أفكار وآراء

البريطانيون .. وعواقب البريكست !!

16 يناير 2018
16 يناير 2018

سمير عواد -

يواجه حزب المحافظين البريطاني واحدة من أكبر الأزمات في تاريخه، بعد قرار حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تبني نتائج موافقة البريطانيين على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي الذي تم في العام الماضي.

ويقول دبلوماسيون غربيون إن هناك خلافًا داخل حزب المحافظين حول استراتيجيته بشأن ما يعرف بالبريكست إلى جانب قضايا أخرى، الأمر الذي قد يؤثر بشكل أو بآخر على المستقبل السياسي للحزب. فالجناح المؤيد لرئيسة الوزراء يسعى بكل ما لديه للحد من خسارة تأييد الناخبين، بما في ذلك رغبة غالبية المواطنين البريطانيين الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

واستنادا إلى استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن 51 بالمائة من البريطانيين يؤيدون بقاء بلادهم عضوا في الاتحاد الأوروبي، بينما 41 بالمائة فقط يؤيدون الانسحاب. وبحسب معهد «مايل إند» اللندني لاستقراء الرأي، يؤيد ربع عدد أعضاء حزب المحافظين بقاء بلادهم عضوا في السوق البينية الأوروبية والاتحاد الجمركي، في حين يؤيد ذلك 90 بالمائة من أعضاء حزب العمال المعارض، والحزب الليبرالي والحزب الوطني في إسكتلندا.

من جهة أخرى، يؤيد 14 بالمائة فقط من المحافظين إجراء استفتاء جديد حول العملية الختامية للبريكسيت مقابل تأييد واسع لهذه الخطوة من قبل أعضاء الأحزاب المعارضة.

وتقول الإحصائيات الأخيرة ان غالبية المواطنين البريطانيين يؤيدون إجراء عملية استفتاء جديدة حول البريكست، بعدما أعرب 50 بالمائة منهم تقريبا في ديسمبر الماضي عن رغبتهم في الاستفتاء حول العملية الختامية للبريكست.

وباستثناء حزب العمال الذي أصبح البريكست قضيته الرئيسية للمنافسة مع حكومة ماي، تتفادى الأحزاب الأخرى الدعوة إلى إجراء استفتاء جديد خشية عقاب الناخبين. وقد دعا بالذات توني بلير رئيس الوزراء الأسبق إلى إجراء ذلك في مقال نشرته إحدى الصحف البريطانية حيث دعا إلى منح المواطنين البريطانيين فرصة ثانية للتعبير عن موقفهم حيال البريكست.

والواضح ان بلير وكثير من مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، يدركون أن ذرائع مؤيدي البريكست مجرد أوهام، وأن بريطانيا قد لا تستطيع تحمل الانسحاب من السوق البينية الأوروبية والاتحاد الجمركي. يضاف إلى ذلك عدم تعامل الحكومة البريطانية حتى اليوم مع قضية ترسيم الحدود بين أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وبين الجمهورية الأيرلندية، وكأن هذه القضية ليست قائمة.

والآن فإن الوقت قد يصبح ضيقا لأنها تتطلب الحل هذا العام.

وحتى موعد القمة الأوروبية المقبلة في 22 و23 مارس القادم، يتعين أن تضع الحكومة البريطانية خططها حيال مدة عامين للمرحلة الانتقالية بعد الانسحاب. وإذا لم تتمكن من ذلك، فقد يضطر عدد كبير من الشركات البريطانية تنفيذ خططها الاضطرارية وبدء الانتقال لممارسة نشاطاتها في عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حتى لا تفقد مكانتها في السوق الأوروبية، بعد بدء الانسحاب في 29 مارس 2019. وقد صدر تحذير مؤخرا بالذات من قبل جوليان كينج، عضو بريطانيا في المفوضية الأوروبية، الذي أبلغ صحيفة «إيفننج ستاندارد»، أن الحكومة البريطانية لم تحدد موقفها بعد حيال المحادثات حول المرحلة الانتقالية.

وفي مقال كتبه هنريك مولر في مجلة «دير شبيجل» الألمانية قال فيه ان البريكست عبارة عن مأساة بريطانية، على حد زعمه، بعد أن كانت بريطانيا في القرن العشرين توصف بالامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

وما من شك أن المقال قد أثار حفيظة البريطانيين لكون الكاتب ينحدر من ألمانيا التي هزمتها بريطانيا في الحرب العالمية الثانية ورغم ذلك تمكنت من تحقيق قصة نجاح في مجال الاقتصاد وأصبحت عملاقا في الاقتصاد رغم أنها عبارة عن قزم في السياسة.

وبالنسبة للكاتب فانه كان بالإمكان تفادي هذا الأمر، خاصة وان هناك توقعات جادة بتراجع النمو الاقتصادي في بريطانيا بعد بدء البريكسيت الى النصف مقارنة ما حققته في عام 2015 واحتمال بلوغه 1.2 بالمائة فقط في عام 2018 أي نقطة واحدة أقل من دول مجموعة اليورو.

وقالت المجلة: إن البريطانيين لا يشعرون حاليا بعواقب الانسحاب. ففي الصيف المنصرم قال 92 بالمائة من البريطانيين إنهم مرتاحون للأوضاع في بلادهم وذكر 80 بالمائة منهم ان أوضاعهم المالية جيدة.

وحسب «دير شبيجل» بدأ البريطانيون يشعرون بعواقب البريكسيت قبل بدئه. فقد بدا التضخم في الارتفاع، إلى جانب تراجع قيمة الجنيه الاسترليني قليلا، كما تتردد الشركات في الاستثمار مع ملاحظة انه يحدث تطور مماثل في «كتالونيا» بإسبانيا، حيث قامت نحو ثلاثة آلاف شركة بنقل مكاتبها إلى الخارج.

ومما يزيد من مشكلات الحكومة البريطانية الارتفاع العالي لمديونية الدولة وكذلك مديونية المواطنين علما أن الاقتصاد البريطاني يعتمد إلى حد كبير على الاستثمارات الأجنبية. ويخشى البريطانيون تراجع ثقة المستثمرين الأجانب ببلادهم بعد البريكست وان يتحولوا للاستثمار في دول الاتحاد الأوروبي.

ولكي يتم تفادي السيناريو السيئ يقول بعض المراقبين ان لندن قد تتراجع عن خطوة البريكست مما سيكون لذلك عواقب سياسية خاصة لحزب المحافظين. ويرى آخرون ان هناك خيارين لتنظيم علاقة مستقبلية بين بريطانيا والقارة الأوروبية مثل عقد اتفاقية للتجارة الحرة على غرار تلك المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وكندا (Ceta)، أو اتفاقية شراكة متميزة مثل المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والنرويج.

وقالت مجلة «دير شبيجل» الألمانية، انه ليس هناك خطط في لندن لإجراء استفتاء جديد أو قرار بالتراجع عنه، وبرأي المؤرخ البريطاني (تيموثي جارتون أش) فإن الوقت أصبح ضيقا لاتخاذ أحد القرارين لقلب العملية رأسا على عقب وإنقاذ بريطانيا من عواقب البريكست.