أفكار وآراء

معضلة آليات التنفيذ

17 يناير 2018
17 يناير 2018

مصباح قطب -

[email protected] -

في كل عمل ذي صلة بالاقتصاد وله أسس نظرية أو مقدمات فكرية ضرورية فان السؤال الذي يبرز دائما هو: ولكن ما الخطوات العملية لتنفيذ ذلك ؟. ينطبق هذا الأمر على ما يسمى بالشمول المالي والتحول عن اقتصاد “الكاش” إلى الاقتصاد اللا نقودي. وكما هو معروف تشهد دول عديدة اهتماما متزايدا بقضية التحول من الاقتصاد النقدي الى نظام حديث غير نقدي تجري التعاملات المالية فيه بالوسائل المصرفية والإلكترونية المختلفة، وعلى رأسها الهاتف النقال، لما يحققه ذلك من تسريع للدورة الاقتصادية ومنع أو تقليل الفساد، وحماية وتوثيق المعاملات وزيادة كفاءتها ومكافحة جرائم التهرب الضريبي وغسل الأموال وتمويل الإرهاب والاتجار في المخدرات وغيرها من الجرائم المرتبطة بالتعامل النقدي أو “الكاش“  كما نقول.

يرتبط بما تقدم الاهتمام الموازي بالشمول المالي وضرورة توسيع قاعدة المتعاملين بالخدمات المصرفية وغير المصرفية كالتأمين والتأجير التمويلي والتخصيم وباقي الأنظمة المالية الرسمية وتلك التي تمارسها شركات خاصة أو مؤسسات أهلية مرخص لها، لان إتاحة تلك الخدمات لكافة المواطنين وبخاصة محدودي الدخل والموارد والفئات التي لم تعتد التعامل مصرفيا لهي مدخل ضروري لتشجيع التعامل غير النقدي والحد من السوق الموازية أو غير الرسمية. وفى هذا الصدد فان مناقشات ذات طابع معمق نظمها المركز الدولي للمشروعات بالقاهرة مؤخرا كشفت جوانب مهمة تتمثل في أن من الخطأ اعتبار التحول من الاقتصاد غير الرسمي الى الرسمي، والتحول الى اقتصاد غير نقودي، هما شيء واحد على ما بينهما من روابط. وان البداية يجب ان تكون من إلزام الجهات المختلفة بإجراء التعاملات الكبيرة -  بما يعادل 10 آلاف دولار فصاعدا مثلا - عبر الدفع الإلكتروني، وترك مساحة حرية لمن هم أصغر للتعامل بالكاش أو التعامل الإلكتروني اختياريا وذلك حتى يتم التحول بالتدريج وبسهولة. ومن الخبرات القيمة أيضا والتي عرفنها ان الأهم من مساعدة الشركات الصغيرة والمتناهية على التحول الى الدفع النقدي أو إدخالها في الشمول المالي هو تقديم خدمات غير مالية لها مثل التدريب والدعم الفني ودراسات الجدوى ومحو الأمية وربط التقدم في حجم أعمالها وقروضها بخطوة على الطريق الى ان تكون رسمية شيئا فشيئا، ومن بعدها إلزامها بالتعامل الإلكتروني، ولدى جمعية رجال أعمال الاسكندرية خبرة مشهود لها دوليا في هذا المجال.

ونعود الى السؤال ما الخطوات العملية لإحراز تقدم مضمون في التحول الى مجتمع لا نقودي؟

أسهل حل وكما قال ويقول البعض هو تغيير العملة ثم إلزام كل مواطن ان يفتح حسابا مصرفيا حين يتجه الى البنك لاستلام العملة الجديدة وتسليم القديمة بيد ان تغيير العملة عملية لا يجب ان تتم إلا بعد دراسات متأنية. الأسهل أيضا ان نقول ان على كل بلد ان يصدر عملته الإلكترونية ويراقبها وينظمها بنكه المركزي وبذا تنعدم الحاجة الى الحديث عن التحول الى الدفع الإلكتروني، بيد ان ذلك طريق طويل ووعر ولا زال في بداياته عالميا، بل ويشهد قمة فوضاه حاليا!.

لقد تم في التجربة المصرية عمليا إنشاء المجلس القومي للمدفوعات الإلكترونية برئاسة رئيس الجمهورية ما يمنحه دعما سياسيا وتنفيذيا علي أعلي المستويات ومن أجل زيادة فاعلية نشاطه فيقترح تطوير كيانه المؤسسي ورفده بوحدة ذات طابع خاص تابعة للبنك المركزي المصري لمتابعة تنفيذ قراراته كي تكون له الاستمرارية والفاعلية اللتان تمكناه من تحقيق أهدافه كذلك تم اقتراح تشكيل لجنة استشارية للمجلس تضم ممثلين من القطاع الخاص والقطاع الأهلي كي يكون هناك تمثيل من مختلف الأطراف المؤثرة أو المستفيدة بالخدمات المالية وإضافة المزيد من الاختصاصات والصلاحيات للمجلس القومي للمدفوعات خاصة فيما يتعلق بالبينة التكنولوجية المطلوبة وسبل الرقابة عليها وتشبيك التعاون بين الأطراف المختلفة وإضافة رئيس هيئة البريد إلى عضوية المجلس القومي للمدفوعات كي يتحقق المزيد من التكامل بين نظام الحسابات البريدية والبنكية وإضافة فصل في قانون البنوك لتنظيم الترخيص لنشاط المدفوعات الإلكترونية والرقابة عليه من جانب البنك المركزي  أسوة بالأنشطة المرتبطة بنشاط البنوك والتي ينظمها ذات القانون. أعتقد ان مثل تلك المقترحات يمكن أن تفيد الدول العربية التي لا زالت في منتصف الطريق كمصر في التحول إلى الدفع الإلكتروني وربما تفيد جوانب منها من سبقوا أيضا فهي نتاج حوار شامل حول الأمر شارك فيه خبراء دوليون ومحليون واتحاد الصناعات واتحاد البنوك وأطراف مستقبلة للخدمات المالية والنقدية ومنظمات أهلية تخص عالم الأعمال المتوسط والصغير بالذات.

وبالنسبة للشركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة يقترح أن يكون سداد رؤوس أموالها والزيادات فيها والتعامل على أوراقها المالية بيعا وشراء وتوزيعات الأرباح التي تحققها وكذلك توزيعات ناتج تصفيتها من خلال وسائل مصرفية أو إلكترونية وليس نقدا.

وأما الأنشطة المالية غير المصرفية والخاضعة جميعا لرقابة وإشراف هيئات الرقابة المالية فيقترح إضافة نصوص في كل من القوانين المنظمة لهذه الأنشطة تحظر القيام بأية مدفوعات سواء للتعامل في الأوراق المالية أو سداد أقساط التأمين أو التأجير التمويلي أو التمويل العقاري أو غيرها إلا من خلال الوسائل المصرفية والإلكترونية متي تجاوز المبلغ المسدد حدا أدنى معينا على أن يكون السداد متاحا بالهواتف المحمولة فيما يقل عن هذا الحد الأدنى.

فيما يتعلق بالمدفوعات السيادية فالمقترح تعديل القوانين المتعلقة بضرائب الدخل والقيمة المضافة والضريبة العقارية والدمغة والجمارك والأجور الحكومية والتأمينات الاجتماعية وأجور القطاع الخاص بحيث يصبح السداد - متي جاوزت قيمته مبالغ معينة - خاضعا للسداد المصرفي أو الإلكتروني دون غيره وعلى أن يكون السداد متاحا بالهواتف المحمولة فيما يقل عن هذا الحد الأدنى.

ويبقى اختيار انه يلزم تقنين الأنشطة التجارية غير الرسمية سعيا الى توحيد إجراءات تأسيس كافة أنواع الشركات وإحداث نقلة نوعية في إجراءات التأسيس وزيادة رؤوس الأموال وتغيير الشكل القانوني

وجعل قانون المنشآت الصغيرة والمتوسطة حيثما وجد مواتيا لأن يساند رقمنة المدفوعات مع منح مهلة لتوفيق أوضاع المنشآت غير الرسمية ودخولها السوق الرسمي دون عقوبات.

وفيما يتعلق بالعقارات غير المسجلة فشأنها متصل اتصالا وثيقا بعمليات التحول إلى الدفع  اللا نقودي نظرا لأن التصرفات العقارية تمثل نسبة هامة في المدفوعات السنوية للفرد أو المنشأة  ولذلك فيقترح تطبيق برنامج لتقنين الملكيات العقارية - أسوة بما قامت به بلدان عديدة في العقدين الأخيرين - يعتمد علي استخدام الوسائل الإلكترونية الحديثة من اجل حصر ومسح التعاملات العقارية وربط كل منها برقم قومي  وضع آليات سريعة ومختصرة للإخطار عن العقارات غير المسجلة وفحص ملكيتها وقيدها بحيث يوضع نظام قضائي مستعجل لحسم المنازعات التي قد تنشأ عند تسجيل العقارات وتيسير تسجيل الملكيات في كل خطواته ماليا وإجرائيا وتشديد العقوبة علي التلاعب في الأوراق المثبتة لملكية العقارات والتوكيلات المتعلقة بها وفى وسط كل ذلك إتمام كل عمليات الدفع إلكترونيا.

الدروس والعبر لا تنتهي لكن يظل المبدأ قائما: قبل أي أفكار أو تحولات جديدة قل لي كيف يتم التنفيذ !