الملف السياسي

معادلة « ط + ط » .. ركيزة أساسية للتنمية الشاملة

22 يناير 2018
22 يناير 2018

عماد عريان -

,, معادلة « ط + ط » هي ببساطة تعبير عن قطاعي «الطرق والطاقة» وهما بالفعل من أهم ركائز التنمية الشاملة والمستدامة، ولم تعد النظرة إليهما باعتبارهما من مقومات البنى التحتية فحسب ولكن باعتبارهما من مجالات الاستثمار الكبرى على كل الصعد المحلية والعالمية ,,

الدور المزدوج الذي تلعبه صناعة الموانئ والطاقة يتسم بالحيوية الشديدة بالنسبة للتنمية الاقتصادية، لما لهما من أهمية كبيرة في تحقيق الكثير من النتائج مثل جذب الاستثمارات وضخ المزيد من الأموال الضخمة في مشروعاتها بما يترتب على ذلك من إيجاد عشرات الآلاف من فرص العمل والتوظيف للشباب، وهذا في حد ذاته هدف محوري وأساسي من أهداف التنمية الاقتصادية، وكثيرا ما اعتبرت الطرق ومشروعات الطاقة من المشروعات الخدمية المهمة في منظومة البنى التحتية، وهذا صحيح من ناحية تهيئة البيئة الصالحة للأعمال والمعيشة معا، ولكن الهدف الآخر لهذه المعادلة «معادلة الطرق والطاقة» تؤكد أن الاستثمارات الضخمة التي تحتاجها هذه المشروعات جعل مجالات الطاقة والطرق بكل أشكالها مجالا لدعم التنمية الاقتصادية ذاتها، فأصبح الاستثمار في إقامة البنى التحتية هدفا قائما بذاته لكثير من الشركات العالمية الكبرى للعائد الضخم المتوقع منها.

وإذا ما كان الحديث عن التنمية الشاملة والمستدامة سواء الصناعية أو الزراعية أو التجارية، فليس هناك شك في أنها لن تتحقق إلا باكتمال البنية التحتية اللازمة لذلك بمفهومها الشامل كذلك، وتحتل الطرق والطاقة مكانة شديدة الأهمية في أولويات البنى التحتية، ثم ليست مبالغة التأكيد على أنه بدون طاقة وكهرباء وطرق لا تنمية ولا حياة، والحديث عن الطرق هنا يتضمن الحديث عن كل الطرق على اختلاف أشكالها البرية والبحرية وما يرتبط بها من ممرات حيوية وموانئ حديثة، فشق الطرق هو الضامن الأكبر لدعم التنمية العمرانية، ولنتأمل قناة السويس في مصر، قبل شقها في عمق الصحراء أواخر القرن التاسع عشر لم تكن هناك أي مظاهر حياة باستثناء مدينة السويس القديمة، وكانت في حالة شديدة البدائية، إلا أنه مع شق القناة وبتطويرها المستمر ولدت مدن ومجتمعات عمرانية عملاقة مثل بورسعيد والإسماعيلية وبور توفيق وبور فؤاد والقنطرة وارتبط بها مشروعات عملاقة في مجالات مختلفة من بينها إقامة سلسلة من الموانئ الضخمة لخدمة التجارة وحركة الاستيراد والتصدير والشاحنات والبرادات وكذلك لدعم الحركة السياحية والسفر عبر الموانئ .

كل ذلك لم يكن ممكنا لولا الشريان البحري الحيوي الذي تم شقه في قلب الصحراء على امتداد مائة وتسعين كيلومترا، ومن المعروف الدور الحيوي الذي تلعبه قناة السويس وموانئها ومشروعاتها في دعم الاقتصاد المصري بموارد وعائدات ضخمة وإمكانات تشغيل هائلة، وهي القناة ذاتها التي تمنح مصر الفرصة الآن لإقامة مشروعها العملاق المعروف باسم «محور تنمية قناة السويس»، ويعني ذلك أن الموانئ لا تستفيد بطرق النقل الأخرى سواء كانت بحرية أو برية أو سكك حديدية أونهرية فحسب، لكنها كذلك تساهم في بناء مناطق صناعية عملاقة على غرار منطقة « الدقم » بأنشطتها المتنوعة والتي من شأنها جذب استثمارات عالمية ضخمة وتوظيفها من جانب الشركات العالمية الكبرى لإقامة صناعات ضخمة في مختلف المجالات والتخصصات وما يرتبط بها كذلك من صناعات مساعدة في مجال التغليف والتعليب وصناعة وسائل النقل والحاويات لخدمة الصناعات الأخرى أيا كان نوعها وحجمها.

إن الموانئ والنقل البحري يمثلان الشريان الرئيسي للدول ومؤشر للتطور والتنمية في مختلف المجالات، وتشهد الموانئ والنقل البحري طفرة بكل المقاييس في جميع المجالات سواء الهندسية ، والإدارية أو التشغيلية، فقد أثبتت التجارب العالمية أن صناعة اللوجستيات هي إحدى أهم عناصر التطور الاقتصادي في العصر الحديث وهي الممر الاستراتيجي لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وإن التعرف على صناعة اللوجستيات في مجال النقل والتجارة بالتسهيلات والإمكانات المادية والبشرية والتنظيمية والتكنولوجية التي من خلالها يمكن تحقيق عملية نقل آمن وسليم للبضائع في أقصر وقت ممكن وأقل تكلفة وفى المواعيد المحددة مع الاستفادة من مرور البضائع بتخليق صناعات القيمة المضافة بإنشاء مناطق لوجستية تقوم بأعمال التخزين والتجميع والتغليف والتعبئة وخلافه، كما يمكن إقامة بعض الصناعات الخفيفة التي تقوم على الموارد الطبيعية الموجودة بالقرب من هذه المناطق ويتطلب نجاح صناعة اللوجستيات توافر بنية تحتية متكاملة وموارد بشرية مدربة وكذلك مناخ تشريعي واستثماري يساعد على جذب رؤوس الأموال، كما يعتبر الموقع الجغرافي للمناطق اللوجستية على خطوط الملاحة العالمية وقربها من الموانئ المحورية من أهم علامات النجاح، ويكفي إلقاء نظرة على حجم الأعمال والحركة والنشاط في موانئ عالمية كبرى مثل سياتل ولوس أنجلوس بالولايات المتحدة وشنغهاي وسنغافورة وروتردام في هولندا وهامبورج في المانيا وانتويرب في بلجيكا لندرك بشكل عملي وعلى أرض الواقع الدور الكبير الذي باتت تلعبه - ومنذ فترة - صناعة الموانئ في دعم الاقتصادات الوطنية وكذلك النمو العالمي.

وفي ضوء هذه الحقائق الراسخة فقد أصاب مؤتمر عمان للموانئ الذي استضافته السلطنة الأسبوع الماضي أهدافه الصحيحة عندما قرر الإسراع بإنشاء ممرات تجارية بحرية مع الأسواق الناشئة عالميا وتعزيز وتيرة الأعمال الداعمة لنمو الموانئ من تعبئة وتغليف وغيرها ، والعمل على تبني التقنيات الحديثة لإدارة قطاع الموانئ بما يعزز من سهولة الإجراءات وزيادة حركة التجارة البحرية ، مستفيدا في ذلك وعلى حد تعبير كثير من المسؤولين والخبراء ، من ارتباط السلطنة بالبحر ارتباطا قويا على مر التاريخ، حيث تفاعلت عبره الحضارة العمانية مع حضارات العالم، في حين أن الموانئ أسهمت - ولا تزال تسهم - بالدور الأبرز في حركة التجارة والاقتصاد العالمي وكذلك الحال في الاقتصاد المحلي.

وتواصل السلطنة مسيرتها بالتأكيد على الاهتمام المتزايد من جانب حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - بالموانئ والقطاع اللوجستي ككل ليحتل مكانته كأحد أبرز قطاعات الاقتصاد وموارد الدخل العام للدولة، خاصة وأن الخطط المتعاقبة والرؤى الاقتصادية بدأت تثمر على أرض الواقع، وأن ما وصلت إليه مستويات الموانئ العمانية حاليا بالفعل يدعو للفخر، كثمار لتضافر جهود كل الأطراف الفاعلة انعكست في تحقيق قفزات نوعية في أداء الموانئ ، وتحول جاد في استراتيجيات جذب الأعمال، ولا شك في أن المقومات التي تتمتع بها السلطنة في هذا المجال تفتح لها إمكانات كبيرة للنمو والتطوير بإنشاء المزيد من الموانئ المتخصصة والمناطق الصناعية والتجارية المرتبطة بها سواء من خلال خطط التنمية الوطنية طويلة المدى أو من خلال استقطاب الشركات الدولية الكبرى و الاستثمارات العالمية والقطاع الخاص للمساهمة في رفع كفاءة ومعدلات الأداء ، وبالتالي إيرادات هذا القطاع الحيوي.

هذه السياسة نفسها يجب أن تحكم الشق الثاني من المعادلة، وهو الشق المتعلق بالطاقة ، فحقا بدون طاقة لا كهرباء ولا تنمية، فالطاقة بكل أشكالها وأنواعها ضرورة لدعم وإقامة المشروعات الصناعية والزراعية والإلكترونية فضلا عن مساهمتها الكبرى في الخدمات الاجتماعية كالسكن والصحة والتعليم والسياحة، وإذا كان هذا الدور الخدمي للطاقة في دعم القطاعات الحيوية الأخرى، إلا أنه من الضروري - وكما كان الحديث عن الطرق والنقل والموانئ - الاقتناع بأن مشروعات الطاقة تمثل هي الأخرى مجالا للاستثمارات والتنمية الاقتصادية الشاملة، وليس خافيا أن صناعات الطاقة بشكل عام تشكل على وجه التقريب القطاع الثاني الأكثر مساهمة في الناتج العالمي بعد صناعة السيارات.

وبذلك يتضح أهمية دور قطاع الطاقة في دعم الاقتصاد والنمو الوطني والعالمي، أضف إلى ذلك أن صناعة الطاقة أصبحت مجالا مهما لتصدير الكهرباء بما يحقق مزيدا من الإيرادات، وإذا كان الوقود الأحفوري يمثل حتى يومنا هذا المصدر الأساسي للطاقة في كل أرجاء العالم، إلا أن هناك شواهد عديدة تؤكد أن المصادر النظيفة والمتجددة مثل الخلايا الضوئية والشمسية ومحطات الرياح هي المصدر المستقبلي لتوليد الطاقة، وقد أصبح لها بالفعل حصة ضخمة من مصادر الطاقة على الصعيد العالمي، ومن المتوقع زيادة هذه الحصة سنة بعد أخرى نظرا لطبيعتها وخصائصها ودورها الحيوي في دعم الاقتصاد والتنمية كعنصر مساعد للصناعات الأخرى أو كسلعة للتصدير.