أفكار وآراء

الإعلام العربي.. بين تأجيج الخلافات ومسؤولية العمل على حلها !!

23 يناير 2018
23 يناير 2018

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

الإعلام العربي أصبح يعيش حالة من السقوط وغياب القيم والمهنية والابتذال للأسف، حيث إن نظرة فاحصة على المشهد الإعلام العربي وما يعتريه من إشكاليات يجعل الإنسان أمام ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل من خلال تقصي المحتوى الإعلامي والصحفي حيث انعكس الخلاف السياسي، على المسلك الإعلامي حيث الإسفاف والتعدي على الأعراض والخروج على الأعراف والتقاليد العربية، في سابقة هي الأولى منذ عهود الاستقلال للدول الوطنية العربية.

الخلافات السياسية بين الدول هو أمر وارد ، والانحياز الإعلامي لمواقف الدول هو أمر يمكن تفهمه، من خلال الدفاع المصالح الوطنية لكل دولة ، ومن خلال طرح إعلامي يتسم بالموضوعية ، بعيدا عن التجريح والشتائم وغير ذلك من الألفاظ والتلميحات غير الأخلاقية، حيث إن الدين الإسلامي الحنيف يحرم ذلك، فالمسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه، كما جاء في الحديث الشريف.

الذي يحدث في الساحة الإعلامية العربية، خاصة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، شيء يندى له الجبين، من تعدٍّ على أعراض الناس، وتدني اللغة إلى مستوى أقل ما يقال عنها بأنها هابطة، ولا تليق، ومن هنا فإن الخلافات السياسية العربية - العربية تحولت إلى مشهد اصبح أضحوكة العالم من خلال ما ينشر ويسمع، ومن خلال عدد من القنوات الإعلامية التلفزيونية.

إن هذا المشهد الإعلامي له نتائج في غاية الخطورة، على الأجيال والتماسك الاجتماعي، وزرع الكراهية والانتقام، وغرس مفاهيم سلبية واستخدام الألفاظ غير الحميدة، مما يحمل معه قيما دخيلة على العادات والقيم العربية الأصيلة. ويؤسس لإعلام منفلت يتسم بالهجوم المسعور على كل الأعراف والنواميس، والدخول في نفق مظلم من البذاءات غير المقبولة ، لا شرعيا، ولا أخلاقيا.

إن هذه الظاهرة الإعلامية التي تسود المجتمعات العربية تحتاج إلى دراسة من ناحية، وإلى تدخل سريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا السقوط الأخلاقي إعلاميا من ناحية ثانية. بعد أن أصبحت الحرب الإعلامية بمثابة صب الزيت على النار، مما ينذر بصراعات بين المجتمعات العربية، وإيجاد الخلل في النسيج الاجتماعي وتنمية الشعور العدواني بين الأفراد والجماعات. ومن هنا فإن تدخلا سريعا من الجهات الإعلامية العربية المسؤولة، أصبح خيارا لابد منه حتى لا تنحدر الأمور إلى أسوأ مما هي الآن، حيث الانفلات ومجموعة من العقول غير المنضبطة في طرحها ورؤيتها للأمور، وغياب الوعي لديها حيث إن كل فريق يريد إرضاء النظام السياسي، بأي صوره يمكن تخيلها.

إن الدعم الإعلامي للقضايا الوطنية، وبطريقة منهجية موضوعية، هو أمر مشروع في إطار من الطرح الإعلامي الذي يتسم بالاحترام للآخر وأن تكون المسافة واحدة من التقدير لأولويات العمل العربي المشترك والنهوض به.

الإعلام يرسخ العدوانية

أصبح الإعلام من الأدوات الخطيرة التي تؤثر في المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا شك أن إطلاق العنان لهذا المكون يعطي إشارات سلبية وكراهية عميقة، نراها الآن بشكل مباشر، ولعل الأكثر عدوانية من خلال استخدام وسائل الإعلام من خلال محتواها ، ظهر خلال الأزمة الخليجية، وهي بين دول شقيقة يجمعها الإسلام الحنيف، والعروبة والجغرافيا والتاريخ والعادات والتقاليد الأصيلة، وعلاقات النسب والقربي.

إن الظاهرة الإعلامية بين الدول الشقيقة في منطقة الخليج، قد أشعلها القلة الذين يريدون الفتنة، وإشعال الحروب، ومن هنا فإن على النخب في هذه الدول أن تكون لها وقفة، من خلال مناقشة هذا الضجيج الإعلامي الصاخب، وأن تتوقف تلك المهاترات والتي سوف يدفع ثمنها الأجيال العربية، وأن يتم حصار الأزمة الخليجية، في شقها السياسي، كأي خلاف يحدث بين الدول في الشرق والغرب.

هناك خلافات حادة الآن بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولم نر أي انحدار إعلامي، وإنما هناك تصريحات مسؤولة ، تتحدث عن سبب الخلاف حول المصالح، وهناك خلافات بين الولايات المتحدة وروسيا، وهناك خلافات أمريكية مع الصين، ورغم ذلك تبقى اللغة الإعلامية منضبطة، بعيدا عن الشيطنة، والانحدار الأخلاقي، ثم فان الدعوة هنا، هي للترفع والعودة إلى مسار إعلامي يتسم بالموضوعية والمهنية الأخلاقية.

الإعلام الحالي، وما يطرحه كل يوم ومن خلال البث بالساعات الطويلة، وما يطرح من مناكفات بين المواطنين في المنطقة والاشتباك اللفظي يدعو للشفقة على أصحاب هذا المسار، لأن الواقع السياسي لن يتغير إلا من خلال الحوار الذي يعد الخيار الوحيد لحل الخلافات السياسية بين الدول، والجلوس إلى طاولة الحوار، فالدول المتحاربة، وبعد صراعات مسلحة مدمرة، تجلس إلى طاولة الحوار ونستشهد دوما بدولة عظمى كالولايات المتحدة، جلست على طاولة الحوار مع دولة نامية كفيتنام في باريس، وتم التوصل إلى حل رغم مرارة الحرب على واشنطن والتي هزمت أخلاقيا في هذه الحرب الكارثية.

الإعلام العماني نموذجا

عندما نتحدث عن الإعلام العماني نموذجا في المصداقية والتعاطي النبيل مع الأحداث وعدم استخدام لغة غير حضارية، فإننا لا نجامل إعلام الوطن، ونحن هنا لا نتحدث عن تطوير الإعلام ، والذي يحتاج الى تطوير وهذا شيء إيجابي، إنما الحديث هنا عن المنهجية الثابتة للإعلام العماني، الذي اتسم بالصدق والاحترام منذ فجر النهضة المباركة عام 1970 ، حيث الثوابت الراسخة التي انتهجتها القيادة السياسية الحكيمة بقيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه - ومن هنا فإن القياس يتم على نموذج يأتي من خلال الاستشهاد بالمحتوي الإعلامي الذي ينشر ويبث ومن خلال الوسائل المرئية .

الإعلام العماني ومن خلال أزمات سياسية عديدة ، خلال العقود الخمسة الأخيرة كان إعلاما منضبطا، وانسجم بشكل مثالي مع السياسة الخارجية للسلطنة، والتي شهد لها العالم بانها سياسية حكيمة وبناءة،وساعدت على حل عدد من الملفات الشائكة، والتي كان آخرها الملف النووي الإيراني مع الغرب .

ومن الميزات الاخرى لإعلام الوطن انه لا يحب الضجيج حتى مع الامور الإيجابية بحيث تتحدث الوقائع عن نفسها، وهذه لمسة تدلل على الثقل الحضاري والانساني للسلطنة كدولة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ ، ومن هنا فإن الإعلام العماني هو بالفعل نموذج ينبغي ان يحتذى به، في الطرح السياسي المتزن، وعدم استخدام لغة غير مهنية، وهذا ما جعل السلطنة بعيدة عن المهاترات والحملات التي لا تفيد العمل العربي المشترك. ولا شك ان إطلاق ميثاق الشرف الإعلامي الذي دشنته جمعية الصحفيين العمانية مؤخرا، يأتي في هذا السياق الاخلاقي والمهني، مما يعزز الكرامة الانسانية والمحافظة علي المعايير والاسس والضوابط التي تحافظ علي كينونة المجتمعات وتماسك وحدتها الوطنية.

الإعلام والعمل العربي المشترك

الطرح الإعلامي الحالي الذي يوتر العلاقات العربية-العربية يقوم به أناس تضاءل لديهم الضمير المهني على الأرجح، لأنهم يجعلون العمل العربي المشترك في مهب الريح . وبغض النظر عن التوجهات السياسية، فإن مهنة الإعلام وهي مهنة حساسة، تفرض على الصحفيين والإعلاميين أن يكون لديهم الحس الوطني والقومي للحفاظ على المكتسبات والمنطلقات المشتركة بين الشعوب العربية.

فإذا حدث خلاف سياسي بين بلدين عربيين، فإن مهمة الإعلامي والصحفي أن يكون لديه رسالة نبيلة، من خلال طرح إعلامي موضوعي ، مذكرا بالوشائج التي تجمع، وبالقيم الأصيلة المشتركة، وان يكون رسول خير كما يقال، وهذا يعطي زخما إعلاميا لاحتواء الأزمة، والوصول إلى حل بشأنها، وحتى الأنظمة السياسية سوف تتماشي مع الطرح الإعلامي الذي يجتذب الرأي العام العربي، ومن هنا تكون وسائل الإعلام،هي التي تحافظ علي العمل العربي المشترك وان يكون الحوار هو أساس الحل لأي خلاف عربي-عربي.

الجامعة العربية، ووزراء الإعلام العرب، عليهم مسؤولية تاريخية للجم هذا المحتوي الإعلامي الخطير، الذي يعد ظاهرة في غاية السوء، ولها انعكاسات وإبعاد اجتماعية خطيرة خاصة على الاجيال الجديدة، وعلى التماسك بين المجتمعات ، وحتى الافراد حيث هذه الرسائل الإعلامية اللحظية والتي تمارس بشكل بشع علي عقول وقلوب الناس البسطاء ، وتخلق تلك الكراهية، تعد هي الأخطر على تماسك الشعوب مع بعضها البعض.

ان قيم التسامح والبعد عن البغضاء واستخدام اللغة الرزينة ، حتى عند الخلاف يعد امرا مهما، وأظن ان ما يجمع اهل هذه المنطقة شيء اكبر بكثير من الخلاف العابر، ولا شك ان الرجوع عن الخطأ فضيلة ، كما يقال في التراث العربي ، وخير الخطائين التوابون كما في شريعتنا الاسلامية السمحاء.

العرب لديهم إمكانات كبيرة وعلى ضوء الأرقام المعلنة من خلال إحصائيات دقيقة فان التكامل الاقتصادي العربي، ان حدث يجعل العرب القوة الاقتصادية الرابعة عالميا ، والكثير من الأرقام المذهلة، لو توصل العرب ومن خلال إرادة سياسية أن ينسوا الماضي، وينطلقوا بقلوب صافية لخدمة امتهم وشعوبهم ، وأن يتركوا الشطحات والصراعات التي لا تجلب سوى الدمار والكراهية.

الإعلام العربي لابد أن يراجع نفسه خاصة تلك المجموعات المصرة عله توجيه خطاب الكراهية والطائفية، وخلق الفتن والعداوات، وهي لا تخدم الانظمة السياسية، بل تضرها في واقع الامر، مما يتوجب علي النظام الرسمي العربي إعادة النظر في السياسات الإعلامية المنفلتة، والرجوع الي إعلام عربي متزن يتسم بخدمة المصالح العربية، وخدمة التنمية، والنقد الموضوعي والحفاظ علي هوية الامة، وإصلاح ذات البين، حتي تتفرغ الامة العربية الي التنمية المستدامة، واللحاق بركب التحديث والحضارة الانسانية المعاصرة.