1226563
1226563
إشراقات

خطبة الجمعة تتناول التّرجمة الحقيقيّة لمعاني الحبّ والمودّة والرّحمة بين الزّوجين

18 يناير 2018
18 يناير 2018

تحث على إجراء فحوصات للمقـبلين على الزّواج -

الحياة الزوجية أخذ وعطاء ووفاء وصبر وتضحية وبذل.. وحياة المصطفى خير مثال يحتذى -

تتناول خطبة الجمعة اليوم الحقوق الزوجية وما يسودها من مودة ورحمة حيث تؤكد أنّ في رباط الزّوجيّة آية عظيمة دالّة على قدرة الله وحكمته، وعلمه ورحمته، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). فالزّوجان؛ الذّكر والأنثى، مردّهما إلى نفس واحدة، ومرجعهما إلى أصـل واحد، يكمل بعضهما بعضا، وقد خلقهما الله بهذه الصّـفة ليكون لهما الغاية الّتي أرادها لهما سبحانه إذ يقول: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، فيفضي كلّ منهما إلى الآخر، ليجد فيه السّكنى والرّاحة والطّمأنينة، فالرّجل يجد في زوجه مؤنسا لوحشته، ومواسيا في كربته، وراحة من تعبه ومشقّته، والمرأة تجد في زوجها الرّاعي الحاني، والحافظ الحامي، فيكون لطمأنينتها وراحتها معينا. ويستمرّ النّسق القرآنيّ حيث يقول عزّ وجلّ بعد ذلك: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة)، هذه المودّة والرحمة مبعثها اتّصال النّفوس، واختلاط الأرواح، والاجتماع لبناء عشّ الزّوجيّة على أسس قويمة، ومبادئ كريمة. حيث انّ المودّة في حدّ ذاتها وشيجة عظيمة تقوم عليها الصّداقة والصّحبة والأخوّة، والرّحمة آصرة عظيمة أخرى، تقوم عليها روابط كريمة كالأبوّة والبنوّة، فما ظنّكم بعلاقة اجتمعت فيها الآصرتان، وحوت الوشيجتين، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

إنّ مع ما أودع الله في طبيعة الزّوجين من عوامل الانسجام، ودوافع الوئام، تبقى العلاقة رهينة سلوكهما، ومعلّقة بأفعالهما وتفاعلهما؛ فلن تحظى الحياة الزّوجيّة بسعادتها وهنائها ما لم يفتح فيها للسّكينة بابها، ولن يكون للتّعايش فيها سبيل ما لم تعزّز أواصر المودّة والرّحمة فيها. إنّ الحياة الزّوجيّة مودّة متبادلة، ورحمة مشتركة، إنّها أخذ وعطاء، حبّ ووفاء، تعاون وصبر، تضحية وبذل. ومتى ما فقدت هذه المعاني تزلزلت أركان السّكينة، وتصدّع بنيان المودّة والمحبّة، فتنقلب الحياة عندها بلاء، والعيش شقاء. ولنا في الحياة الزّوجيّة لرسول الله  خير مثال يحتذى، فقد كان خير زوج، وكانت زوجاته خير النّساء، وهو القائل : «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، هذه زوجه خديجة أمّ المؤمنين – رضي الله عنها - ضربت أروع الأمثلة لحقيقة الزّوجيّة، لقد عاشت مع رسول الله حلو الحياة ومرّها، فكانت ركنه الشّديد، ورفيقه الأنيس، ومعينه النّصير، ها هي ذي تطمئن خير البريّة، يوم أن جاءها من غار حراء فزعا، قائلة له: («أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ»، وقد كان لها رسول الله  نعم الزّوج الوفيّ، يقول عنها : «قد آمنت بي إذ كفر بي النّاس، وصدّقتني إذ كذّبني النّاس، وواستني بمالها إذ حرمني النّاس، ورزقني الله عزّ وجلّ ولدها إذ حرمني أولاد النّساء»، فأنعم بهذا البيت، وأكرم بهذه الأسرة، بيت مودّة ووفاء، ورحمة وصفاء.

إنّ من خير ما يعين الزّوجين على بناء أسـرة هانئة سعيدة أن يؤدّي كلّ منهما ما عليه من حقوق قبـل أن يسـأل عن حقوق نفسه، يقول الله عزّ وجلّ: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، ويقول رسول الله : «ألا إنّ لكم على نسائكم حقّا، ولنسائكم عليكم حقّا»، وحقّ العشرة بالمعروف حقّ عظيم، على كلّ واحد من الزّوجين أن يرعاه حقّ الرّعاية، وأن يؤدّيه لصاحبه موفّيا، فيكون بينهما جميل الصّحبة، وغفران الزّلّة، ومراعاة المشاعر، ويتخلّل حياتهما التّعاون لا التّشاحن، والمجاملة لا المجادلة. إنّ المرأة مأمورة بحسن معاشرتها لزوجها، فتراعي له موضع سمعه وبصره، فلا يرى منها إلاّ كلّ حسن، ولا يسمع منها إلاّ الكلمة الطّيّـبة والذّكر الحسن، يروى عن أحد نساء التّابعين قولها: «ما كنّا نكلّم أزواجنا إلاّ كما تكلّمون أمراءكم»، تقديرا واحتراما؛ والرّجل كذلك مطالب منه أن يحسن التّعامل مع زوجه، فيناديها بأحبّ الأسماء إليها، ويريها من حسن مظهره ما يحبّ أن يرى منها، يذكر أنّ امرأة أتت عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه - تطلب فراق زوجها، فنظر عمر إلى زوجها فإذا هو أشعث أغبر، فعرف ما كرهت منه، فأمر أن يسـتحمّ ويأخذ من شعره، حتّى إذا جاء بهيـئة حسنة، أخذ بيد زوجه، فذهبت معه، فقال عمر – رضي الله عنه -: (هكذا فاصنعوا لهنّ، فإنّهنّ يحببن أن تتزيّنوا لهنّ كما تحبّون أن يتزيّنّ لكم).

وإنّ ممّا قد يكدّر صفو الحياة الزّوجيّة ويؤثّر على استقرارها، ما قد يظنّه بعض الأزواج أنّ الحياة الزّوجيّة حياة مثاليّة، لا كدر فيها ولا منغّصات، ولا تعب ولا تبعات، فيرسمون في مخيّلاتهم حياة زوجيّة افتراضيّة لا يمـكن وجودها في هذه الدّنيا؛ حتّى إذا دخلوا في خضمّ الواقع ووقعت على عواتقهم مسؤوليّاته، تفاجؤوا ممّا يجدون من أمور تحـتاج إلى تضحية وبذل، أو مما يواجهون من عقبات تحـتاج إلى صبر وحزم؛ فينهدّ طود أحلامهم المرسومة، ولربّما انهدّت معه العلاقة الزّوجيّة الّتي غمط حقّها، وأسيء فهمها، فنجد عندها في بعض المجـتمعات كثرة وقائع الطّلاق بين حديثي الزّواج لهذا السّبب. إنّ التّرجمة الحقيقيّة لمعـنى الحبّ ولمعاني المودّة والرّحمة لتتجلّى في الصّبر والتّضحية من كلا الزّوجين، وبهذا واجه السّـلف الصّالح لأواء الحياة ومشاقّها، جاء أنّ أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها - قالت: (تزوّجني الزّبير وما له شيء غير فرسه; فكنت أسوسه وأعـلفه، وأدقّ لناضحه النّوى، وأسـتقي، وأعجن، وكنت أنـقل النّوى من أرض الزّبير الّتي أقطعه رسول الله  على رأسي وهي على ثلثي فرسخ فجئت يوما، والنّوى على رأسي، فلقيت رسول الله  ومعه نفر، فدعاني، فقال: «إخ إخ»، ليحملني خلفه، فاستحييت، وذكرت الزّبير وغيرته، قالت: فمضى، فلمّا أتيـت الزّبير أخبرته فقال: والله، لحمـلك النّوى كان أشدّ عليّ من ركوبك معه )، فيا الله ما أجمل هذا التّعاطف، وما أجمل ذلك الصّبر وتلك التّضحية. فحافظوا على ممـلكتكم الزّوجيّة، حصّنوها من كلّ ما قد يزعزع استقرارها، أو يهدّ بنيان سكينتها،

أنّ ممّا ينصح به الأزواج قبـل زواجهم الدّخول في برنامج الفحص الطّبّيّ قبـل الزّواج، وهو برنامج يقوم على إجراء فحوصات للمقـبلين على الزّواج لمعرفة ما إذا كانوا حاملين أو مصابين بأحد الأمراض الوراثيّة، وإعطائهم المشورة والنّصح المناسب، من دون التّدخّل في حرّيّة اختيارهم. فهناك عدد من الأمراض الخطيرة كالتّخلّف العقـليّ، ومرض الكبد الوبائيّ، وفقر الدّم المنجليّ، وغيرها من الأمراض الّتي تنتقل وراثيّا من الآباء إلى أبـنائهم، وهذا يقع غالبا في زواج الأقارب، وقد يكون من الآباء من هو حامل للمرض غير مصاب به، لكنّ زواجه من شخص ذي صفات وراثيّة محدّدة ينتج أبـناء مصابين بتلك الأمراض، فتبدأ الأسرة مشوارها في المعاناة نفسيّا وماديّا، منفقة في ذلك الوقت والمال.

إنّ الفحص الطّبّيّ قبـل الزّواج يعين الزّوجين على أن يعيدا ترتيب شؤون زواجهما، وهذا – لا شكّ - له دور في الحدّ من انتشار الأمراض الوراثيّة، وخفض معدّل وفيات الأطفال، والحفاظ على تماسك الأسرة واستقرارها. فاحرصوا - وفّقكم الله - على كلّ ما من شأنه أن يسهم في هناء حياتكم الأسريّة، واستقرار علاقتكم الزّوجيّة، والعاقل يتخيّر لنطـفته ما يظنّ فيه الخير والصّلاح. جعل الله حياتكم هانئة مطمئنّة، تسـكنها المودّة، وتشـملها الرّحمة، ويسودها التّعاون على البرّ والتّقوى.