أفكار وآراء

أزمات المنطق وضرورة الحوار لإيحاد حلول

16 يناير 2018
16 يناير 2018

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

المشهد السياسي العربي يتجه إلى التصعيد في أكثر من منطقة والخلافات العربية - العربية تتأرجح دون بارقة أمل في الحل، والقضية الفلسطينية تتعرض لمؤامرة خطيرة من خلال ما يسمى بصفقة القرن التي لم تعلن حتى الآن.

وقد أشار لها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنها «صفعة العصر» كما أن الأزمة الخليجية دخلت منعطفًا خطيرًا من خلال خرق الأجواء وغيرها من سمات المشهد، التي تحتاج إلى الحكمة والحوار، باعتبارهما الخيار الوحيد نحو إيجاد حلول سياسية تخرج الأمة العربية من مصير مجهول وخطير.

النموذج الكوري

رغم أن الخلاف الكوري - الكوري معقد بسبب البرنامج النووي لبيونج يانج والمواجهة الكلامية الحادة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة إلا أن البلدين يجريان حوارًا في كندا لإيجاد قواسم مشتركه للتهدئة أولا، وبعد ذلك الخروج بمرئيات تبعد شبح الحرب عن شبه الجزيرة الكورية، كما أن هناك مقترحات من سول لعمل فريق رياضي مشترك خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية القادمة في كوريا الجنوبية.

وتعد الأزمة بين الكوريتين هي الأزمة الأخطر مقارنة بأزمات المنطقة العربية، ورغم ذلك لم يستبعد البلدان الجاران خيار الحوار، مما يعطي مؤشرًا إلى أن أزمات المنطقة لا يمكن حلها دون استخدام خيار الحل بدلا من المكابرة والتحدي الذي لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية في ظل خلافات مفتعلة وأحيانا تقوم علي افتراضات لا أساس لها.

فالخلاف المغربي - الجزائري المتواصل منذ عشرات السنوات يقوم علي موقف سياسي تجاه الصحراء الغربية وموضوع جبهة البوليساريو المعومة من الجزائر، والأزمة بين مصر والسودان تقوم علي مواقف سياسية تجاه موضوع حدودي في حلايب يمكن حله وديا، كما أن الخلاف في الأزمة الخليجية غير معروف حيث كانت التوجهات السياسية بين تلك الدول واحدة تجاه الأوضاع في سوريا واليمن وليبيا.

والحرب المشتعلة في اليمن منذ ما يقارب من ثلاث سنوات دمرت مقادير اليمن وشعبه وأدت إلى كارثة إنسانية، ومن هنا فان خيار الحوار أصبح هو الخيار الوحيد للفرقاء للخروج من هذا الصراع العسكري المرير لحقن الدماء للجميع وإيجاد حالة سياسية تعيد لليمن أمنه واستقراره ودوره العربي من خلال المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216، وإشراك كل التكتلات والأحزاب السياسية اليمنية في العملية السياسية وإنهاء المظاهر المسلحة للمليشيات، وان يكون الجيش اليمني هو المعني بحفظ الأمن والاستقرار في هذا البلد العربي، الذي عاني الأمرين منذ عهد الاستقلال وفشلت النخب السياسية طوال عقود في إيحاد دولة مدنية تقوم علي القانون والمؤسسات والمواطنة رغم أن اليمن يتمتع بمقومات طبيعية وثروات كبيرة وموارد بشرية مهمة.

أزمات المنطقة تعدت الحدود الجغرافية العربية وأصبحت هناك تحالفات وتجاذبات سياسية وأصبح الدور التركي والإيراني واضحًا سواء من خلال الأزمة الخليجية، أو من خلال الخلاف المصري - السوداني أو من خلال الدور الروسي في سوريا، ومن هنا فقدت الدول العربية زمام المبادرة وأصبحت علي الهامش في عدد من الملفات التي تتهدد الأمن القومي العربي.

الصراعات تتعمق

السؤال الأهم إذا تم استبعاد خيار الحوار وهو ما يتضح حاليا من خلال المؤشرات فان عددا من التقارير الواردة من عواصم صنع القرار في الغرب تتحدث عن استراتيجية تواصل تلك الصراعات العربية، حتي تنهار الاقتصاديات العربية من خلال شراء وتدفق الأسلحة وبالتالي يكون الغرب وروسيا هم الرابحون من تواصل تلك الصراعات، وتدفع الشعوب العربية الثمن. والأرقام تشير إلى عشرات المليارات من خلال الصفقات الأخيرة، ولا شك أن المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة يحتاج إلى مثل هذه الصفقات حتي يتواصل عمله وكذلك المصانع في روسيا وبقية الدول الغربية خاصة فرنسا وبريطانيا.

المقدرات العربية تستنزف وهذا يتضح من خلال عجز الموازنات العربية، وفرض المزيد من الضرائب كضريبة القيمة المضافة، وتحرير أسعار الوقود وارتفاع أسعار الخدمات والسلع مما جعل الشعب التونسي، على سبيل المثال، يخرج في مظاهرات بسبب المشكلات الاقتصادية كما ان الاحتجاجات التي شهدتها إيران ليست بعيدة عن ذلك، مع وجود أسباب سياسية معروفة، ومع ذلك فان الشعوب العربية تعاني، والسبب يعود إلى مجمل السياسات التي تستنزف الموارد بسبب تلك الصراعات الوهمية والتي لن ينتج عنها شيء يغير من الخريطة العربية أو يؤدي إلى تغييرات في المنهجية، هي فقط خلافات سياسية يمكن حلها من خلال الحوار والنوايا الطيبة الحقيقية.

هل الملف النووي الإيراني والحوار بين طهران والغرب والذي استمر اكثر من عشر سنوات هو أكثر تعقيدًا أو الأزمة الخليجية علي سبيل المثال، أو الخلاف بين مصر السودان وهما البلدان الأكثر تلاحمًا في المحيط العربي بسبب وادي النيل والحضارة المشتركة والنسيج الاجتماعي الذي يعود إلى آلاف السنين، ومن هنا فان أمام العرب فرصة تاريخية لحل كل تلك الملفات من خلال الحوار المبني أولا علي الثقة المتبادلة وثانيًا الإيمان بان مكاسب حل تلك الخلافات هو أكبر بكثير من استمرارها دون حل، خاصة علي صعيد توفير المقدرات للشعوب والتي تحتاج إلى آليات لتشغيل الشباب وتجويد التعليم وتنويع اقتصاديات الدول العربية والاستخدام الأمثل للتكنولوجيا، والنظر إلى النماذج الناجحة في العالم كنموذج الأسيان الذي دومًا ما يكون حاضرًا عند الحديث عن الإقليم الذي حقق نجاحًا كبيرًا وأصبحت دوله من الدول الراقية المتقدمة، ومن هنا فان العالم العربي ومن خلال قيادته يحتاج إلى نمط آخر من التفكير وان تكون المنهجية قائمة على التكامل الاقتصادي العربي، وفتح آفاق كبيرة للتعاون من خلال السوق العربية المشتركة، وفتح مجالات الإبداع للشباب والبعد عن الفردية والهيمنة السياسية والتي لم تعد ممكنة في ظل تطورات المرحلة.

وعلى ضوء تلك المحددات فان البعد عن الصراعات وحلها بشكل سلمي هو الخيار الأفضل لأن تلك الصراعات ستكون وبالا على الشعوب العربية وتؤدي إلى مشاكل مجتمعية خانقة قد تكرر حالة الربيع العربي مجددًا خاصة في الحالة الاقتصادية التي تعد الحالة الأخطر إذا استمرت، وتم إهدار المزيد من المقدرات والأموال التي تذهب إلى خدمة المصالح الغربية.

الاتجاه إلى التحديث

وأمام هذا المشهد المعقد عربيًا ومن خلال ما تلعبه وسائل الإعلام العربية من دور سلبي فان إيجاد منهجية جديدة في التعاطي مع المشهد السياسي العربي هو مسألة في غاية الأهمية ولن يكون هناك منتصر في تلك النزاعات والخلافات فالكل خاسر لا محالة، خاصة الشعوب ومن هنا فان وقف الحملات الإعلامية هو من الخطوات الأساسية ولنا في الإعلام العماني الموضوعي نموذجًا يحتذي.

العالم العربي وشعوبه تحتاج إلى إليه للتحديث والتطوير وليس إلى كسب المعارك الوهمية، حيث إن التعليم في العالم العربي يعد ضعيفا مع بعض الاستثناءات المحدودة كما أن موضوع الذكاء الصناعي والاهتمام بالمبدعين، هو السبيل نحو الارتقاء بالدول العربية ولعل النماذج المشرفة من الشباب العربي في أوروبا والولايات المتحدة، هو خير دليل على أن المناخ العلمي والمحفز يخرق الطاقات المبدعة بدلا من الانغماس في المشاكل السياسية المفتعلة والتي تؤدي إلى غرس الكراهية والانتقام بين الشعوب.

العرب بحاجة إلى منهجية جديدة، وإلى فكر متجدد وإلى سياسات تخدم الإنسان وتطور الأفكار المبدعة، فضياع عشرات المليارات علي شراء الأسلحة دون الحاجة الدفاعية، لها تعد إهدارًا كبيرًا على حساب التنمية والتحديث، فهناك الملايين من الأجيال الجديدة لها أحلامها ورؤيتها في تطوير أوطانها، ومن هنا فان المناخ السياسي لا يشجع على وجود تلك المنهجية المتجددة، بل يكرس ثقافة الخلافات والحملات الإعلامية المتدنية أخلاقيا ومهنيا.

إن الإعلام بحاجة ماسة إلى تطبيق مواثيق الشرف الإعلامية حتى يمكن الحد من هذا الغث الإعلامي، والذي انحدر بالمستوى المهني والأخلاقي إلى أدنى مستوياته فصنع البطولات الوهمية من خلال إعلام سطحي لن يؤدي إلى شيء، فالأمم والشعوب خارج المنظومة العربية تحقق إنجازات حضارية وإنسانية في حين أن العرب أصبحوا أسرى التجاذبات السياسية والحرب الإعلامية والتي أصبحت واحدة من الظواهر السلبية التي تجتاح المجتمعات العربية تضع ولا شك أمام وزراء الإعلام العرب مسؤولية تاريخية لوقف هذه الظاهرة المسيئة للقيم والنواميس العربية الأصيلة

وأمام هذا المشهد العربي المعقد فان خيار الحوار يبقي هو الأساس الذي من خلاله يخرج العرب من هذا النفق المظلم وتكون هناك مراجعة شاملة للوضع العربي من خلال آليات ورؤى تنتشل العرب ومقدراتهم من هذا المناخ الصعب والذي ينذر بعواقب وخيمة للأجيال العربية الآن وفي المستقبل.