المنوعات

محسن الكندي يقرأ «مناخات جبل الشيبة» والتاريخ عبر محرر صحفي

21 يناير 2018
21 يناير 2018

رفد المكتبة العمانية بكتابين توثيقيين في الأدب والتاريخ -

«عمان»: أصدر الباحث العماني الدكتور محسن بن حمود الكندي كتابين جديدين رفد بهما المكتبة العمانية. والكتابان توثيقيان في مجالي الأدب وتاريخ الأدب والتاريخ العماني اعتمد فيهما الباحث أسلوب التوثيق واستقراء الوثائق.

الكتاب الأول «مناخات جبل الشيبة» صادر عن دار رياض الريس، وهو عبارة عن كتابين في كتاب واحد. تناول الأول بالدراسة والتوثيق الشيخ القاضي إبراهيم بن سيف الكندي، أما الثاني فتناول ابنه الشاعر الشيخ مالك بن إبراهيم الكندي.. والذي جمع الباحث ديوانه وقدم ترجمة أدبية تفصيلية له. ويندرج الكتاب كما يؤكد الباحث في دائرة التوثيق والتأصيل. أما الكتاب الثاني فحمل عنوان «التاريخ العماني وأحداث المجتمع في مدونات المحرر ناصر بن سالم المسكري»، والكتاب صادر مع العدد الجديد من مجلة نزوى.

مناخات جبل الشيبة

حاول الباحث الدكتور محسن الكندي في كتاب «مناخات جبل الشيبة» اقتفاء كتب «المدونات» و«الكواشف» المعروفة عند العرب من أجل إخراج نتاج الشخصيتين اللتين يدرسهما في كتابه، واضعا خطابهما الأدبي وتأثيرهما أمام الباحثين والنقاد «بغض النظر عن مستوى الخطاب وعلاقته بالسياقات الزمنية المعيشية بعد أن ظل غارقا في أتون التغييب ينال منه الزمان بالنسيان والتجاهل» كما يؤكد ذلك الباحث.

لكن المطالع للكتاب يجد كما كبيرا من المعلومات والتتبع الدقيق للشخصيتين وفق أسلوب منهجي يضع الشخصيتين في صميم الذاكرة الثقافية العمانية.

ولا غرابة في الأمر فالشخصية الأولى التي تناولها الباحث هي شخصية الشيخ إبراهيم الكندي وهو أحد كبار قضاة عمان في المحكمة الشرعية، وكان له «باع طويل في إرساء العدالة والحق وتوطيد أواصر الوئام بين الناس على مدى خمسين عاما من حياته». وكانت شخصيته القضائية تتميز بكثير من الحزم والضبط المشكلين لشخصية القاضي.

ووفقا للكتاب فإن للشيخ إبراهيم بن سيف الكندي دورا في رفد المكتبة العمانية بنوادر المخطوطات والوثائق هي في الحقيقة سليلة مكتبة وفكر أجداده المفكرين الأجلاء أمثال مفتي عمان في عصره فضيلة الشيخ العلامة سعيد بن أحمد الكندي، والشيخ سيف بن أحمد الكندي، والعلامة أحمد بن عبدالله الكندي صاحب «المصنف»، والشيخ الفقيه محمد بن إبراهيم الكندي صاحب «بيان الشرع».

وتوصل بحث الدكتور محسن الكندي إلى القول إن شخصية الشيخ إبراهيم بن سيف الكندي رغم التزامه بسمت علماء عمان وفضائلهم إلا أنه كان متوائما مع طوارئ العصر ومستجداته. فكان على سبيل المثال «من أوائل الشخصيات العمانية التي اقتنت السيارات وتعاملت مع المذياع في وقت كان يراه المجتمع مدعاة للضلالة والبعد عن الدين، ولم يفكر بأن الحديد قد نطق، وأن القيامة ستقوم في القريب كما ظن بعض أقرانه، بل تعامل معها بحس حضاري كوسيلة من وسائل الحياة الجديدة ومعطى من معطيات العصر في بعديه الثقافي والتقني».

كانت هذه الميزة هي ـ في الغالب ـ التي تنبه لها السيد سعيد بن تيمور وجعلته يوكل له تدريس ابنه جلالة السلطان قابوس علوم الفقه والعقيدة، ويجعله على رأس محكمة الاستئناف «شعبة الأجانب».

ووجد الباحث خلال بحثه كنوزا من المخطوطات التي تركها الشيخ إبراهيم الكندي وهي تزيد على مائة مخطوطة موجودة اليوم في دائرة الوثائق والمخطوطات بوزارة التراث والثقافة ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، فيما بقي بعضها الآخر في خزانته لدى أبنائه في كل من نخل ومسقط ، وتمثلت في كتب نادرة ودفاتر ومجاميع ودواوين شعر وخطب وكتب ذات طبعات قديمة في الهند وزنجبار والأستانة. كما وثق الباحث لمباحث أساسية لدى الشيخ تتعلق بالقضايا الفقهية وخطبه في العيدين حيث كان يؤم الصلاة في مسجد الخور بمسقط. كما اقتفى الباحث آثاره الشعرية عبر مقطوعات ولطائف يقول الباحث إن الكثير منها ضاع وما بقي إلا القليل.

وفتح البحث جانبا اقتصاديا كشف تفاصيل امتهان الشيخ إبراهيم لتجارة النقل وعالم السيارات التي بدأ يمتلكها منذ ثلاثينات القرن الماضي حتى وصل عدد السيارات التي يمتلكها هو وابنه مالك في عام 1966 إلى حدود 40 سيارة وهو عدد كبير جدا مقارنة بالأوضاع في عُمان في تلك المرحلة.

ويوضح الباحث أن الشيخ إبراهيم بن سيف الكندي وإن كان قد عايش مراحل سياسية مختلفة من تاريخ عُمان بدءا بعهد الأئمة سالم بن راشد الخروصي ومحمد بن عبد الله الخليلي وغالب بن علي الهنائي ومرورا بعهود السلاطين السادة تيمور بن فيصل، وسعيد بن تيمور، وجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وعمل معهم في مؤسسات سياسية متباينة إلا أنه «احتفظ بشخصيته المستقلة في القضاء وكان لا يساوم في العدل، ولا يقبل أن يخرج عن الحق، وقد اشترط منذ أن عمل في محكمة مسقط بأن لا يحكم في الدماء وأن يظل بعيدا عن هذا المطلب القضائي».

ويؤكد الباحث أن «أكثر ما يشد في شخصية الشيخ إبراهيم علاقاته الواسعة والحميمة برجالات الحكم في البلاد؛ إذ تشير الروايات التي استمعنا إليها «الكلام للباحث» إلى علاقته المباشرة بالسلطان سعيد بن تيمور، فقد كان يطلبه ليصلي بالناس صلاة العيدين بمسقط وصلالة، كما خصّه بتدريس ولده جلالة السلطان قابوس علوم اللغة العربية والشريعة في صلالة لفترتين أولهما لمدة ثلاثة أشهر بين عامي 1966م و 1967، وكان يذهب إلى القصر بصلالة من مسقط عبر الطيران العسكري، ويقيم هناك ويؤدي مهمته العلمية، ثم يعود إلى مسقط حيث عمله بالمحكمة الشرعية، ومما كان يرويه عن جلالة السلطان قابوس: «أنه كان نبيها ذكيا فطنا أتقن فهم علم الأصول ومنه علم الميراث في ثمانية وعشرين يوما فقط ». وكان صاحب الجلالة يوليه عناية خاصة بعد توليه مقاليد الحكم في السبعينيات وقد زاره ـ كما روي لنا ـ «والحديث ما زال للباحث» عندما داهمه المرض في مستشفى «النهضة» للاطمئنان عليه في لفتة إنسانية بالغة وفاء منه وتأكيدا للقيم الأخلاقية العالية التي يتحلى بها جلالته».

وفي الجزء الثاني من الكتاب يتناول الدكتور محسن الكندي شخصية الشيخ الشاعر مالك بن إبراهيم بن سيف الكندي والتي يعرفها الباحث بأنها «شخصية شعرية أنتجت قصائد مخطوطة قدر لنا جمعها وإعدادها للباحثين والمهتمين وهي مشروع ديوان متكامل».

والشيخ مالك بن إبراهيم الكندي من مواليد مسقط عام 1935.

عاش الشيخ مالك في كنف والده الفقيه القاضي، وارتوى من حياض علمه، ومن سديد توجيهاته، وكريم قيمه وأخلاقه، وهو وإن كانت مدينة «مسقط» مكان صرخته الأولى إلا أن ولاية نخل ظلت على الدوام عشقه ومهوى قلبه وفؤاده، ففيها عاش طفولته الأولى والتقى برفاق وزملاء دراسته بحسب الكتاب.

لكن الشيخ مالك اهتم بالتجارة ولم يتقلد مناصب حكومية في حياته العملية غير وظيفة يتيمة واحدة هي كاتب الصكوك بالمحكمة الشرعية بمسقط، وكانت لفترة وجيزة لا تتجاوز العامين. واشتغل بتجارة النقل والسيارات وفتح محلات قطع الغيار.. وكان لهذه التجارة صدى في بعض شعره كما يورد ذلك الباحث في الكتاب.

وفي جانب المشاركات الخارجية التجارية شارك الشيخ مالك منتدبا عن المجلس البلدي بمسقط في مؤتمر «رجال الأعمال» ببيروت وكان ذلك في مطلع السبعينيات من القرن العشرين، وكانت له لقاءات برجال الأعمال العرب والأجانب هناك، وتوطدت علاقاته بهم بعد رجوعه، وكان ذلك دافعا له لمزاولة مهنة التجارة وخاصة في عالم السيارات و«قطع غيارها».

كما شغل الشيخ مالك عضوية المجلس الاستشاري في دورته الأولى ثم في الدورة الثانية التأسيسية، كما انتخب في دورة مجلس الشورى الأولى وعين عضوا ممثلا لولاية نخل.

وكان الشيخ مالك شغوفا بالسفر والترحال وله الكثير من الأشعار في توثيق سفره شعرا متحدثا عما رأى باثا مشاعره فيما كتبه من أبيات حول تلك الأسفار، وهذا كما يقول الباحث «توثيق أصيل في المدونة التراثية التي تكثر في الدواوين الشعرية ونجدها عند أغلب شعراء مرحلته شأن الشيخ سعيد بن حمد الحارثي، وسعيد بن خلف الخروصي، ومحمود الخصيبي وغيرهم ممن شغفوا بالرحلات وعشقوا السفر وتكاد دواوينهم تمتلئ بنماذج منها».

ويورد الباحث أن الشيخ مالك شارك في المسابقة الشعرية الأولى التي أقامتها وزارة الإعلام والثقافة عام 1976، ونشرت نتائجها في كتاب تذكاري، وحلّ فيها الشيخ مالك بالمركز الثامن، وشارك فيها بمعيته كل من أبي سرور، وأبي عبيدة، وناصر بن سالم المعولي، وموسى بن عيسى البكري، وعبدالله السدراني، وسالم بن سليمان البهلاني، ومحمد بن علي الشرياني، ومحمد بن سيف الأغبري وعبدالمجيد الأنصاري، ويعقوب بن عبدالله الهاشمي، ومحمد بن عبدالله البوسعيدي، وجل هؤلاء مشايخ وقضاة وشيوخ قبائل.

ويورد الباحث أيضا أن علاقة وثيقة ربطت الشيخ مالك بالشاعر السوداني التيجاني سلمان بشير المقيم بإمارة أبو ظبي، وكان يزوره زيارات متكررة. كما كان له بعض الحضور في الصحافة المحلية من خلال نشر بعض المقالات الأدبية.

وكان حدث وفاته جللا بكل معنى الكلمة حيث توفي بتاريخ 17 نوفمبر عام 1994 وهو يلقي قصيدة في حفل ولاية نخل بمناسبة عام التراث وسط ذهول الجميع.

وحسب الباحث فإن أغراض الشعر التي تناولها ديوان الشيخ مالك تتمحور في العلاقات الإنسانية والإخوانيات والغزل والمديح السياسي والشعر السياسي الوطني وفي المواقف الفكرية. ونظم الشيخ في فن الموشحات الأندلسية.

ويرى الباحث أن الصور الشعرية في الديوان كانت خافتة غير مكثفة في أغلب الحالات عدا ومضات قليلة «منها ما هو جديد مبتكر كوصفه شعر الفتاة المجدول بأنه منساب يتلوى كالتواء الأفعى». وهذه الصورة وردت في قصيدته.

«التاريخ العماني وأحداث المجتمع»

صدر كتاب «التاريخ العماني وأحداث المجتمع في مدونات المحرر الشيخ ناصر بن سالم المسكري» مع مجلة نزوى في عددها الصادر مطلع يناير الجاري.

ويسلط الكتاب الضوء على مجموعة من التقييدات والمراسلات التي شكلت رافد مهما للكشف عن الحياة العمانية ببعديها التاريخي والاجتماعي عبر أدبيات المحرر الذي كاتَبَ السلاطينَ والأئمةَ والشيوخَ والأعيانَ في أربعينات القرن العشرين وخمسيناته» وفق ما جاء في عتبات الكتاب الأولى.

وكتب الدكتور محسن الكندي في تأطير كتابه يقول «هذه المدونات كذلك، أصيلة الحدث الذي كتبت فيه، وفيها فيض وإسهاب لكل ما اعتمل في الساحة المحلية والعربية من طوارئ وتحولات، إضافة إلى كونها كتبت بلغة هي أميل إلى السرد التوثيقي منه إلى النقد وإبداء الرأي والتحليل، واتخاذ الموقف وهي تعكس رؤية كاتبها ورغبته في تسجيل كل شيء يحيط به ، فالمحرر ناصر بن سالم المسكري ما هو إلا جامعٌ لأخبار، وموثقٌ لأحداث، ومؤصل لمواضيع هي أميل إلى التحقيقات الصحفية والتحرير التوثيقي لا غير».

ويكتب محسن الكندي في مقدمة كتابه: إن شخصية المحرر الشيخ ناصر بن سالم المسكري، شخصية ثقافية اجتماعية أدبية جامعة، عُرفت في محيطها المحلي ولاية إبراء وما حولها بالتدوين الدائم، والكتابة لكل شيء، فبقدر ما حضرت في مجتمعها المحلي لتوثيق كل شيء، لم تحظ ذاتها بالتوثيق والتناول، فحضرت لدى مؤلف الكتاب بإنتاج وفير ووثائق بلغت أعدادها عشرات الوثائق إن لم تكن المئات، وكم كانت فرحته بهذا الإنتاج الوثائقي كبيرة مثيرة ؛ لدرجة ظل فيها عاجزا عن الإحاطة بها في كافة مساراتها المعرفية ... فكاتب هذه المدونات الشيخ ناصر بن سالم الصحفي والمحرر والخطيب والمؤرخ وكاتب الصكوك وجامع الأخبار، شخصية ما فتئت طيلة حياتها وهي تحمل مدادها وأوراقها وكراريسها الطويلة المميزة لتحبّر وتكتب وتوثق، وكأن الكتابة ديدنها الدائم، بل ألَقَها المتكرر الذي لا ينضب أبدا.

إن هذه الجذوة الثقافية الممتدة حد الأفق التي حملتها هذه الشخصية بكل ما تلقته من معرفة ودراية أولية، هي بامتياز شخصية المثقف الموسوعي الناجح الذي يأخذ من كل فن بطرف، يأخذ ليكتب في ظل مجتمع محلي كان يرى الكتابة الحديثة ضربا من ضروب التوثيق والتعليم وتأسيس الخطاب المرجعي.

ويرى الباحث أن المحرر ناصر بن سالم بن سلطان المسكري مجتهدًا في كل ما كَتَب وقدم، ورائدًا في بعض ما حرّر وأصّل، ونحسب له مكانة في التاريخ الاجتماعي المحلي، في الأماكن التي عاش فيها؛ بدءا من موطنه قرية النصيب بولاية إبراء وما حولها، وانتهاء بديار الشرق الإفريقي التي قضى فيها ردحا من حياته، وأن أعماله جديرة بالتحقيق والتقديم للثقافة العمانية والعربية، لأن مكانتها مكانة المنتقيات والمختارات التي عُرفت في الثقافة العربية القديمة وقدمت نموذجًا للمثقف الموسوعي، الذي يختار من كل فن طرفًا، وينتقي من كل بستان زهرة؛ لتكون المحصلة مجاميع عامرة بأخبار وقصص وتواريخ حظها اليوم من النسيان كبير، لولا قلمه ويراعه. تعضد كلّ ذلك الوثائق والمراسلات التي تعكس حراك مرحلته وثقافة عصره، وما أروعها من ثقافة !

ومن جانب آخر؛ يحسب له دأبه الدائم وهمته العالية في التحرير والرصد، وأنه نذر نفسه خدمة للكتاب والدفتر والمجموع والسجل والقرطاس والقلم، وهي سمات المثقف الأصيل الذي عكس بامتياز ثقافة المجتمع العماني في ذلك الزمن الصعب، بأدوات بسيطة تشكل لبنة أساسية من لبنات المعرفة في سائر العلوم الإنسانية، فحمل الأمانة وأدى الرسالة، وترك للأجيال إرثا وثائقيا مفيدا، يعكس جانبا من التاريخ العماني في العصر الحديث.