أفكار وآراء

انطــلاقـة جــديدة للتدريب الإعلامي

14 يناير 2018
14 يناير 2018

أ.د. حسني نصر -

بصدور المرسوم السلطاني الخاص بإنشاء مركز التدريب الإعلامي، الأسبوع الماضي، تكون وزارة الإعلام قد حققت أحد أهم أهدافها الاستراتيجية، وواحدًا من أهم أحلام وتطلعات الإعلاميين في السلطنة، الذين يتوقون إلى تطوير مهاراتهم وقدراتهم في إنتاج المحتوى الإعلامي الذي يستطيع منافسة نظيره الإقليمي والعالمي، ويواكب في الوقت نفسه التغيرات الإعلامية والتكنولوجية التي تشهدها صناعة الإعلام.

والواقع أن إنشاء المركز الجديد لم يكن حلمًا للإعلاميين فقط، ولكن أيضًا لمعالي الدكتور عبدالمنعم الحسني وزير الإعلام. فبحكم تكوينه وعمله لسنوات أستاذًا للصحافة والنشر الإلكتروني ومساعدًا لعميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية للتدريب وخدمة المجتمع بجامعة السلطان قابوس، آمن منذ توليه مهام منصبه بأهمية التدريب المستمر للإعلاميين ليس فقط في المؤسسات الصحفية الإذاعية والتلفزيونية، ولكن أيضًا في إدارات الإعلام والعلاقات العامة بالوزارات والهيئات الحكومية المختلفة. وانطلاقًا من رصيده الأكاديمي الكبير في وضع الخطط التدريبية الخاصة بتعليم الإعلام، وإسهامه الكبير في تقديم برامج تدريب الإعلاميين لأجيال متتالية من الإعلاميين في السلطنة، وضع د. عبدالمنعم الحسني التدريب على قائمة أولويات التخطيط الاستراتيجي لوزارة الإعلام. ومنذ توليه حقيبة الإعلام لم يدخر جهدًا في ملف التدريب الإعلامي، إذ حافظ علي تواصل دائم بقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس وبرامج الدراسات الإعلامية بالكليات التطبيقية والكليات الخاصة، وأشرك بعضها في إعداد مشروع المركز الجديد، وخصص منحًا تدريبيةً خارج السلطنة لطلاب الإعلام المتميزين، وكان دائم السؤال عن برامج تدريب طلاب الإعلام وسبل تطويرها، وعمل دائما علي دعم برامج التدريب التي قدمتها الوزارة للإعلاميين داخل وخارج السلطنة. وأذكر في هذا المجال أن معاليه لم يتأخر يومًا منذ توليه منصبه عن حضور ومتابعة جلسات تحكيم مشروعات تخرج طلاب قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس، وقدم للطلاب أصحاب المشروعات المتميزة منحًا تدريبيةً في الدورات التي تنظمها الوزارة سواء داخل السلطنة أو خارجها.

من المهم أن نذكر من قبيل الإنصاف أن جهود تدريب الإعلاميين في السلطنة وتطوير قدراتهم لم تتوقف يومًا، وان جهات عديدة ساهمت على مدار سنوات طويلة في تدريب وتأهيل الإعلاميين في جميع المجالات عبر دورات تدريبية داخلية وخارجية يصعب حصرها. فإلى جانب وزارة الإعلام والمؤسسات الصحفية والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، لعبت جامعة السلطان قابوس وجمعية الصحفيين العُمانية ومعهد الإدارة العامة، بالإضافة إلى دوائر التدريب بالوزارات والمؤسسات الحكومية ومعاهد التدريب الخاصة، دورًا لا يمكن تجاهله في تدريب الإعلاميين على مدى سنوات تطور الإعلام العُماني، وكان لهذه الدورات أثر واضح في تطوير كفاءة الصحفيين والإعلاميين سواء في إنتاج المواد الإعلامية لوسائل الإعلام التقليدية والجديدة أو في إدارة العمل الإعلامي وتخطيط الحملات الإعلامية وحملات العلاقات العامة. هذه الجهود رغم كثرتها وتنوعها ظلت حتى وقتنا الحالي جهودًا متفرقةً تتم بمبادرات فردية من الجهات التي تقدمها أو التي تستفيد منها، ولم يكن لها إطار استراتيجي جامع، حتى أننا في بعض الأحيان كنا نجد دورتين تدريبيتين في الموضوع نفسه يتم تنفيذهما في الوقت نفسه تقريبا دون وجود تنسيق بين الجهات التي تنفذهما. من هنا تأتي أهمية إنشاء مركز التدريب الإعلامي الذي سيكون عليه صهر الجهود التدريبية المتفرقة في مجال الإعلام في بوتقة واحدة، تعتمد على التخطيط العلمي السليم القائم علي رصد وتحليل الحاجات التدريبية للعاملين في حقول الإعلام المختلفة، ووضع أجندة أولويات، ومن ثم تخطيط البرامج التدريبية المناسبة، وتوفير الإمكانات المادية والفنية والبشرية اللازمة لنجاحها.

وإذا كان مركز التدريب الإعلامي الجديد يؤرخ -من وجهة نظري- لمرحلة جديدة من مراحل تطور المنظومة الإعلامية في السلطنة، فإن هناك تحديات عديدة يواجهها المركز الوليد، لعل أهمها هو تحديد العلاقة بينه وبين المؤسسات والجهات والمعاهد الكثيرة المعنية بتدريب الإعلاميين، ورسم خارطة طريق لتنسيق الجهود التدريبية معها. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه المرحلة المبكرة من عمر المركز هو مدى قدرته علي فرض الأولويات التدريبية الإعلامية على أطراف العملية التدريبية من مؤسسات وجامعات ومعاهد، وليس بالطبع وقف الأعمال التدريبية لها. وفي تصوري فإن المركز الجديد لا يهدف بالطبع إلى احتكار تقديم التدريب الإعلامي في الدولة، بقدر ما يهدف إلى وضع الاستراتيجيات التدريبية والخطوط العريضة للحاجات التدريبية للعاملين في قطاعات الإعلام المختلفة، وبالتالي فإن معاهد ومراكز التدريب الإعلامي الأخرى ومراكز التدريب العامة التي تقدم خدمات تدريبية في مجال الإعلام، يمكن أن تستمر في إطار الحفاظ على التعددية التدريبية، وفي هذه الحالة فإن مركز التدريب الإعلامي سوف يعمل كمظلة شاملة ومرجعية أساسية لجهود هذه المعاهد والمراكز. وهنا تجدر الإشارة أيضا إلى ضرورة تحديد علاقة المركز الجديد بالصندوق الوطني للتدريب الذي أنشئ قبل عامين تقريبا بالمرسوم السلطاني رقم 48 لعام 2016، خاصة وأن نظامه الأساسي يمنحه صلاحيات عامة في جميع المجالات قد تتداخل مع اختصاصات مركز التدريب الإعلامي، وتشمل تقييم الوضع الراهن لجهود التدريب في السلطنة، وتحديد أولويات التدريب واحتياجات سوق العمل، وبناء معلوماتية شاملة لدعم التدريب، وتقديم الدعم والاستشارات للجهات المعنية من الحكومة والقطاع الخاص، وبناء الشراكات مع المؤسسات المحلية والعالمية الرائدة في مجال التدريب، وتمويل البرامج التدريبية التي تتلاءم مع الرؤية الوطنية.

في ضوء ما سبق فإن المهمة الأولي لمركز التدريب الإعلامي الجديد -في تصوري- يجب أن تكون رسم خارطة شاملة لواقع التدريب والتأهيل الإعلامي في السلطنة بطريقة علمية، تشمل جميع قطاعات التدريب وجميع أطراف العملية التدريبية من مؤسسات وجمعيات وشركات ومعاهد تدريب ومؤسسات تعليمية، وكذلك المؤسسات المستفيدة من البرامج التدريبية سواء كانت حكومية أو خاصة، وتقدير أعداد المتدربين المتوقعين في المستقبل، والميزانيات المخصصة للتدريب. ويتبع ذلك تحديد الاحتياجات التدريبية الملحة لكل قطاع إعلامي على حدة من خلال استطلاع علمي لهذه الاحتياجات في مختلف القطاعات الإعلامية العامة والخاصة. فالمتطلبات التدريبية في الصحافة الورقية تختلف عن مثيلتها في الصحافة الإلكترونية وكذلك الصحافة الإذاعية والتلفزيونية. وفي مرحلة تالية سيكون من المهم إقامة روابط واتصال مباشر بإدارات التدريب في الوزارات والشركات والمؤسسات المختلفة وصولًا إلى اعتماد البرامج التدريبية السنوية المفصلة.

من السابق لأوانه أن نطالب المركز الوليد بحل جميع المشكلات التي تواجه التدريب الإعلامي في السلطنة دفعة واحدة وخلال مدة زمنية قصيرة، ويكفي في السنة الأولي أن يجمع المركز أطراف صناعة التدريب الإعلامي من مختلف المؤسسات على طاولة واحدة للخروج باستراتيجية معبرة بدقة عن واقع احتياجات السلطنة بمؤسساتها المختلفة من برامج التدريب الإعلامي.