أفكار وآراء

ازدياد أهمية الموانئ العمانية

20 يناير 2018
20 يناير 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

أكدت الأحداث التي شهدتها منطقة الخليج في الآونة الأخيرة على أهمية الموانئ البحرية والجوية العمانية وضرورة استمرارها وانفتاحها على العالم في تقديم الدعم اللوجستي والخدمات للمؤسسات والشركات العالمية في إطار المنازعات والحروب التي تشهدها المنطقة في جنوب الجزيرة العربية وشمالها. وهذا ما حدا ببعض الدول بضخ المزيد من الأموال لإقامة مشاريع اقتصادية كبيرة للاستفادة من المناطق البحرية والمشاريع التي ستقام بتلك الموانئ من جهة، فيما تضع بعض الدول سيناريوهات مختلفة لكيفية الاستفادة من هذه الموانئ في حالة حصول أية حروب مقبلة في المنطقة من جهة أخرى. فالكل على علم بأن صادرات المنطقة الخليجية من النفط والغاز والتجارة الخارجية لها إلى العالم تمر عبر مضيق هرمز الذي تشرف عليه السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهو بمثابة الممر البحري المهم الذي يشكّل أهمية كبيرة للكثير للدول الخليجية المنتجة للنفط وكذلك للدول الصناعية المستوردة لهذه السلعة في القارة الآسيوية والأوروبية وغيرها من الدول الأخرى. فقد أصبحت الموانئ العمانية اليوم محط أنظار العالم، وهناك نمو مستمر في أعمالها اليومية نتيجة لتصاعد الخطوط الملاحية القادمة والمغادرة لهذه الموانئ، فيما تأمل العديد من الدول في تعزيز التعاون مع السلطنة انطلاقا من الأهمية الإستراتيجية لهذه الموانئ ومواقعها من شمال محافظة مسندم إلى جنوب محافظة ظفار.

وخلال مؤتمر عمان للموانئ الذي عقد مؤخرا بمسقط، فقد أكد عدد من ممثلي وخبراء الموانئ المشاركين من الدول الصديقة في هذا الحدث على أهمية إيجاد مزيد من التعاون مع الجهات المعنية بالسلطنة لتطوير البنية الأساسية للموانئ العمانية من جهة، واستغلال فرص الاستثمار بهذه الموانئ نتيجة وقوعها خارج مضيق هرمز وانفتاحها على البحار المفتوحة من جهة أخرى، خاصة وأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في إطار برنامج “تنفيذ” أصبحت تؤتي بثمارها سواء من حيث التقليل من الإجراءات الروتينية اليومية أو من خلال عمل الفريق الموحد للتسويق والترويج لجذب مزيد من الاستثمارات إلى البلاد.

لقد خرج المؤتمر الأخير بعدة توصيات مهمة لتعزيز البنية الأساسية للموانئ العمانية منها الإسراع في إنشاء ممرات تجارية بحرية مع الأسواق الناشئة، من أجل الاستفادة من معدلات النمو الاقتصادي المُرتفعة في هذه البلدان، وبما يحقق العوائد الاقتصادية المأمولة، بالإضافة إلى تعزيز وتيرة الأعمال الداعمة لنمو هذه الموانئ سواء من حيث تقديم خدمات التعبئة أو التغليف أو غيرها من الخدمات الأخرى، بجانب العمل على تبني التقنيات الحديثة لإدارة قطاع الموانئ بما يُعزز من سهولة الإجراءات وزيادة حركة التجارة البحرية. كما يستهدف هذا النشاط إلى القيام بإطلاق حملات ترويجية للموانئ العمانية في الخارج، بُغية تعريف المستثمرين بالمقومات التي تزخر بها السلطنة، والعمل على استقطاب الخطوط الملاحية ورؤوس الأموال إلى البلاد.

لقد ساهمت الموانئ العمانية وما زالت في حركة العولمة والتجارة والاقتصاد العالمي، الأمر الذي يتطلب تعزيز الجهود الوطنية لمزيد من التنمية والتطوير لهذا القطاع واختصاصاته، سواء في أغراض الشحن أوالتفريغ والإنزال والترانزيت والسياحة بجانب العمل على إيجاد التكامل فيما بينها لتصل ثمار هذا التعاون إلى جميع المحافظات العمانية. فالحكومة من جانبها تبدي اهتماما للقطاع اللوجستي عامة، فيما بدأ القطاع الخاص يلعب دوره المرجو من جانبه في تعزيز عمليات الاستيراد المباشرة من الدول المصنعة بعدما كان الكثير من المنتجات والسلع الواردة إلى السلطنة يتم عبر موانئ الدول الشقيقة في المنطقة، الأمر الذي يساعد على تحقيق قفزات نوعية في أداء الموانئ خلال السنوات المقبلة. وقد أبرز معالي الدكتور وزير النقل والاتصالات دور الموانئ في الخطط الخمسية التي عملت بها السلطنة خلال السنوات الماضية بهدف تعزيز التنويع الاقتصادي، مشيرا إلى أن الوزارة خلال إعدادها لاستراتيجيات النمو حرصت على الاستفادة من توقعات نمو الاقتصاد العالمي وعدم الاقتصار على الدورة الاقتصادية قصيرة المدى. كما تعمل في الوقت نفسه على صياغة الاستراتيجيات التي تهم هذا القطاع باعتبارها من الدول البحرية التي تتمتع بسواحل طويلة، بجانب عملها في توظيف التقنيات الحديثة لتعزيز المجالات التجارية وجذب المزيد من الاستثمارات لتحقيق التعافي الاقتصادي، والقيام بخطوات جديدة للدخول إلى الأسواق الجديدة سواء من خلال رفع معدلات الصادرات العمانية غير النفطية، أو استخدام تلك الموانئ في عملية إعادة التصدير (الترانزيت)، مؤكدا على نمو القطاع اللوجستي في البلاد، وما يشهده من تطور في بنيته الأساسية، سواء في المطارات أو شبكة الطرق أو الموانئ أوالمناطق الحرة، فضلا عن مشروع القطار الذي يعد واحدا من أضخم الاستثمارات في البنية الأساسية في السلطنة، والذي تقدر تكلفته بنحو 8 مليارات ريال عماني حال تنفيذه.

إن السلطنة متاح لها فرص عديدة لإقامة المزيد من الموانئ البحرية والجوية بجانب من لديها من الموانئ القائمة حاليا نتيجة للأهمية الجغرافية للسلطنة من جهة ووقعها وسط عدة قارات بين الشرق الغرب من جهة أخرى، الأمر الذي يتيح لها إجراء المزيد من الدراسات لتعزيز شبكة الموانئ البحرية، بالرغم من أن جميعها تشهد اليوم تطورات جذرية في بنيتها الأساسية سواء بميناء صحار أوالمنطقة الحرة التي تقع بها أو بميناء الدقم والمنطقة الاقتصادية في الدقم التي جذبت الكثير من الاستثمارات العمانية والخليجية والعالمية، وكذلك ميناء صلالة والمنطقة الحرة في صلالة، إضافة إلى ميناء السلطان قابوس الذي تحول إلى ميناء سياحي، في الوقت تشهد فيه مدينة مطرح إنشاء مشروع الواجهة البحرية في الميناء لتعزيز الحركة السياحية البحرية.

فالبيانات الإحصائية تؤكد نمو الحركة الملاحية بالموانئ العمانية خلال السنوات الماضية، حيث تمكنت خلال العام الماضي 2017 من مناولة ما يقرب من 4.8 مليون حاوية نمطية، بزيادة قدرها 21% مقارنة بالعام 2016، فيما بلغ حجم مناولة البضائع العامة العام الماضي 18 مليون طن من البضائع، بزيادة قدرها 25% عن العام 2016. وهذه الحركة تحتاج إلى مزيد من الأنظمة المرنة في الإجرءات والتفتيش وعمليات التخليص والشحن والتفريغ وتسهيل حركة دخول وخروج الشاحنات لاستقطاب مزيد من السفن العملاقة إلى هذه الموانئ. ومما لا شك فيه فان العمل على إقامة مشروع السكك الحديدية سيؤدي إلى إيجاد مزيد من الحركة التجارية في المنطقة، وسوف يعزز من عمل الموانئ العمانية والخليجية على حد سواء بجانب تعزيز التجارة الخارجية للسلطنة مع العالم الخارجي. فالأسواق الجديدة تحتاج إلى الترابط المشترك، وفتح قنوات تواصل جديدة عبر الموانئ البحرية والجوية، وبناء جسور التواصل عبر مشروعات السكك الحديدية، الأمر الذي يتطلب تعزيز البنية الأساسية للمشاريع اللوجستية في السلطنة.

لقد أبدت عدد من الدول تقديم تعاونها مع السلطنة في هذا القطاع الحيوي الذي ينمو بصورة تدريجية، ويواكب نظم التشغيل المستخدمة في الموانئ العالمية، إلا أن الأمر يتطلب بحث مزيد من فرص التعاون والاستثمار في الموانئ والمطارات العمانية، وترسيخ أسس التعاون الثنائي والاستفادة من التجارب المشتركة، وتعميق الروابط الثنائية، وضرورة ربط موانئ السلطنة ببعضها البعض عبر التقنيات الحديثة، ثم ارتباطها بموانئ آسيا، بجانب الاستمرار في التطوير المستمر للاستراتيجية اللوجستية العمانية.