أفكار وآراء

العالم العربي ... رؤية تفاؤلية مستقبلية !!

12 يناير 2018
12 يناير 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

على مشارف عام جديد يعن للكثيرين منا أن يتساءلوا إلى أين يمضي العالم العربي؟ وهل هناك من أمل في مستقبل أفضل للأجيال القادمة بعد سبع سنوات من القلاقل والاضطرابات التي جرت الوبال على المنطقة، ودفعت الشعوب كلفتها العالية والغالية؟ الشاهد أن أزمة العالم العربي قد تبدت بنحو خاص بفعل عاملين: «أولهما الحالة العراقية انطلاقاً من الغزو الأجنبي فالاحتلال فالصراع الداخلي الذي كاد أن يصل إلى حد الحرب الأهلية، ومع ما جرى في العراق بدت المفارقة أن الأقطار العربية التي تاقت يوماً لأحلام الوحدة والتكامل أصبحت قلقة على حدودها الداخلية وسيادتها القطرية، لتنخفض بذلك سقوف الأحلام والتطلعات القومية بقدر ما تزداد المخاوف والهواجس الخاصة بكل دولة.

أما العامل الثاني فهو أزمة الثقة التي تعاني منها الذات العربية فيبدو متمثلاً في حركة العولمة الهادرة وهي تقذف كل صباح بتجلياتها وأدواتها ومنتجاتها العابرة للحدود، وفي قلب هذا المشهد الزاخر بالتدفق الإعلامي والمعلوماتي، ظهرت التقارير والدراسات الدولية والإقليمية وكأنها تزيد من عمق أزمة الثقة العربية، فقد بدت الأرقام التي تضمنتها هذه التقارير ناطقة وصارخة بما آل إليه العرب على أصعدة حضارية عديدة، وبدت المقارنة بين العرب والعالم المتقدم على صعيد مؤشرات حركة التأليف والقراءة والبحث العلمي وغيرها أمثلة مفزعة لفجوة معرفية تفصلنا عن العالم المتقدم.

غير أن أزمة بعينها هي التي سيطرت على أبعاد المشهد العربي، مشهد الإرهاب الداعشي والقاعدي ذاك الذي حول حياة العرب إلى نهار من القلق وليل من الأرق، سيما بعد أن خرب الأنسجة المجتمعية العربية، وبدأ وكأن الحل هو هجرة البلدان العربية، والبحث عن مسارب أخرى للحياة بعيداً عن الأوطان، وهي هجرة من نوع مغاير لتلك التي عرفها اللاجئون والفارون من جحيم الحرب إلى عوالم أكثر أماناً كما رأينا خلال الأعوام من 2014 وحتى نهايات 2016، بل هي هجرة اليائسين من أي أمل في العالم العربي، وتلك هي الكارثة وليست الحادثة، ذلك أن كثيرا من الأمم تعرضت لأزمات قاتلة كما الحال في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن لم يفكر أبناؤها في هجرها، بل عملوا ليل نهار ليعيدوا لها الأمجاد التي كانت، وهو ما قدر لهم بالفعل .

في وسط هذه الأزمات المركبة يكون الحديث عن التفاؤل في العالم العربي نوع من أنواع الترف الفكري، وربما الحديث غير الموضوعي أو الموثوق، لكن المفاجأة أثبتت أن هناك نوعا من الأمل لدى الشباب العربي، رغم كافة الصعاب التي تواجههم في مسيرتهم اقتصادياً وثقافياً، اجتماعياً وسياسياً، ورغم مشاعر الارتياب تجاه المستقبل ... ما الذي جرى وكيف جرى؟

مؤخراً وقبل انقضاء العام، أظهرت مؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية، المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أن 65% من المستطلعة آراؤهم من الشباب العربي متفائلون بالمستقبل، رغم كافة المشكلات المتراكمة المحدقة بعالمنا العربي، وشملت الدراسة التي حملت عنوان «بين الارتياب والتفاؤل» نحو 9 آلاف شاب تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاما خلال صيف وشتاء 2016 و 2017.

يعني لنا تحليل نتائج البحث واستطلاع الرأي المتقدم، وتبيان الأولويات المهمة في السلم التنظيمي للشباب العربي، وبنظرة فاحصة نرى أن هناك اهتماما أولى وكبيرا بأمرين الأول هو تأمين الحاجات الإنسانية الأولية من مسكن ومأكل وملبس، والثاني هو نبذ العنف، بعد أن بسط الإرهاب أجنحة الموت على العديد من دول المنطقة طوال الأعوام الماضية.

هل يفيد ترتيب الأولويات هذا بأن الاهتمام بالقضايا السياسية لم يعد هو الهدف الأول؟ يبدو بالفعل أن ذلك كذلك، فعلى سبيل المثال أظهرت الدراسة أن القائمين على شؤون العمل السياسي في الدول المستطلعة فيها الآراء ، غير موثوق فيهم، في نظر غالبية الشباب في المنطقة.

جزئية أخرى ضمن جزئيات الاستطلاع الذي نحن بصدده وهى ما هي مكانة الدين في نظر شباب العالم العربي؟

السؤال يذكرنا ولا شك بالمقولة الشهيرة للكاتب الكبير «جورج برناردشو» انه عند العاصف يلجأ المرء إلى أقرب مرفأ الأكثر أمانا.

هذا بالضبط ما أظهرته من جديد دراسة مؤسسة فريدريش إيبرت» الألمانية، وقد بينت أن الدين يمثل واحدة من أهم القيم بالنسبة لمعظم الشباب في الشرق الأوسط، وحتى في البلدين اللذين شهدا أكبر ثورتين خلال الربيع العربي أي مصر وتونس فإن نسبة الذين يأملون في تأسيس نظام ديمقراطي لا يتجاوز 50%، فيما لا تتجاوز هذه النسبة 20% بالكاد في المغرب والأردن واليمن. ويطالب الكثيرون برجل قوي على رأس الدولة.

على أية حال يبقى المؤكد أن الدين يلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً، وبحسب استطلاع الرأي فقد خلص 94% من المستطلعة آراؤهم إلى القول بأهمية الدين .

والثابت أن النتيجة الأكثر أهمية في الاستطلاع المتقدم هي تلك المتصلة بنسب البقاء أو الرحيل حسب نوايا الشباب العربي، والتي عليها نحاول أن نحدد درجة التفاؤل أو التشاؤم في المستقبل العربي، فقد قال 10% من الشباب المشارك في الدراسة إنهم مصممون على الهجرة من بلدانهم، وعلى العكس من ذلك فإن غالبية الشباب الآخرين يريدون رسم مستقبلهم داخل أوطانهم، وهي نتيجة في كل الأحوال ورغم كافة الظروف المأساوية التي عاشها الشباب العربي خلال السنوات المنصرمة، تعد إيجابية للغاية وتظهر أن هناك لا يزال أمل في المستقبل العربي، أمل موصول بالشباب وبالأجيال القادمة، حيث الرهان عليها هو في واقع الحال الرهان الصائب، وبدون أن يعني ذلك إلغاء الأدوار الواقعة على الأجيال الأكثر خبرة من الآباء المؤسسين في العالم العربي على مختلف الأصعدة، سياسياً واجتماعياً بنوع خاص.

على أن الاستطلاع السابق في واقع الحال يعود بنا إلى دائرة التفاؤل حول الآفاق السياسية والحزبية للشباب العربي، ومستقبل تلك الآفاق وهل تغير الوضع بعد سنوات ما سمي بالربيع العربي أم أن النتائج بقيت مرتبطة بحالة التكلس والتحجر السياسي التي عرفتها دول العالم العربي؟

أن أحد الأسئلة المطروحة: «هل يمكن فصل تطورات الأوضاع السياسية في العالم العربي عن السياقات الدولية والتطورات الكوزموبوليتية التي تدور من حولنا في هذه الحقبة الزمنية غائبة وغائمة المعالم؟

أهمية السؤال تنطلق من حالة الارتباط أو الانفصال ما بين الداخل والخارج، فلم يعد أحد يستطيع العيش منفصلاً عن الآخر، كما أن العولمة وقد خلقت بالفعل قرية كونية صغيرة، إلا أنها وفي الوقت ذاته فرضت أنماطاً خلافية غير وفاقية، الأمر الذي أدى إلى نشوء وارتقاء حالات من التعصب القومي والتطرف اليميني والشوفينيات الشعبوية، وعليه فإن تأثيرات ما يجري في الخارج تؤثر بدرجة أو بأخرى على الداخل، ومن هنا يبقى التساؤل المفتوح أي مسار ينبغي أن نسلك، الداخل بما يحمله من إشكاليات وصعاب أم الخارج بما فيه من نماذج قد لا تتواكب أو تلائم معطياتنا الاجتماعية والعرقية الجغرافية والتاريخية؟

مهما يكن من أمر ، فقد أثبت الشباب العربي أنه قادر على التغيير، لا عن طريق الثورات التاريخية التي تستجلب الخراب والدمار على دولها والتوصيف هنا لثعلب السياسة الأمريكية «هنرى كيسنجر»، بل عن طريق التعاطي مع الحراك التاريخي العالمي، عبر الاستثمار في منجزات الثورة الرقمية والقوة الناعمة، وإتقان لغة الإبداع والتواصل والتحول والتعاطي مع الآخر دون أدنى شعور بالنقص أو الدونية وربما تكون هذه هي البداية الحقيقية للتغييرات التي تقود وهي بدايات تختلف في الكمية والكيفية عن مفاهيم ومعطيات أولئك الذين امتدت إياديهم لتحرق وتغرق وتخرب في الأوطان، ما أنعكس إيجاباً على أعداء الأوطان وسلباً على أبنائه.

وفي السياق ذاته ربما يجدر بنا التساؤل هل من مستقبل الشباب العربي في داخل أوطانه دون شروط وأطر ومعايير محددة؟

بالقطع لابد من توافر ركائز أساسية حتى يكون خيار البقاء في الأوطان هو الطريق الأنجح للمستقبل المزدهر.

في مقدمة تلك الركائز وحدة وسلامة النسيج المجتمعي الداخلي للدولة العربية الحديثة، هنا حيث المساواة بين أبناء الوطن الواحد، دون تفرقة على أسس من اللون أو الجنس، العرق أو الدين، ولدينا في تجربة الشعوب الأوروبية مثالاً واضحاً على النجاحات والإخفاقات، فقد عانت أوروبا طويلاً جداً من الصراعات الدينية والطائفية، المذهبية والعرقية، وقد عرفت حرب أديان طالت إلى ثلاثين عاماً وحتى القرن الماضي شهد حربين عالميتين كانت العرقيات أساسهما، حيث اعتبرت النازية الشعب الألماني هو الجنس الأكثر تطوراً.

والشاهد انه لم يكن لأوروبا أن تنهض نهضتها التي نراها عليها اليوم إلا بعد أن خلعت عنها هذا الرداء البالي.

هنا ربما يحق لنا المقاربة: فهل نحن لا نزال في المراحل الأولى نتلمس الطريق نحو دولة المواطنة وبعيداً عن البناء الحقيقي الذي تقوم عليه الدولة الناجحة؟.

الركيزة الثانية والأساسية لكي يجد الشباب العربي الساعي للبقاء في الأوطان بيئة ملاءمة للنمو والازدهار تتصل بالآخر، وهل هذا الآخر كما يقول فيلسوف الوجودية الفرنسي الأشهر «جان بول سارتر» هو بالنسبة لي الجحيم أم النعيم؟ بمعني هل أقبل الآخر الشريك في الوطن وفي الحدود الجغرافية وفي مشتركات وقواسم الدين والتاريخ، وحتى المغاير عن كل ما تقدم ...هل أقبله كما هو معينا وسنداً وشريكاً في الطريق إلى الأمام أم أنظر إليه نظرة ريبة وشكوك لا تفيد؟.

هناك ركيزة المعرفة، فلا تقدم ولا تجاوز لمنعطفات التخلف إلا عبر معرفة حقيقية، تقدم للجميع من خلال عملية تعليمية نهضوية حقيقية، عملية تقوم على الإبداع لا على الاتباع، بمعني أنها عملية ترى أن هناك خيرا في الخلف، وأن العطاء لم يتوقف عند السلف بالمعني الراديكالي السلبي، ودون إشكالية تصادم بين الحداثة والمعاصرة.

جيد جداً أن يكون البقاء في الأوطان خيار الشباب العربي، لكن الواقع يخبرنا بانه خيار أقرب إلى الاختبار، فإذا توافرت شروط البقاء السليم والقويم أضحى الأمر رهاناً ناجحاً لمستقبل أفضل، والعكس هو ما لا نتمناه أو نرغبه.