أفكار وآراء

العرب .. وضرورة الحاجة لمعرفة عالم اليوم !!

20 يناير 2018
20 يناير 2018

مرتضى بن حسن بن علي -

[email protected] -

إعادة الثقة والتعاون الوثيق بين الدول العربية، ومنها دول مجلس التعاون، سوف يحتاج إلى كثير من الجهود المخلصة والتضحيات المتبادلة والفهم المشترك لطبيعة المشاكل والتحديات التي تواجهها كل الدول منفردة ومجتمعة ويستغرق ذلك وقتا ليس بالقصير بسبب كل الأزمات التي واجهتها، وتداعياتها بما في ذلك طبيعة الألغام التي ما زالت موجودة، والمرشحة للانفجار في أية لحظة، فالشكوك التاريخية- القريبة منها والبعيدة- قد تأخذ فترة طويلة لتجاوزها، وقد تعود مجددا في حال تبدل الظروف الإقليمية والدولية بسبب طبيعة بعض المشاكل الهيكلية الموجودة والأمراض التي أنتجتها.

ولمعالجة أي مرض مهما كان، عضويا أو سياسيا أو اقتصاديا، فلا بد بداية من الاعتراف بالمرض وإيجاد توصيف دقيق عما يعانيه المريض لكي يتسنى للطبيب تشخيصه قبل إيجاد العلاج المناسب له. وقبل أن يقدّر الطبيب تشخيص المرض عليه أن يرسل المريض إلى مجموعة من الأطباء المهرة الآخرين لإجراء الفحوصات المختلفة. وإذا يقال في الطب أن تشخيص الأمراض نصف الطريق إلى علاجها، فإن القول نفسه ينطبق على «الأمراض السياسية والاجتماعية والاقتصادية». ووسائل الفحص لا أول لها ولا آخر منها التحاليل المعملية، كيمياوية ومناعية وجينية. وهناك وسائل التصوير بالأشعة التي تنفذ إلى كل موقع من الجسم. وهناك الدراسات الفسيولوجية والكهربية تختبر كل جزئية. وهناك المناظير الداخلية التي تخترق أعماق الجسم، وهناك تحاليل ودراسة الأنسجة لفك طلاسم التركيب البشري ذاته.

ويبدو واضحا رغم كل الأزمات التي واجهتنا وكل الاجتماعات التي عقدناها والتقارير التي كتبناها وكل الاتفاقات التي وقعّنا عليها فإنها لم تسعفنا والذي يعني وجود خطأ في التشخيص وبالتالي وجود خطأ في العلاج والذي يتطلب ضرورة إعادة الفحص بما يستجد من وسائل قادرة على الإحاطة بكل أبعاد واقعنا إذا كانت إرادة الشفاء وكذلك إرادة الصحة متوفرة. وعكس ذلك سنصل إلى محظور ضياع الفرصة، محظور استسلامنا لعملية نحر وتأكل لا نعرف إلى أين سوف توصلنا، محظور الاندفاع إلى الفوضى الشاملة ولفترة قد تطول، حتى تبرز قوة في الداخل تقدر على ضبط الأمور أو الأخطر تجيء من الخارج قوة تتولى هذه المهمة. وربما أن هذه الفوضى الشاملة قد تسحب- وفِي الغالب أنها سوف تسحب- زلازل عنيفة على شقوق وانفلاقات جاهزة للزلازل، وهذا هو أخطر الاحتمالات على أي مستقبل عربي، وسط كل الإمكانات الهائلة الزاحفة ونحن نقترب من العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.

لا تزال الحدود بين أقطار الدول العربية، مسار قلق وتوتر ولَم تزل هذه الدول عاجزة حتى الآن عن الوصول إلى حلول جذرية تبطل فتيل هذه القنابل الموقوتة، التي تهدد بالانفجار في أية لحظة. وربما ان الاستثناء كان توقيع عمان على اتفاقيات مع كل الدول التي لها حدود مشتركة معها. والتوقيع النهائي على اتفاقية الحدود بين السلطنة والجمهورية اليمنية في عام 1992، على سبيل المثال، ستظل ساطعة في الخليج وتاريخه، بوصفها شعاع أمل ونور وسط منطقة تعيش الكثير من الخلافات. لقد تصدت عمان لمسؤولياتها التاريخية والوطنية والقومية لتعطي للخليج وجه عمان بأكمله بالحكمة والخبرة. وتلك الاتفاقية وغيرها أكدت أن التوازن والاتزان والاعتدال والنظرة البعيدة التي رفعتها القيادة العمانية لم تكن ترفا أو بذخا فائضا، وإنما هي ضرورة حياتية تضمن الاستقرار والأمن والالتزام المتبادل بين عمان وكل جاراتها، وأثبتت أن الحلول ممكنة في ظل روح الإخوة والتسامح، وبما يحفظ مصالح كل الأطراف ويصون أمنها واستقرارها، بدلا من أن تتحول هذه المشاكل إلى أزمات مزمنة تعرقل مساعي التنمية وتهدد أجيالها المقبلة. ولعل الاستفادة من النموذج العُماني تكون ماثلة أمام أي تحرك إيجابي لحل الخلافات وتجاوز العقبات بين الأشقاء.

لقد أصبحت الدول العربية حائرة في علاقات بعضها بالبعض الآخر، وحائرة أمام ما يحدث في العالم، وحائرة في كيفية حل تناقضاتها. لقد وصلت الخلافات العربية المختلفة إلى درجات أدت إلى قيام بعض الدول إلى بناء مزيد من دفاعاتها ضد أطراف من المفترض أنها شريكة في مشروع النظام العربي.

أطراف تتحدث عن التضامن ولا تعرف آلياته، وأطراف تتحدث عن الاتحاد ولا تهتم بشروطه، وأطراف تتحدث عن التنمية ولا تملك مستلزماتها، وأطراف تتحدث عن حقوق لها وعليها ولا تعرف طرقها. وأطراف تتحدث عن السلام وتجهل سبل تحقيقه، وأطراف تتحدث عن الحرب ولا تملك وسائلها. انه عالم عربي يعيش في عالم اليوم ولكنه لا يعرف الكثير عن حقائقه للأسف الشديد.

ما شهدته الدول العربية خلال السنوات الماضية كان عبارة عن ألعاب متشابكة متضاربة، لم تنشئ نظاما عربياً جديدا، ولكنها أنشأت حالة من الفوضى العربية، ولا تعرف تقدير نتائجها أو حساب تفاعلاتها في حالة استمرارها، ولا سيما أن المنطقة وما يحيط بها ترتج بالزلازل وتفور بالبراكين وتختلط معها مواريث الإسلام بمؤثرات حضارية مختلفة عنه، إلى جانب قضايا هوية وثقافية وسياسية ومشكلات نمو وغيرها.

وكثير من المناطق لعب فيها المال العربي دورا يصعب فهمه، من الصومال والسودان والعراق وسوريا ولبنان وليبيا وتونس واليمن إلى أفغانستان وباكستان وغيرها. وكل ذلك أدى إلى زيادة في حدة المشاعر الدينية والطائفية والقبلية، وإلى تجارة غير مسبوقة في السلاح والى تحويل المنطقة إلى أكبر مركز لتجارة المخدرات في العالم. وأحيانا تصور المال العربي أن بناء بعض المساجد هنا وهناك كفيل بإعطاء دور له.

وباختصار فقد لعب المال العربي دورا مهما في كثير من المشاكل التي نواجهها وأصبحت رائحة الموت هي الرائحة التي تملأ أجواء كثير من المناطق بالعربي كما أصبحت الأعلام السوداء وصور الشهداء والقتلى هي أول ما يطالع العين في كثير من المناطق التي لعب فيها المال العربي دروا.

أما في الشأن الداخلي لكل دولة فإن معظم الدول العربية أخفقت في حل كثير من مشاكلها الداخلية، من الاقتصاد إلى التعليم إلى التدريب والاجتماع وإيجاد حلول لتوافد مجموعات مكثفة من القوى العاملة الوافدة في بعض أجزائها او إيجاد وظائف للأجيال الجديدة للشبيبة العربية الداخلة إلى سوق العمل. فهل سوف تدرك الآن هشاشة أوضاعها بعد تراجع عائداتها من تصدير النفط وتآكل الاحتياطيات التي تكونت في وقت الفائض، لمواجهة عجوزات الموازنات العامة التي تتفاقم لسد احتياجات الصرف على الباب الأول من النفقات العامة الخاصة برواتب وأجور موظفي الدولة، الذين أصبحوا فائضين عن الحاجة، وأصبحت الدوائر مترهلة أكثر من اللازم؟ وتتجلى خطورة الأوضاع الاقتصادية الراهنة على الدول العربية، عندما تدرك هشاشة القاعدة الإنتاجية نتيجة الإخفاق في بناء قاعدة اقتصادية وتكنولوجيه حديثة.

أصبح ضروريا للدول العربية ان تتجاوز الأزمة بعقلية واضحة وأن تحاول بكل الطرق الممكنة والواقعية أن تتجاوز أسبابها ونتائجها وآثارها برؤية مختلفة، ووضع الأمور في نصابها. من المستحيل بناء مستقبل أو نظام جديد قائم على واقع هزيل وهش. وهذا يعني ضمن أشياء أخرى إيجاد نظرة مختلفة تماما والبدء في إيجاد مؤسسات قوية وفاعلة في مختلف الحقول.