كانت قد أرسلت لي طُرفةً حول هذا الموضوع، فلفتت انتباهي إلى هذه النوع الجديد من العلاقات الجميلة أحياناً التي فرضت نفسها علينا تماماً، ومن العلاقات التي تعطيك دروساً أحياناً أخرى، على العموم في الحالتين (أنا الرابح الأكبر).

كمية جميلة من المعارف توطدت علاقتي بهم إلكترونيا، أصبحنا مع الوقت صديقات وأصدقاء، أصدقاء افتراضيين لا تجمعنا بهم أرض الواقع، بضغطة زر واحدة وإرسال أتمكن من الحديث مع هذا وذاك من كل بلاد الدنيا وفي كل بقاع الأرض، بصراحة بلا قناع، بلا تجميل للأحاديث والأوجاع.

• سجلت في الـ«فيس بوك»، وأنشأت لي صفحة خاصة لها الآن ما يقارب عشر سنوات أو أكثر، جمعني هذا الموقع الغريب بأصدقاء كان من المستحيل علي أن أتعرف إليهم بحكم المكان والزمان، وبحكم الأمزجة المختلفة أحياناً، في الفيس بوك لدي ما يقارب الألف صديق، الذين ما زالت تمتد معرفتي بهم حتى اليوم، من أدباء وأساتذة وإعلاميين وأصدقاء ومراهقين، بل ربما حتى الأطفال.

الشاهد في ذلك أني ما زلت أحتفظ بمعرفتي بهم، وبالعِشرة الجميلة التي تربطني بهم، دون أن نخطئ في بعض، أو نتجاوز المسموح.

• أما الانستجرام فهذا الحساب الإلكتروني الأقرب إلى نفسي، بحكم حبي لتجسيد اللحظة وتوثيق الحدث الذي يوماً سيتحول إلى ذكرى، فتحت فيه (حساباً خاصاً)، أضفت وأضافني الكثير، أحبُ أن أطلّع على الحدث مصورا، يرسّخ نفسه في ذهني لفترة أطول، بصورة شبه يومية أضيف صورةٍ ما وأتلقى عليها إعجاب الكثيرين، وبصورة أسبوعية أضيف مقالي كل خميس، فتأتيني الآراء والتعليقات التي في مجملها تكون مهذبة جداً، ولعلها هي ما تحثني على استمرارية الكتابة حقاً.

هناك أشخاص لا أعرفهم شخصياً، أعرف فقط ألقاباً أو رموزاً تقوم بالحديث إلي online على الدايركت وتناقشني، تفسرني وتفسّر لي، لدرجة أني أصبحت أفتقد بعضهم مع الوقت إذا غاب كثيراً، مع إني لا أعرفه ولا يعرفني، بيننا فقط هذا المحمول وأزرار الكتابة!

• أول ما دُشّن الـ«سناب شات» لم أجد فيه تلك الضالة التي أبحثُ عنها، مع الوقت قلت (خليني أجرّب)، فتحت لي في عالمه نافذة خاصة جداً جداً، لا أقبل بإضافة من هبّ ودّب، أعتبره في منتهى الخصوصية، فهو ككاميرا المراقبة الصغيرة جداً، التي إن لم تنتبه في التعامل معها ستكشف كل المستور.

تابعت في البداية الكثير من المعروفين إعلامياً، وبعضا من الـ(فاشنستات)، شيئا فشيئاً وجدت أن متابعة المعروفين إعلامياً المفلسين فكرياً.. مضيعة للوقت، وأن تتبع الـ(فاشنستات) مضيعة للمال، فالأول يخدعني بشخصيته الحقيقية البعيدة عن الشاشة، والثاني يجني الكثير من الأموال من جيبي الخاص، يروجون لمنتجات يحصلون عليها مجاناً، يهولون روعتها ويضخمون فائدتها على غير وجه حق.

فآثرت أخيراً أن أحذف كل الغث، وأن أحتفظ بسناب ست الحبايب، وخالاتي الجميلات، وإخوتي وإخواني وصديقات قلبي، وعدد قليل جداً من الخواص

الذين لا يرقى لمنزلتهم أحد، أطمئن عليهم كل صباح، أهتم بتفاصيل يومياتهم، يشاركوني متعة الحياة في عالمهم، وحلهم وترحالهم، إن تغيّب أحدهم سألت عنه، إن سافر استودعته الله، إن فرح.. أفرح معه، إن حزن.. أبكي معه.

على شرط: كل هؤلاء لا ألتقي بهم، لا أعرف لهم شكلاً ولا نسباً ولا حسبا، إنها فقط العِشرة، العِشرة التي جمعتنا إلكترونياً، وأوجدت بيننا مودةً وأُلفةً ورحمة، فحافظوا على أصدقائكم الفيسبوكيين، والانستجراميين، والسنابرز، فلربما يأتي يوم ويكونون الأقرب، والأهم من كل الذين تجمعنا بهم أربعة جُدران وأرض.

- إليه حيثما كان:

يا سيدي

يا أيها البعيد جداً عن مكاني

ألا يوجد اختراع واحد يأخذني إليك بضغطة زِرْ!

أشكوك حقيقتهم المؤلمة

فتأخذني.. تلملم أوجاعي

تمسح فوق رأسي

تشعرني بالأمان

تمنحي قدرة لمواجهة هؤلاء

تقبّل رأسي

تقرأ علي المعوذات الحافظة من الشر

تستودعني الله

ثم أعود إلى حيث أتيت

وكأن شيئاً لم يكن!