1223399
1223399
المنوعات

حمد الغيلاني: أواجه الخطر للحصول على صورة متفردة

16 يناير 2018
16 يناير 2018

«ضربة واحدة من زعنفة الحوت الأزرق للقارب تُفقدك حياتك»

حاورته: بشاير السليمية -

بين جنبات معرض «عمان سحر الطبيعة والكائنات»، المفتتح في الثامن من الشهر الجاري ببيت الزبير، والتي كانت جريدة عمان فيه شاهدة على سحر تصوير الحياة البيئية البحرية والفطرية والبرية، كانت هذه الرحلة الفوتوغرافية في أرجاء السلطنة شمالا وجنوبا، سبر أغوارها وأخطارها وتحدياتها، حمد الغيلاني. مجيد الفياب الذي لم يفتأ يدور في كون الطبيعة والكائنات، لنقف عند أهم محطاته وأعماله ومغامراته ومشاريعه المستقبلية.

• فلنبدأ من الإنجاز الأخير، ماذا مثل لك لقب مجيد الفياب؟

بداية، كسب اللقب دعم معنوي للمصور بكل تأكيد؛ لأن المحكمين دوليون وقادرون على التحكيم بشكل أقوى، وطريقة محايدة وحصد لقب كهذا هو بلا أدنى شك دافع كبير. ولكن دعيني أوضّح قليلا كيف يكون الحصول على هذه الألقاب. فمنها درجتان، الدرجة الأولى هي درجة فنان الفياب، والفياب تعني الاتحاد الدولي للتصوير الضوئي، وهي أكبر جهة لها علاقة بالتصوير الضوئي على مستوى العالم، كما أنه لقب يعتمد على المشاركات في المسابقات الدولية، وعند المشاركة في تلكم المسابقات تقبل للمصور مجموعة من الصور، فإذا وصل عدد الصور إلى العدد المطلوب يحصد المصور لقب فنان الفياب. بعد هذه الدرجة تأتي درجة مجيد الفياب، وتعتمد أيضا على مدى القبول ولكن بشروط أصعب، ويجب أن يكون لدى المصور أربع جوائز دولية على الأقل.

• عملك كخبير بيئي، كيف أوقد شرارة الإبداع في تصوير الحياة البيئية؟

عملي كله كان عبارة عن رحلات بحرية، ودراسات وأبحاث وكنت من البداية عندما أذهب لأي مكان تكون الكاميرا بحوزتي وألتقط صورا عادية، لكن التصوير الاحترافي بدأته منذ خمس سنوات والذي أوصلني إليه ارتباطي بالبيئة، وتعاملي مع أشخاص بلا شك تعلمت منهم الكثير. فحياتي كلها مرتبطة بالبيئة؛ لأني عشت فترة ليست بقصيرة في جزيرة مصيرة. كان الوالد يعمل هناك وقضيت طفولتي مترددا بين صور، و مصيرة وهي مكان جميل جدا ببيئته البحرية، حيث تستطيع رؤية الكائنات: كالسلاحف والحيتان، والدلافين بسهولة وهي التي أثرت علي، ثم إنني تخصصت في علوم البحار في البكالوريوس، وبعدها الماجستير كان حول البيئة البحرية، ودرست السلاحف البحرية، والدكتوراه كذلك كانت في البيئة البحرية والتي حصلت عليها من المملكة المتحدة ٢٠٠٧ وقد عملت دراسات خاصة عن التنوع الحيوي، والحيتان في عمان وأماكن تواجدها وتوزيعها، والسلاحف وهجراتها، والطيور وتنقلاتها وهجراتها، عن طريق تركيب الأجهزة، وفي البيئة البرية درست النباتات. عملت في وزارة الزراعة في مركز العلوم البحرية كخبير بيئي لواحد وعشرين سنة.

• في صورة لك للحوت العربي الأحدب، أو بالأحرى لزعنفته الذيلية، صورة كهذه هل كان الحظ لاعبا أساسيا في مباراة التقاطها؟

في هذه الصورة بالتحديد مكثنا أسبوعين في البحر وكان هائجا، وفي الأسبوع الثاني وتحديدا أي في اليوم الذي التقطت فيه هذه الصورة، كان البحر هادئا، ناهيكِ عن أن هذا النوع من الحيتان نادر، ومعرض للانقراض، ولدينا منه ١٠٠ حوت فقط. كما أنها تظهر في فصل الشتاء من شهر نوفمبر الى مارس وتتجمع في خليج الحلانيات، والمنطقة الضحلة بين الحلانيات ومصيرة، فكانت تغوص، ثم تأخذ ١٥دقيقة وتظهر من جديد هكذا بشكل فجائي. وكانت قواربنا مجهزة بأجهزة نسمع عبرها أصوات الحيتان، فنعرف اتجاهها ومكانها ثم نتبعها لمسافات معينة، ثم يفاجئنا أي الحوت بتغييره لاتجاهه فنتبعه مجددا، وهكذا لمدة أسبوع أو أسبوع ننزل للبحر ونتبعه يوميا، وأحيانا نعود ونحن لم نلتقط صورة واحدة، وإذا ظهر تبدأ رحلة التصوير التي ولا بد أن تكون سريعة. وبعد كل ما ذكرت أستطيع أن أقول إن الصورة هذه هي جهد تكلل بالنجاح أكثر من كونها حظا.

• اذكر لي صورة كلما تذكرتها تشعر بسعادة غامرة؟

تصوير الحياة الفطرية صعب؛ لأن الأجهزة والمعدات التي تستخدم تكون مختلفة، وكلها تحتاج الصبر لفترات طويلة، فلكل كائن سلوك معين وحركة معينة وحياة معينة، وأماكن معينة، وله مواسم، أما بالنسبة للحيتان فتصويرها يختلف عن تصوير السلاحف مثلا. تصوير الحيتان صعب كذلك كما هو الحال في تصوير الغزلان الرملية، والنمور العربية والوشق، والقط والثعلب الرمليان، وهناك أنواع نادرة يصعب علينا العثور عليها.

مثلا عندنا ثلاثة أنواع من الثعالب، والقطط قد نعثر على واحد فقط منها كالقط الرملي، والنادرة تتواجد غالبا في أماكن بعيدة ناهيكِ عن شبه انقراضها، وعند تصويري لمثل هـذه الأنواع النادرة لا بد أن أكون سعيدا جدا.

• هل تشعر بأنك أوفر حظا من مصورين آخرين، يصورون في هذا المجال وغير متخصصين أو بالأحرى لا يعملون فيه؟

الخبرة والمعرفة وعملي المنخرط في البيئة مكنني من فهم الكائنات أكثر. دعيني أضرب لكِ مثالا بطائر الوروار الأوروبي. هذا الطائر يضطرنا للسفر إلى المزيونة على حدود اليمن، فلا يمكن السفر لأماكن بعيدة كهذه دون أن تكون عندك أدنى خبرة عن هذا الطائر، وكلما كانت حياتك وكان عملك في ذات المجال سيسهل عليك عملية التصوير، وهذا لا يعني أن غير المتخصصين والذين يبذلون جهدا ويتعلمون لا ينجحون، بل على العكس هم قادرون بكل تأكيد. أنا مثلا تخصصي بيئة بحرية، لكني استطعت تصوير الحياة الفطرية من طيور وحيوانات من خلال احتكاكي بآخرين في تصوير الطيور. كنت أذهب مع أصحاب خبرة، وهم أخبروني عنها وأسماءها ومواسمها وأماكنها، إضافة إلى القراءة عن الحياة الفطرية البرية، فتراكمت الخبرات والتصوير مع الآخرين وخصوصا ذوي الخبرة يختلف عن التصوير منفردا.

• ماذا تقول عن الكسب المادي من التصوير؟ هل هو مربح نوعا ما؟

الناحية المادية تأخذ الحيز الأصغر من تفكير المصور؛ لأن التصوير مكلف خاصة معدات تصوير الحياة البحرية، فهي تكلف آلاف الريالات من ٢٠٠٠ إلى ٥٠٠٠ ريال. غير حاجتها الدورية للصيانة، فهذه التكاليف مقارنة بالصور المباعة قليلة جدا ولا تذكر، فلسنا مستفيدين بشكل قوي من الكسب المادي في التصوير، لكننا نسعد عندما تطلب منا صورة لمنهج دراسي أو لمتحف وطني، أو لمطار فنسعى لتقديمها بدون مقابل؛ لأنها بمثابة دعاية غير مباشرة لمصور ما.

• هل سبق وشعرت بأنك محاط بالخطر من أجل الحصول على صورة لكائن ما؟ هل تعرضت للخطر فعلا في موقف سابق؟

إنها الحيتان مجددا، هذه كائنات أحجامها كبيرة. الحوت الأزرق مثلا طوله ٢٠ متر ووزنه ٢٠٠طن وأي حركة من الحوت وبضربة واحدة من زعنفته للقارب قد تفقدك حياتك، ونحن غالبا ما نكون قريبين من الحوت بمسافة مترين فقط، وفي المتوسط خمسة أمتار إلى عشرة أمتار، وأحيانا نبحر والحوت القاتل أسفلنا، فهنا يقف المصور بين خوفه وبين تمني الحصول على لقطة جميلة. أما في البر فيندر التعرض للخطر، لكن تبقى المغامرة، والرحلات البعيدة في الصحراء، والأماكن النائية أيضا ليست بسهلة.

• التصوير يثري موطن السياحة مثلما تثريه السياحة وتثري غيره، ماذا تقول عن ذلك؟

هناك جرز جميلة في عمان، ما يقارب أكثر من ٢٠٠ جزيرة لا يعرف عنها أكثر الناس. مصيرة مثلا فيها جزر أذكر منها جزيرة الحالسكية، والقبلية، والحلانيات فيها خمس جرز والديمانيات كذلك، وهناك جزر في مسندم كجزيرة الطير وهذه جزيرة مملوءة بالطيور، وكل جزيرة بها أنواع كثيرة من الطيور لها مواسمها الخاصة، ومهما رحلنا وسافرنا في عماننا الكبيرة نفترض وجوب زيارة ورؤية أماكن أكثر، ونحن نهدف من هذه الرحلات التصويرية إلى تعريف الناس بوطنهم خاصة عندما أسأل الناس هل زرتم الحلانيات؟ يجيبني أكثر من ٩٠٪ منهم أننا لم نصل لهذا المكان، في حين أن عمان لا تقل جمالا عن الدول الأخرى التي نسافر لها! ومن جهة أخرى، هناك القليل من المصورين الذين يصورون الحياة الفطرية ونحن نشجع المصورين للاتجاه لهذا النوع؛ لأنه دعاية للسلطنة ويشجع السياحة، ويعرف الناس بجمال السلطنة، ويعزز فيهم الحفاظ عليها في آن معا.

• شاهدت لك مرة عبر حسابك في الفيس بوك صورة مع كاميرتك وأنت داخل الماء، كما يتجه كثير من المصورين الآن لتصوير أنفسهم أيضا وهم يمارسون التصوير، ماذا يضيف لكم ذلك؟

بدأت حديثا بتصوير نفسي، وأحيانا أطلب من أحد لقطة لي وأنا أمارس التصوير، وما كنت أفعل ذلك قبلا، فشعرت الآن أني فقدت الشيء الكثير؛ لأني قد أستطيع من خلالها التوثيق وإخراج مادة علمية، وفوق ذلك، كم سيكون رائعا عرضها في المعارض الخاصة بي، وبما أني بدأت قد أعرضها في فيلم قصير أو في معرض قادم.

• إذاً هل سنشهد على ظهور ما سنسميهم مصوري المصورين؟

نعم. حاليا في بعض الأفلام الوثائقية التي تتكلم عن التصوير هناك فريق عمل خاص بتصوير المصورين، يترجم للمشاهد كيفية وحيثية التصوير، وأشعر أنه سيكون أمرا ضروريا في قادم الوقت.

• معالجة الصورة، بين تزييف الصورة وتحسينها، كيف تصنفها أنت؟

بالنسبة لي التصوير وأجهزته ومعداته يمثل ٥٠٪ ومعالجة الصورة تمثل ٥٠٪ من أهمية الصورة. ومعالجة الصورة أصبحت مهمة جدا حتى على مستوى العالم، وفي المسابقات أصبح تقييم الصورة يشمل معالجتها، فإذا كانت الصورة قوية ومعالجتها ضعيفة قد لا تحصد نتائج جيدة. كما أن هناك مسابقات أقيمت فقط للتنافس على أفضل معالجة فتوغرافية. الآن أصبح الكثير من الناس يجيد التصوير، ويصورون لقطات متشابهة مثلا، لكن معالجتها قد تكون هي ما يميزها. ولكن ذلك أيضا لا يخلو من النسبية، فمعالجة صور الحياة الفطرية كلما كان أقرب للطبيعة كان أفضل، فإذا صوّرت مثلا النمر العربي يبقى شكله ولونه معروف للناس، فلو عالجته بزيادة لونية قد أخرجه من طبيعته الحقيقية.

• ما الذي يراه حمد الغيلاني، عندما يوجه عدسة كاميرته صوب المستقبل؟ وكيف ستجسده؟

أرى كتابا لي يحمل صورا التقطتها مدعوما بمعلومات عن كل كائن، وإلى جانبه أرى موسوعة لهـذا الجمال العماني الطبيعي تتجمع فيها صور العدسات العمانية كلها. سأبدأ بوضع خطة حصر لجميع أنواع الكائنات الموجودة في عمان، سأصنفها وأقوم بتصويرها وأجمع المعلومات البيئية عنها، بعدها أستطيع نشر مادة يستفيد منها الدارسون والباحثون.