أفكار وآراء

الاتحاد الأوروبي.. في مواجهة الهجرة وأعداد المسلمين المتزايدة فيه

19 يناير 2018
19 يناير 2018

د. فالح حسن الحمراني -

كاتب من العراق يقيم في موسكو -

[email protected] -

بالرغم من مؤشرات تصاعد المواقف العنصرية والنفور والحذر من الآخر، فضلا عن التفاهم في النسق الأعلى للاتحاد الأوروبي حول انتهاج سياسة متشددة إزاء الهجرة، يتجلى من نتائج دراسة مركز «بيو ريسيرتش» (Pew Research Center) الأمريكية لقضايا التحليل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فإن عدد السكان المسلمين سيزيد بحلول عام 2050 في عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي بثلاثة أضعاف عما عليه الآن. ووفقا للدراسة التي استعرضتها صحيفة «نيزافيسيما جازيتا» الصادرة في موسكو في 30 نوفمبر الماضي، فان بلدان الاتحاد الأوروبي لا تستطيع وضع مقاربة موحدة لحل مشكلة الهجرة.

وحسب معطيات الدراسة فإن المسلمين يشكلون حتى الآن 5% من إجمالي مجموع أوروبا. (28 بلدا من أعضاء الاتحاد الأوروبي، فضلا عن النرويج وسويسرا). وإذا أخذنا في الاعتبار حصرا عامل معدل المواليد، بغض النظر عن معدلات الهجرة، فإن هذه النسبة ستزيد بحلول 2050 إلى 7% . وعلى هذا الشكل فإن معدل مواليد المسلمين نظريا هو 2.6 لكل امرأة والباقي من السكان معدله نحو 1.6 فقط.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار، أن مستويات هجرة المسلمين الى أوروبا سوف تستمر لاحقا على مستوى «معتدل»، فإن عددهم سيبلغ بحلول عام 2050 الى 11% من إجمالي السكان الأوروبيين. وإذا سيكون تدفق اللاجئين والمهاجرين الى أوروبا بمعدلات أعلى بكثير مما هي عليه الآن فبحلول 2050 ستزيد نسبة المسلمين في المجتمعات الأوروبية الى 14%.

وفي الوقت نفسه فإن إعادة توطين المسلمين في أوروبا غير متساوية. على سبيل المثال في قبرص يشكلون نحو 25% وفي بلغاريا 11% وفي فرنسا حوالي 8.8 % وفي السويد 8.1% وفي النمسا 6.9% وفي بريطانيا 6.3% وفي سويسرا 6.1%. وفي الوقت نفسه لا يشكل المسلمون في غالبية دول أوروبا الشرقية أكثر من 0.5% من إجمالي السكان.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار سيناريو تصاعد موجات الهجرة بحدة، فإنه بحلول 2050 سيكون نحو 30% من السويديين و20% من الألمان والنمساويين و18% من الفرنسيين و17.2% من البريطانيين، سيكونوا مسلمين. وستبقى النسبة المئوية لاتباع الإسلام في بولندا وليتوانيا أو أستونيا، هي نفسها كما هي الآن. ورصدت الدراسة انتشار المشاعر السلبية تجاه المسلمين على نطاق واسع في أوروبا، فعلى سبيل المثال فان حوالي 72% من الهنجار (المجريون) و69% من الإيطاليين و66 من البولدنييين و65% من اليونانيين و50 من الإسبان و35% من الهولنديين يلتزمون برأي سلبي منهم. وقالت الدراسة ان المسلمين في فرنسا وبريطانيا يتعرضون لانتقادات أقل، عما في دول أوروبا الأخرى.

ويشار إلى أن تقرير « بيو ريسيرتش» وهي مؤسسة تحليل أمريكية، نُشر على خلفية الجدل المحتدم حول سياسة الهجرة للاتحاد الأوروبي. وقالت أستونيا التي ترأس مجلس الاتحاد الأوروبي، ان من المحتمل ان يتخلى الاتحاد عن البرنامج الإلزامي لإعادة توطين اللاجئين في جميع دول الاتحاد. وعُلقت الآمال في البداية على أن مثل هذه الآلية ستساعد على توزيع المهاجرين بالتساوي على دول الاتحاد، والحد من العبء على البلدان الساحلية أي إيطاليا واليونان.

وبعد 18 شهرا من الخلافات حيث رفضت دول أوروبا الشرقية مرارا قبول اللاجئين، يبدو ان الاتحاد الأوروبي مستعد للتخلي عن نواياه، والآن وبدلا من استضافة اللاجئين سيطلب من بلدان الاتحاد الأوروبي تقديم شكل من أشكال المساعدة لدول الاتحاد الساحلية.

وأعادت صحيفة «نيزافيسيمايا جازيتا» الروسية الأذهان الى ان موضوع اللاجئين ودور الإسلام في الغرب، أثار الشهر الماضي مواجهة عاصفة بين الرئيس الأمريكي ورئيسة وزراء بريطانيا. فقد نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شريط فيدو على موقع تويتر، الذي كانت قد نشرته في البداية منظمة «بريطانيا أولا» البريطانية اليمينية المتطرفة، وأظهر شريط الفيديو أمثلة عن ممارسات العنف وعن السخرية من الدين المسيحي يزعم أن مسلمين قاموا بارتكابها، وعلى وجه الخصوص أظهر واحد من المشاهد شابا مسلما يسخر من شخص مقعد. وقال ممثلو الشرطة الهولندية في وقت لاحق أنهم يعرفون المواطن الذي يظهر على شريط الفيديو وأنه لم يكن من المهاجرين بل ولد في هولندا. كما لم يتم العثور على أدلة تشهد على أن المواطن الذي يظهر في شريط الفيديو يعتنق الإسلام.

وانتقدت رئيسة الوزراء البريطانية تيرزا ماي ترامب على نشره شريط الفيديو. وأضافت «يجب على الرئيس ان لا يفعل مثل هذه الأمور». ورد ترامب على شبكات التواصل الاجتماعي على انتقادات ماي. قائلا: « تيرزا لا تنشغلي بي من الأفضل الانشغال بالإرهاب الإسلامي المتطرف، الذي يحدث في المملكة المتحدة. ونحن هنا بخير». حسبما كتب الرئيس الأمريكي في تويتر.

وانتقدت دوائر الخبراء بشدة سلوك ترامب ولفتت الى ان جماعة بريطانيا أولا ليست بالمنظمة المحافظة العادية ولكنها بالواقع متطرفة. وكتب أستاذ قسم العلوم السياسية بجامعة كنت وخبير تشاثام هاوس في الحركات اليمينية المتطرفة ماتيو جوفين: «إنه لم أكن أعتقد أنني سأرى رئيسا للولايات المتحدة يعيد نشر فيديو جماعة بريطانيا أولا. إنهم « نازيون جدد». وبحكم الواقع إنهم- منظمة نازيين جدد».

إلى ذلك ووفقا لتقديرات المحللين فهناك تفاهم في النسق الأعلى للاتحاد الأوروبي، يفيد بأن الوضع الراهن في سياسة الهجرة غير مقبول. وقال خبير «صندوق كارنيجي» الباحث السياسي بالاش ياروبيك: إنه «على الرغم من أن وسائل الإعلام لا تقول شيئا عن ذلك، إلا ان الموقف المتشدد لدول مثل هنجاريا من الهجرة أصبح التيار الرئيسي في أوروبا».