أفكار وآراء

اقتصاديات صناعة الأدوية

13 يناير 2018
13 يناير 2018

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

قبل ثلاثين عاما وتحديدا في عام 1978 قرر وزراء الصحة العرب تسجيل الأدوية المصنوعة عربيا وأكدوا قرارهم ذلك في كل اجتماع عقدوه لاحقا، لكن الواقع العربي يقول غير ذلك فقد بقيَ القرار المذكور حبرا على ورق وعجزت صناعة الأدوية العربية ان تنهض لأجل توفير الأمن الدوائي لصحة المريض العربي المثقل بهموم الإرادة المستلبة والأمراض الدائمة وغلاء الأدوية الأجنبية.

وقبل عشرين عاما كانت هناك 40 شركة دواء عربية مقابل 7000 شركة دواء عالمية واليوم أصبحت هناك 24 شركة دواء عربية مقابل 1000 شركة دواء عالمية، ففي حين تسعى الشركات العالمية للتوحد لكي تحقق الإنجازات الدوائية المتقدمة بما يساير متطلبات الزمن وحاجة الإنسان المستمرة وتنجز بحوثا متقدمة في صناعة الدواء لكي يقدم بسرعة مع تنوع أو ظهور الأمراض الخطيرة على صحة الإنسان أو الحيوان، تعاني الصناعة الدوائية العربية من التفريخ نتيجة الاستثمار الفردي بغية الربح المادي.( عصام البغدادي ــ الأمن الدوائي العربي ــ الحوار المتمدن)

لذا فإن صناعة الدواء في الدول العربية تمثل فقط 2.4% من الصناعات العالمية رغم أن معظم الدول العربية تولي اهتماما لهذه الصناعة لأنها ترتبط بالصحة العامة. وبما أن الخدمات الصحية في معظم الدول العربية مدعومة وتقدم شبه مجّان في عدد منها. وتحديدا دول الخليج العربية، إذ إن الإنفاق السنوي من الموازنات الخليجية يعتبر الأعلى بالمقارنة مع الإنفاق على قطاعات أخرى. ومع ذلك لم تتطور صناعة الدواء على الصعيد العربي بما يوازي النمو السكاني. كما أن صناعة الدواء شأنها شأن الصناعات الغذائية أن إنتاجها مطلوب دائما ولا يتوقف. ويتطور بقدر الاهتمام بالتنمية البشرية التي تَعتبر الأمن الصحي أحد أهم مقوماته. تعد صناعة الدواء من الصناعات المستدامة لأنها مرتبطة بحياة الإنسان وغير قابلة للكساد ولكنها في الوقت نفسه من الصناعات المرتفعة التكلفة نظرًا للمواصفات الخاصة التي تطلبها وارتفاع تكلفة التقنية المستخدمة في صناعة الدواء، فضلاً عن احتكار عدد محدود من الشركات العالمية الكبرى لهذه التقنية والشروط التي تفرضها على الدول والشركات التي ترغب في صناعتها، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة المواد الخام ومراقبة الجودة، والحاجة إلى مراكز للبحث العلمي لتمكين الشركات من الابتكار المتواصل والمنافسة أمام الشركات العالمية.

حتى نهاية عام 2016 نشر موقع ( برو كلونكال ) تقريرا عن أهم عشر شركات عالمية مصنعة للأدوية التي جاءت في مقدمتها شركة “ جونسون أند جونسون “ الأمريكية برأس مال يبلغ 71.8 مليار دولار، وبعدها جاءت شركة” بفايزر” الأمريكية برأسمال 52.82 مليار دولار، ثم شركة “ روشا” السويسرية برأس مال 50.11 مليار دولار‘ وشركة “ نوفارتِز” السويسرية برأس مال 48.52 مليار دولار، وشركة “ميرك و الشركاء” برأس مال 39.8 مليار دولار، ثم شركة “سانوفي” الفرنسية برأس مال 36. 57مليار دولار، وشركة “ جلاكسو سميث كلاين” البريطانية برأس مال 34.79 مليار دولار ، وشركة “ جايلد “ الأمريكية برأس مال 30.39 مليار دولار، وشركة “أبوفي” الأمريكية برأسمال 25.56 مليار دولار ، وأخيرا شركة “ باير” الألمانية برأس مال 25.27مليار دولار.

وتعد صناعة الدواء من بين أهم الصناعات في العالم، كما تعتبر أخرى قطاعاً اقتصادياً مؤثراً في اقتصاديات الدول نظرا للإنفاق الكبير الذي يخصص للصحة العامة. وما زالت الدول العربية متخلّفة ولا إسهام لها في صناعة الدواء في العالم. ويتجاوز الإنفاق على الدواء في العالم 400 مليار دولار ويمكن اعتبار الصناعات الدوائية من الصناعات الاحتكارية التي تمكن الشركات الكبرى من تحقيق أرباح هائلة سنويا. كما أن من بين أهم أسباب تخلّف الدول العربية في هذا القطاع هو ندرة الباحثين في مجال الدواء.

تولي دول مجلس التعاون الخليجي الرعاية الصحية اهتمامًا بالغًا لتطوير الخدمات الصحية لسكانها ويظهر ذلك من خلال حجم ما تقدمه الموازنات المالية السنوية، كما أن حكومات دول المجلس أتاحت للقطاع الخاص الاستثمار في الصناعات الدوائية من خلال تقديم القروض والإعفاءات والحوافز ولا تزال دول الخليج تستورد احتياجاتها من الأدوية بنسبة كبيرة تقارب الـ95% مقارنة بما تنتجه محليًا، لذا تتوفر فرص كبيرة للمستثمرين لتغطية هذا النقص الهائل في الطلب.

اقتصاديات الدواء تشير إلى التخصص العلمي الذي يقارن بين قيمة دواء صيدلاني أو علاج عقاري وآخر. وهو أحد فروع التخصص العلمي اقتصاديات الصحة. وتعمد دراسة اقتصاديات الدواء إلى تقدير قيمة (يتم التعبير عنها بمصطلحات مالية) وتأثيرات (يتم التعبير عنها بقيمة مالية أو فاعلية أو جودة الحياة المحسنة) المستحضر الصيدلاني. وتوجد أنواع عديدة من تقييمات اقتصاد الدواء: تحليل خفض التكاليف وتحليل التكاليف والمنافع وتحليل فعالية التكاليف وتحليل فوائد التكلفة. وتفيد دراسات اقتصاد الدواء في التوجيه للتخصيص الأمثل لموارد الرعاية الصحية، والذي يكون بطريقة قياسية وأساس علمي.

ــــ الأدوية سلع ذات الطلب الفعال: يعتمد تحليل التكاليف مقابل المنافع المعيار الاقتصادي الذي يحدد الطلب على السلعة المنتجة. وبما أن الدواء من السلع التي لا يتوقف الطلب عليها بل ويتصاعد مع النمو السكاني. لذا فإن تحليل التكاليف مقابل والمنافع يبرر عدم تقييد الإنفاق على الدواء. وعند اعتبار معيار الرعاية الصحية كمؤشر على التنمية البشرية لذا كان الإنفاق العام على الدواء أولوية لدى معظم دول العالم.

ــــ الدعم الدوائي: يمكن القول إن معظم الدول العربية تقدم الدعم للأدوية. وذلك لأن المرونة السعرية على الأدوية يخضع لمقياس يُستخدم في علم الاقتصاد وهو مُعدل الاستجابة أو المُرونة الخاصة بالكمية المطلوبة من السلعة أو الخدمة في حال تغيير سعرها. وبما أن الطلب على الأدوية لا يتوقف ويتصاعد فإن مرونة أسعار الأدوية سلبية على الأغلب. وعموما فإن الطلب على الدواء غير مرن. لذا فإن منظمة الصحة العالمية تؤكد على التنظيم الفعال لتجارة الأدوية بما يعزز ويحمي الصحة العامة عن طريق ضمان أن تكون الأدوية من النوعية والمأمونية والنجاعة المطلوبة؛ وأن يتم تصنيع الأدوية وتخزينها وتوزيعها وصرفها على نحو مناسب؛ وأن يتم الكشف عن التصنيع والتجارة غير المشروعة وتوقيع العقوبة على نحو كاف؛ وأن يكون لدى المهنيين الصحيين والمرضى المعلومات الضرورية لتمكينهم من استخدام الأدوية على أساس منطقي؛ وضمان عدالة وتوازن الترويج والإعلان واستهداف ترشيد استهلاك الدواء؛ وعدم إعاقة الحصول على الأدوية بواسطة عمل تنظيمي غير المبرر. وأوصت المنظمة الحكومات الوطنية في العالم بتحمل المسؤولة عن إنشاء هيئات تنظيمية وطنية قوية للأدوية بمهمة واضحة، وأساس قانوني متين، وأهداف واقعية، وهيكل تنظيمي مناسب، وعدد كاف من الموظفين المؤهلين، وتمويل مستدام، والحصول على أحدث المؤلفات التقنية المسندة بالبيانات، والمعدات والمعلومات، والقدرة على ممارسة السيطرة على السوق بفعالية. يجب أن تخضع الهيئات التنظيمية للأدوية للمساءلة أمام كل من الحكومة والجمهور، وينبغي أن تكون عمليات اتخاذ القرار شفافة. وينبغي أن تدرج آليات الرصد والتقييم في النظام التنظيمي لتقييم تحقيق الأهداف المقررة.

ويتحدد دور منظمة الصحة العالمية في مجال دعم تنظيم الأدوية ذو شقين. ويتعلق أحد الجوانب بتطوير النماذج والمعايير والدلائل الإرشادية المعترف بها دولياً. والجانب الثاني يتعلق بتوفير التوجيه والمساعدة التقنية والتدريب من أجل تمكين البلدان من تنفيذ الدلائل الإرشادية العالمية لتلبية الاحتياجات والبيئة الخاصة المنظمة للأدوية لديهم.

وتركز أنشطة منظمة الصحة العالمية في مجال دعم تنظيم الأدوية على دعم عمل الهيئات التنظيمية الوطنية للأدوية. من خلال تقييم أجهزة تنظيم الأدوية الوطنية، تنظيم المعلومات التنظيمية والكتيبات العملية، تحسين فرص التدريب، إنشاء موقع إلكتروني نموذجي لسلطات تنظيم الأدوية، تطوير نموذج لنظام تسجيل الأدوية بمساعدة الحاسوب، إصدار مخطط شهادة بشأن جودة المستحضرات الصيدلانية المتداولة في التجارة الدولية، المؤتمر الدولي لسلطات تنظيم الأدوية والتعاون والتنسيق الدولي.