أفكار وآراء

قمة دافوس الـ48.. أهداف وتوقعات

17 يناير 2018
17 يناير 2018

عبدالعزيز محمود -

تسهم القمة الـ48 للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في تخفيف حدة الانقسامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم، لكنها سوف تحقق نجاحات على صعيد اتفاقيات التجارة والاستثمار وحماية مصالح التكتلات الاقتصادية العملاقة وأيضًا توجهاتها السياسية حول العالم.

في الوقت الذي يزداد العالم انقسامًا يجتمع صناع القرار الاقتصادي والسياسي العالمي في القمة الـ48 للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا خلال الفترة من 23 إلى 26 يناير الجاري لبحث سبل معالجة الانقسامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهدد العالم.

ورغم انعقاد القمة تحت شعار «تعزيز التعاون في عالم ممزق» فالمتوقع أن تشهد انقسامات بين المشاركين فيها من قادة الدول والحكومات ورؤساء الشركات الكبرى ورجال الأعمال وممثلي منظمات المجتمع المدني حول سبل تحسين آليات الإدارة العالمية للصراعات السياسية.

وطبقا للأرقام فقد ارتفع عدد الصراعات المسلحة في العالم من 278 صراعًا في عام 2006 إلي 402 صراعًا في عام 2016 مما تسبب في نزوح 65 مليون شخص من منازلهم وتكلفة اقتصادية تقدر بنحو 14 تريليون دولار سنويًا.

كما ارتفع عدد الأزمات الأكثر عنفا من 83 أزمة في عام 2006 إلى 188 أزمة حول العالم في عام 2016 بينما قفزت تكلفة الإنفاق العسكري العالمي إلى 56 تريليون دولار مقابل 49 تريليون دولار للأمن الداخلي بينما تقدر تكلفة الجريمة والعنف بين الأفراد بنحو 2.6 تريليون دولار خلال عام 2016.

ولعله من اللافت للنظر أن يناقش نخبة النظام العالمي سبل حل النزاعات المسلحة في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط والأمريكيتين في الوقت الذي يتحمل النظام العالمي المسؤولية عن تلك النزاعات بسبب عدم التوزيع العادل للموارد وهيمنة الكيانات الاقتصادية العملاقة من الشركات متعددة الجنسيات وشركات السلاح علي الحكومات وصناع القرار في دول العالم ذات التأثير الأكبر.

كما تناقش قمة دافوس سبل تحقيق طفرة ضخمة في الإنتاج العالمي يتوقع أن تصل إلى 35% بحلول عام 2028 من خلال التوسع في استخدام التكنولوجيا الرقمية وشبكات الجيل الخامس والإنترنت والذكاء الاصطناعي.

ووسط قلق تجاه آفاق النمو الاقتصادي المستقبلي والذي يتوقع استمراره في حدود 3.5% خلال عام ٢٠١٨ تبحث القمة وسائل دعم التعاون الدولي لتأمين نمو شامل والحفاظ على الموارد وسط مخاوف من تعثر الانتعاش الاقتصادي في أوروبا والشرق الأوسط.

من ناحية أخرى يركز صناع القرار الاقتصادي والسياسي خلال القمة على تشكيل الأجندات العالمية والإقليمية سواء فيما يتعلق بأسواق رأس المال وإدارة الثروات والنزاعات الدولية والمشكلات البيئية وقضايا الابتكار والتكنولوجيا وإعداد قادة المستقبل حول العالم.

وبالتزامن مع القمة يعقد في دافوس خلال الفترة نفسها منتدى شباب العالم بمشاركة 800 شاب يمثلون قادة المستقبل لبحث سبل مواجهة التحديات المستقبلية، حيث يمتلك المنتدى ومنذ عام 2011 شبكة عالمية من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 30 سنة، باعتبارهم يتمتعون بقدرات تمكنهم من القيام بأدوار قيادية في المستقبل.

يذكر أن منتدى دافوس تأسس في عام 1971 كمؤسسة دولية غير حكومية وغير ربحية تحت اسم (المنتدى الأوروبي لإدارة الأعمال) بمبادرة من الاقتصادي الألماني كلاوس شواب ليكون فضاء للحوار بين رواد الأعمال وممثلي الشركات الكبرى.

وفي عام 1974 توسع نشاطه ليشمل القضايا الاقتصادية والسياسية التي تؤرق العالم، وهكذا شارك فيه القادة السياسيون لأول مرة، وفي عام 1987 تغير اسمه إلى المنتدى الاقتصادي العالمي.

وفي عام 2006 افتتح مكاتب إقليمية في بكين ونيويورك.

ويركز المنتدى على ثلاث قضايا كبرى في مقدمتها التحكم في الثورة الصناعية الرابعة باستشراف التحولات التكنولوجية التي يتوقع أن يشهدها الاقتصاد العالمي في نظم الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وحل الإشكالات المتعلقة بالتغيرات المناخية والبيئة، ومعالجة قضايا الأمن العالمي .

وفي هذا الإطار ينظم عشرة اجتماعات إقليمية على مدار العام في أمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط لتسريع عملية الانفتاح والاندماج الاقتصادي والتعبئة لسياساته ودمج تلك المناطق في الاقتصاد العالمي .

كما يصدر تقارير بحثية حول المخاطر العالمية ومقاييس التنافسية العالمية وتقنية المعلومات والفجوة العالمية بين الجنسين وتقييم المخاطر.

ورغم تأكيد المنتدى أنه يعمل دون انتماءات سياسية أو اقتصادية، لكنه يضم في عضويته ألفا من كبرى الشركات العالمية متعددة الجنسيات والتي تتجاوز دورة رأسمالها مليارات الدولارات وتستخدمه كمنصة لحماية مستقبل صناعتها والمناطق التي تعمل بها.

كما يضم المنتدى مجموعة من الشركاء الاستراتيجيين (مائة شركة قيادية في العالم) تمثل مناطق ومجالات عمل مختلفة بالإضافة إلى شركاء الصناعة من الشركات الصناعية الإستراتيجية والتي تساهم في تمويل ميزانيته السنوية والتي تقدر بنحو 200 مليون فرنك سويسري.

وفي عام 2007 تأسس على هامش المنتدى مجتمع شركاء النمو العالمي لتفعيل دور الشركات ذات معدلات النمو العالمي (370 شركة من 60 دولة) ورواد التكنولوجيا وهم يمثلون أهم شركات التقنية العالمية .

وهكذا وبدعم من كل هؤلاء يلتقي قادة الاقتصاد والسياسة في العالم مع مثقفين وباحثين وفنانين ونقابيين في دافوس مرة كل عام لبحث سبل تحسين أوضاع العالم وأيضًا -وهذا هو الأهم- الترويج لحرية التجارة والاستثمار والأسواق المفتوحة وتسهيل أعمال الشركات الكبرى والممولين العالميين ذوي النفوذ.

ولعل هذا ما دفع مناهضي العولمة لاتهام المنتدى بأنه مؤسسة للنخبة السياسية والاقتصادية والصناعية العالمية وأنها لا تستهدف إلا حماية مصالح التكتلات الاقتصادية العملاقة دون اكتراث بمصالح المستهلكين أو حل مشكلات العالم.

وهي انتقادات تبدو أقرب إلى الواقع فالمنتدى لم يسهم في حل أية مشكلة عالمية لكنه طرح مبادرات تعبر في حقيقتها عن مصالح الشركات الكبرى تجاه النزاعات وأزمة الديون والاحتباس الحراري والأمراض المزمنة بينما استمر تركيزه الأساسي على تحقيق التكامل الاقتصادي الدولي لدعم الرأسمالية والعولمة وخدمة السياسات التجارية لأقوياء العالم.

وهكذا فمن غير المتوقع أن تسهم القمة 48 للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في تخفيف حدة الانقسامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم، لكنها سوف تحقق نجاحات على صعيد اتفاقيات التجارة والاستثمار وحماية مصالح التكتلات الاقتصادية العملاقة وأيضا توجهاتها السياسية حول العالم.