abdallah-75x75
abdallah-75x75
أعمدة

هوامش.. ومتون: الأغنية، وسنامها !

13 يناير 2018
13 يناير 2018

عبد الرزّاق الربيعي -

[email protected] -

إذا كان الشاعر الفلسطيني غسان زقطان يقول: (الشعر أغنية فقط)، سأجيز لنفسي قلب المعادلة، فأقول: «الأغنية شعر»، ولكي لا أبخس حقّ الملحن، والحنجرة التي تؤدّيه، فأحذف مفردة (فقط)، وأؤكّد أنّ ما يبقى من الأغاني، وما نردّده، ويجري على ألسنتنا هو الكلام، وهكذا ردّدنا كلمات أحمد رامي، التي غنّتها حنجرة أم كلثوم، وقصائد عبد الرحمن الأبنودي التي غنّاها عبد الحليم حافظ، ومحمد رشدي، وحين سمعت أنّ الشاعر الراحل محمود درويش ردّد في الثمانينيات بزيارة لبغداد «فوك النخل فوك»، بحضور أصدقاء مشتركين، تساءلت، في ذلك الوقت، مع نفسي: لو كان (جبوري النجّار) الذي كتب كلماتها حيّا، وعلم أن الشاعر الكبير محمود درويش يتغنى بكلماته، أيّة سعادة ستغمره؟

وقبل أيّام جمعني حديث بالشاعر كريم معتوق أشار خلاله إلى محتوى كتاب له لم يخرج للنور بعد عنوانه: «علاقة الشعر بالغناء» توصل من خلاله أن الشعر كان في العصر العباسي هو السنام في الأغنية، لذا وضع أبو فرج الأصفهاني يده على العديد من النصوص الشعرية، وجمعها في كتابه الضخم (الأغاني)، أما في العصر الحديث، فقد صار اللحن، حسب معتوق، هو السنام، خصوصا مع ألحان رياض السنباطي، وبليغ حمدي، ومحمد الموجي، وفي إحصائية طريفة ذكر أنّ مفردة (تعال) كرّرها عبد الحليم حافظ (105) مرّات في إحدى حفلاته، وكرّر محمد عبده كلمة (ليلة..ليلة) (225 ) مرة، فيما بنى زياد الرحباني أغنية فيروز(ليل) على كلمة واحدة معتمدا على طاقاتها الصوتية، مظهرا قدراته اللحنية، وبذلك فمن الطبيعي أن يزاح اسم الشاعر من العديد من الأغاني، وأحيانا حقوقه، وينال المطرب شهرة واسعة، فيما يظلّ الشاعر مجهولا باستثناء البعض من الذين أفلتوا من مطبّ النسيان، ونالتهم بعض الشهرة بسبب اقتران نصوصهم بأصوات شهيرة كالشاعر كريم العراقي، ورغم أنّ الشاعر كاظم السعدي غنّى له الساهر، ومطربون آخرون كعاصي الحلّاني، ولطفي بوشناق، وراشد الماجد، وأنوار عبد الوهاب، العديد من نصوصه، إلّا أنّه لم ينل الشهرة التي يستحقّ، حاله حال عشرات الشعراء العرب الذين يكتبون الأغاني، فتقترن باسم المطرب الذي يغنيها، دون ذكر، لاسم شاعرها!

وخلال لقائي بالسعدي في الشارقة تطرّقنا، إلى العديد من القضايا التي تتعلّق بتعاونه مع أشهر المطربين العرب لعلّ الذين يقف كاظم الساهر في مقدّمتهم، وكان قد كتب له أكثر من أغنية من أغانيه الأولى، والتي من بينها «شحلو طولك»، وعندما طالت الجلسة، رددت مقطعا من أغنية للساهر هي: (يا ليل لا تنتهي

توني بديت الغزل

لأرقص وأغني وادك

والله لوما الخجل)

ففاجأني بأن هذه الأغنية من كلماته، لأنها منشورة في عدد من المواقع بأنّ «الشاعر غير معروف»، وعندما نسبتها له، في تغريدة بحسابي بـ(تويتر) اعترض عدد من المتابعين، وعلمت من السعدي أن هذا اللبس حصل عندما تنازل عنها للساهر بعد أن أصرّت الشركة المنتجة، بالحصول على التنازل بأسرع وقت، بعد استلامه حقوقها، وكان بالعراق، والتواصل معه صعب، والشركة على عجالة من أمرها، فاستأذنه الساهر دون أن يغفل حقوقه علما بأن الساهر ذكر في أكثر من مقابلة أنّ النص له.

والملاحظ أن الأغنية الجديدة المتميّزة، حالما تظهر تأخذ حقها من الشهرة، والانتشار، ويؤدّيها المطرب في أكثر من مكان، لكن يظلّ تنازل الشاعر عن حقوقه للمطرب على حاله الأول، في كلّ هذا يظلّ الشاعر أقلّ المستفيدين، فمن الطبيعي أن يحدث مثل هذا اللبس، ومن الطبيعي أن يظل الشاعر نسيا منسيّا رغم أنّ كلماته سنام جمل الأغنية!

الأغنية شعر، ولحن، وصوت

هذه الأعمدة الثلاثة هي التي ترفع خيمة الأغنية عاليا

ولكي نطوّر الأغنية لابدّ أن نرتقي بالكلمات، ونعطي لشاعرها حقّه من الاهتمام.