1220544
1220544
عمان اليوم

الأنشطة.. مختبر صناعة الذات لطلاب الجامعات

19 يناير 2018
19 يناير 2018

تنمي الشخصية وتصقل المهارات -

تحقيق - رقية بنت شامس الكندية -

يشير الفكر التربوي المعاصر المتعلّق بجانب الأنْشطة الطّلابية ؛ إلى أنّ معْيار نجاح المؤسسات التعليمية يقاس اليوم بقدرة هذه المؤسسات على إحداث نقلة واضحة في شخْصية الطالب؛ إذ يقع على عاتقها مسؤولية السعي الجاد لتنمية الشخصيات الطّلابية وصقْلها؛ وبالتالي بناء أجيالٍ متزنة من جميع النواحي الفكرية والجسمية. وفي سياق متصل تولي جامعة السلطان قابوس أهمية للنشاط الطلابي منذ افتتاحها، فما مظاهر هذا الاهتمام؟ وما مظاهر استفادة الطلبة رغم كثرة الأحاديث السلبية حولها والتي يرتكز أغلبها أنها تستنزف وقت الطالب، في حين أنه في المقابل قد يفضل أن يوفر وقته لأجل المجال الأكاديمي؟. استطلعنا الأمر في السطور التالية.

كافة مجالات الحياة

بداية كيف تنظر الجامعة لمفهوم الأنشطة الطلابية وما الذي يتوفر منها لديها ؟ يقول علي بن ناصر الحضرمي، مدير دائرة النشاط الثقافي والرياضي بالجامعة، إن الأنشطة الطلابية تحتضن كافة مجالات الحياة التي يعيشها الطالب ويتفاعل معها ومع المجتمع المحيط به، فهناك أنشطة وبرامج علمية وأخرى ترفيهية وأخرى اجتماعية واقتصادية ورياضية منها ما يتعلق بالجانب النفسي، إضافة إلى الأنشطة التي تتعلق بالمناسبات سواء كانت محلية أو عالمية. وأضاف إن الجامعة تحرص على تشجيع طلابها على الانخراط الذاتي في الأنشطة بناء على رغباتهم ومواهبهم وتعريفهم بكل الأنشطة والجماعات الطلابية الموجودة في الجامعة ولوائحها وأنظمتها ويقوم الطالب باختيار ما يناسبه وما يشبع هواياته وميوله.

طعم الإنجاز الحقيقي

وإذا كان هذا رأي مسؤول بالجامعة فكيف ينظر طلابها إلى الأنشطة ؟ يقول محمد العمري، طالب بكلية الاقتصاد والعلوم والسياسية، ليست الأنشطة الطلابية مضيعة للوقت وهدر للطاقات، إذا ما كان النشاط متعلقا بالشغف والتوجهات الشخصية، أو له صلة بمجال الدراسة فتمارس ما تحتويه نظرياً في المحاضرات. وعلى سبيل المثال وليس الحصر يذكر العمري أعضاء جماعة الميكاترونيكس الهندسية وهم الأبرز في اختراع الروبوتات وتصنيعها في السلطنة، وبالمقابل فإن طلاب التخصص نفسه الذين يفتقدون الجانب العملي الحقيقي - والذي يكون بالابتكار والاختراع - فإنهم ليسوا سوى حفظة لنصوص لا تملك القدرة على التطبيق وصناعة الفخر والإلهام، والأمثلة كثيرة. وحول ما تتركه هذه الأنشطة على الصعيد الشخصي يقول العمري: الأنشطة التي أنتمي إليها متعلقة بشغفي الشخصي، وذات صلة وثيقة بتخصصي، فما أدرسه في المحاضرة أطبقه خارجها، وعلى هذا النحو أكون ملماً بجلِّ تفاصيل الدروس وغالباً ما أجد نفسي الأكثر خبرة بين زملائي، والأعلى في المعدلات التحصيلية، والأقل من حيث مدة المذاكرة والكمية، وهذا حال معظم من يفعِّل الجانب العملي لمجال دراسته بأي شكل من الأشكال.

قيمة الحياة الجامعية

وحول تجربة الطالب شبيب الفارسي- تخصص علوم ورياضيات، يقول: انضممت لنشاط جوالة وجوالات الجامعة منذ دخولي للجامعة سنة 2014، وقد صقلت لدي الكثير من المهارات كالقيادية، والتفكير البناء، وتنظيم الوقت، ومهارة العمل الجماعي. ويضيف قائلا: كنت عضوا فعالا فتدرجت في المناصب الإدارية حتى أصبحت الآن قائداً لعشائر جوالة وجوالات الجامعة، ولدي مشاركات خارجية في دولة الكويت، وجمهورية آيسلندا -مخيم كشفي عالمي يأتي كل 4 سنوات فقط. ويعتقد الفارسي أن الأشخاص الذين يعرفون ما هي الجامعة بالفعل سيعرفون مدى أهمية ولوجهم للأنشطة، ويؤكد أنه وعلى الرغم من الفوائد الجمة التي قد يحصدها الفرد جراء انخراطه في هذه الأنشطة إلا أنه لا بد من الوعي بضرورة الموازنة بينها وبين الجانب الأكاديمي، ويختصر الفارسي طريق الموازنة في معادلة صغيرة: « خطط، نظم، فكر، ركز على هدفك، من هذا المنطلق الصريح لن يكون لديك عائق ولا مساس بمسيرتك الدراسية».

ترتيب الأولويات

ويعتقد الطالب خميس الصلتي- تخصص تاريخ، أن النشاط الطلابي يعد عاملا مساعدا لتحقيق المعدل الأكاديمي المطلوب، وحول دور هذه الأنشطة في إدارة وقته، يقول: عندما أكون منشغلاً بالنشاط الطلابي أشعر أن وقتي ضيّق، فأحرص على جدولته وتوزيعه على مهامي اليومية، بمعنى أحدد وقتا للمذاكرة، ووقتا للنشاط الطلابي، ووقتا للواجبات الدراسية، ووقتا للارتباطات الاجتماعية. أما إن كنت متفرغاً فقط للجانب الدراسي، دون التزامات أخرى، فإني سأشعر بنوع من وفرة الوقت والفراغ، وبالتالي قد يمضي الوقت دون أي إنجاز دراسي بحجة أنه لدي متسع من الوقت في الساعات القادمة وهكذا دواليك.

وعلى خط مواز يتفق غسان السناوي، طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ويرأس حاليا جماعة التجارة، أن الأنشطة الطلابية أبدا لا تشكل عائقا لمسيرة الطالب الدراسية إلا من أراد ذلك بسوء تصرف منه، ويقول: أذكر أننا اتفقنا -أنا ومن كان معي في إدارة الجماعة- بأن لا تكون الجماعة سببا في انخفاض معدلاتنا الدراسية وأن لا نتغيب عن المحاضرات دون عذر. ويستطرد قائلا: وحصل ذلك، وكانت النتيجة بأن الأغلب حصل على معدلات مرتفعة، وشخصيا حصلت على أعلى معدل في مسيرتي الدراسية أثناء رئاستي للجماعة.

بعض التضحيات

وعن تجربة الطالبة شيماء التوبية- تخصص كيمياء تطبيقية تقول: الأنشطة فتحت لي المجال بمقابلة عدد من الأشخاص ذوي المكانة العالية في المجتمع مثل رواد الأعمال، والمسؤولين في مجلات مختلفة. وتضيف قائلة : ساهمت تلك العلاقات إلى حد كبير في مشاركتي في العديد من المسابقات داخل الجامعة، على سبيل المثال وليس الحصر شاركت في مسابقة تحدي المال التي نظمتها جماعة الابتكار وريادة الأعمال بالتعاون مع فريق «فن بكمين بيسه»، وحصلنا على المركز الثاني مكرر. وتضيف: بفعل جهودي المتوالية كرمت ضمن الطلبة المجيدين في الأنشطة الطلابية لجماعة الابتكار وريادة الأعمال السنه المنصرمة، وأعتقد أن الأمر بحاجة لبعض التضحيات وتنظيم الوقت فقط.

ليست ملاهي!

وتقول الطالبة ريد المعمرية- تخصص علم اجتماع، وتدرجت من العضو للقائد في الأنشطة الطلابية، إن الأنشطة ليست ملاهي لتكون مضيعة للوقت، وحبذا لو كانت ملاهي؛ فالنفس تحتاج للترفيه، والمتعة أحيانا ، موضحة بذلك أن كل ما نمارسه من أنشطة خارج الإطار الدراسي والعلمي هي استفادة واستغلال قوي للوقت والجهد والنفس . وحول ما تركته هذه الأنشطة على شخصها تقول المعمرية: ظروف الأنشطة غيرت ٨٠٪‏ من شخصيتي، وأصبحت أرى نفسي بشكل أفضل من ذي قبل، أتقبل عيوبي بشكل أكبر، وأسعى دائما للتغير للأفضل. واستطلعنا رأي ولي أمر المعمرية حول التحولات التي شهدها في شخصية ابنته بعد الانخراط في هذا المجال وعن مدى رضاه، فيقول: لا ننكر التغيير الذي صاحب شخصية ابنتي بعد انخراطها في هذه الأنشطة، فمع نشأتها في عائلة كبيرة جدا، ومع وجود إخوة كثيرين أكبر منها بالسن، هذا جعل شخصيتها غير بارزة تماما، لكن النشاط غير من ثقتها وأهدافها وطموحاتها الشيء الكبير. ويعرب والدها أنه راض تماما عن الوضع الذي وصلت إليه لما رآه من تحولات كانت إيجابية تماما.

اكتشاف الذات

وتعرج بشائر المرزوقية – طالبة بكلية الحقوق، أن المرحلة الجامعية من أهم المراحل التي يكوّن خلالها الفرد شخصيته، لأنه نوعًا ما يعيش بعض الاستقلالية ويستكشف ذاته واهتماماته وطاقاته التي يمتلكها، مشيرة أن الأنشطة الطلابية متنفسا رحبا لتفريغ الطاقات. واستطلعنا رأي ولية أمر المرزوقية عن مدى رضاها فتقول: أصبحت ابنتي أكثر جرأة واجتماعية عن السابق، وأصبحت أكثر انفتاحا وتعاطيا مع النقاشات الجادة، وإعطاء الرأي في المواضيع، وأصبح التفكير الإبداعي لديها أكثر نشاطا، وأصبحت أيضا تمتلك مهارة تقسيم الأعمال وإدارة الوقت، لذك تنصح كل طالب ألا يفوت الفرصة الذهبية في سنوات دراسته بالاشتراك في الجماعات لتعزيز شخصيته وتطوير ذاته أولا، وللمساهمة بإبداعه في جماعته، وبالتالي جامعته ورد الجميل لها.

الهدف عين الاعتبار

ويقول عمر الأنصاري، طالب بكلية الحقوق: حسب تجربتي الشخصية وانخراطي في إحدى عشرة جماعة ومجموعة طلابية، ومشاركتي في العديد من المسابقات المحلية والدولية، والحصول على عضوية في المجلس الاستشاري الطلابي لمدة سنتين، وكذلك الحصول على عضويات في العديد من الفرق التطوعية؛ لم يكن عائقا دون الحصول على تقدير جيد في الجانب الأكاديمي، بل إن الأمر وفر لي فرصًا كثيرة وقربني من المحاضرين؛ فأصبحوا يستعينون بقدراتي في سبيل إيصال رسائل معينة لأقراني وزملائي الطلبة. ويعتقد الأنصاري أن الأنشطة سلاح ذو حدين؛ فهي مفيدة وداعمة للعملية التعليمية لمن وضع في رؤيته أهدافًا تخدم ذاته، ومؤسسته، ومجتمعه، ووطنه. أما إن كانت غايته هي تمضية الوقت والحديث مع هذا وذاك، واللهو في مسابقات ليس لها مغزى؛ فهنا نعم تتحول إلى وسيلة لمضيعة الوقت والجهد والفكر. واستطلعنا رأي ولي أمر عمر الأنصاري عن مدى رضاه، فيقول: لقد لمست في شخصية ابني بعد انخراطه في بعض الأنشطة الطلابية امتلاكه لمهارات جديدة، وتعزيز مهارات كانت لديه، مثل: مهارة التعاون، والعمل من خلال فرق العمل، مهارة التحدث والمناقشة بأسلوب علمي، مهارة التواصل، مهارة إدارة الحوارات وغيرها من المهارات. لذلك يشعر بالرضى عن ابنه وينصح الطالب الجامعي بالمشاركة في الأنشطة، مشيرا أن ذلك جزء من التعليم بل هو التعليم الحقيقي، مبينا أنه لا يؤمن بحفظ المنهج لكن التعليم الواسع هو الأسلوب الأمثل والأفضل.

المحفز الدائم للدراسة

وترى الطالبة الزهراء السعيدية، تخصص طب عام، أن الآثار التي تُخلفها الأنشطة في شخصية الواحد منها متفاوتة وكل منها تحمل صفة فريدة، يكفي أنك تتعلم، تُنجز وتُعطي، وكأنك تستبدل كل الأشياء غير المرغوبة فيك أو السيئة بالأشياء التي تعبق جمالا، من خلال تجربتها تقول: وجدت أن الأنشطة لم تشكل عائقا أبدا، بل بالعكس كانت تقوم بمثابة المُحفز الدائم لي لأعود أنشط وأقوى في دراستي الأكاديمية، ذلك أن الاعتياد على أداء أمر لمدة طويلة بنفس الروتين الممل يجعل الأداء يتراجع خطوات للخلف والتجديد في هذا الروتين كالمشاركة في الأنشطة والفعاليات يجعل الشخص يُجدد فكره من جهة ومن جهة أخرى يخلق أهدافا جديدة.

كنت سأندم كثيرا!

وتشير مريم الطائية - طالبة بكلية الحقوق، أن انضمامها لمجال الأنشطة كان مجرد صدفة ومن باب حب استطلاع عالم آخر غير قاعات الدراسة، واليوم تتقلد منصب نائبة لجنة التنظيم والتنسيق في جماعة الوعي القانوني وتقول: «وفعلا، لو تخرجت ولم أدخل في جماعة طلابية كنت سأندم كثيرا». وتضيف أن الأنشطة تعطيك ثقة بنفسك كبيرة، تعلمك كيف تتعامل مع عقليات مختلفة غير عن المعتاد عليها، وتعلمك أيضا العمل تحت الضغط ومواجهة الصعوبات، و كيف تتصرف في الوقت بدل الضائع وتعمل أمرا عظيما بالتعاون مع الآخرين، وعلى سبيل المثال تفترض الطائية فعالية تعد لها شهرا وتُلغى فجأه قبل يومين؟! فكيف يمكن لأحدنا أن يتصرف في ظروف مماثلة؟، وتؤكد أن الأنشطة الطلابية فعلا تعلمك كيف تتصرف تحت الضغط. وفي سياق حديثها حول ما تركته الأنشطة على الصعيد الشخصي تقول: الجماعة جعلت شخصيتي أقوى بكثير رغم أنني مسبقا كنت من النوع الخجول.

منفعة المجتمع

ويبين عيسى بن سعيد الصلتي، رئيس المجلس الاستشاري الطلابي بالجامعة العربية المفتوحة، أن أهمية انخراط الطالب في الأنشطة الطلابية تكمن في تفعيل العمل التطوعي الذي يعد النشاط المساند للمؤسسات ذات القطاع الخدمي، ويعزز روح المبادرة لدى الطالب في تقديم الأفكار التي تفيد المؤسسة التعليمية والطلاب وتنفيذها وتطبيقها داخل سُور المؤسسة أو خارجها والتي لاشك تنعكس بالإيجابية في منفعة المجتمع. ويضيف الصلتي أن الأنشطة تعد بيئة لتبادل المعرفة والخبرة، بالتالي فهي تكسب مهارة التعلم التلقائي من خلال العمل كفريق واحد بين الطلاب في هذه الأنشطة.

نحو حياة مهنية

وحول أهمية الأنشطة تقول فاطمة الكندية، خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،: «لقد شاركت في حوالي أكثر من 6 جماعات طلابية خلال مسيرتي الدراسية، وتوظفت قبل التخرج بأسبوع؛ نتاجا لكل المهارات وسمات الشخصية المكتسبة». وتستطرد قائلة إن الأنشطة تساهم في خلق دائرة من المعارف والأشخاص الذين يساهمون في بناء بيئة زاخرة بالقيم، والأفكار، والآراء، ومستويات الشخصية، وأساليب التعامل والتي تساهم مجتمعة في جعل الطالب الجامعي قادرا على صقل شخصيته، و بناء مهاراته للتكيف والتعايش والتعاون والتنافس كذلك مع أقرانه.

قولا واحدا نعم!

وحول دور الأنشطة الطلابية في تأهيل الفرد لسوق العمل مستقبلا يقول منير بن حمد الصواعي، خريج كلية الحقوق- القانون، ويشغل حاليا منصب محام بمكتب محمد الرقيشي محامون ومستشارون في القانون. قولا واحدا نعم، فقد ولى الزمن الذي يكفي فيه المؤهل الدراسي في تولي الوظائف، مشيرا أن جميع الجهات زادت انتقائيتها لأبعد الحدود في ظل شح الوظائف وتنامي عدد الخريجين في ذات الوقت، وفي هذا الإطار يعرج الصواعي على أنه ليس ثمة تلازم منطقي بين كثرة الأنشطة والمهارات المكتسبة، فالعبرة بالكيف وليس بالكم. ويختتم الصواعي قائلا: يحزنني عندما أرى شابًا أو شابة تخرجا ولا يجدان ما يكتبانه في سيرتيهما الذاتيتين! إذا، يخبرنا الشغوفون في مجال الأنشطة الطلابية أن هذه الأنشطة سلاح ذو حدين، فمتى ما أدركنا أهدافنا، ومتى ما اخترنا ما يوائم تطلعاتنا وميولنا، ومتى ما استطعنا ترتيب أولوياتنا، حصدنا نتائج مشرفة، ومتى ما كان الهدف ضائعا منا، فإن الأمر قد لا يؤدي إلى نتيجة مرضية. أخيرا، جميعنا سيتخرج بشهادة لكن القليل منا من سيحمل معه فوائد شخصية، فماذا تنتظر؟ لتكتشف شخصا آخر بداخلك لم تكن تعلمه.